تونس الصباح بعد ندوة القيروان عاصمة للثقافة الاسلامية في بداية شهر نوفمبر وملتقى شعرية الشابي، نظمت جامعة منوبة (كلية الاداب والفنون والانسانيات) أول أمس الاثنين وصباح أمس الثلاثاء ملتقى حول الادب التونسي الناطق باللغة الفرنسية: "أصوات قديمة وقنوات جديدة". عرض للبعض مما جاء فيه... تمت خلال هذا الملتقى محاورة النصوص "الناطقة" باللغة الفرنسية وتقصي ما يختلج فيها من شواغل ومن خصوصيات أسلوبية. وتم التركيز على وجه من وجوه هذا الادب الذي قل ان وقع تناوله بالدرس وهو الادب الذي يكتبه الجامعيون كالاساتذة أنور عطية ومنصور مهني ومختار سحنون وسمير المرزوقي.. ومن اجل ذلك استضاف الملتقى الكاتب التونسي رفيق بن صالح المقيم بسويسرا وثلة من الاساتذة من جامعة منوبة و9 أفريل وسوسةوجندوبة والمعهد العالي للغات وقد واكبه طلبة الماجستير. افتتحت الملتقى الاستاذة عفيفة المرزوقي، مديرة قسم اللغة الفرنسية بجامعة منوبة، لتنزل الملتقى في إطاره ولتعلن أمام الحضور بان فكرة تنظيم هذا الملتقى بدأت كمجازفة وتطورت وسط الكثير من التردد ولكنها ما ان طرحت للتنفيذ حتى وجدت الترحاب والتشجيع اللذين جعلا لجنة التنظيم تقرر تنظيمه سنويا وفي نفس الفترة وذلك من أجل ان يحظى هذا الادب المكتوب باللغة الفرنسية بما يستحقه من اهتمام وليأخذ مكانه الحقيقي الى جانب الادب المكتوب باللغة العربية لانه لا يقل أهمية ولا صدقا، ولانه في النهاية أدب تونسي بالاساس. وقد لاحظ الاستاذ شكري المبخوت، في خصوص نفس الموضوع خلال كلمة موجزة ارتجلها بالمناسبة، ان الادب التونسي المكتوب باللغة الفرنسية للجيل الثاني من الكتاب والشعراء لم يحظ بالاهمية التي توليها الجزائر والمغرب مثلا لهذا النوع من الادب إذ لا توجد حوله قراءات ولا تحاليل وهو ما يزيد صعوبة الاحتفاء به وتناوله بالدرس في الندوات والملتقيات ولعل هذا ما يفسر قبول لجنة التنظيم عرض قراءتين مثلا لكتاب "المطورنة" لفوزية الزواري في حين أن هناك كتبا أخرى تستحق التكريم ولكن لا توجد حولها دراسات على ما يبدو. أما الاستاذ الحبيب صالحة الذي ترأس أولى جلسات هذا الملتقى فقد أثنى في تصريح خص به الصباح على فكرة تنظيم مثل هذا الملتقى وعلى اختيار هذا الموضوع بالذات و اعتبر أن في تناوله جرأة وتمنى على الجميع الحديث في المستقبل عن "أدب مغاربي بارتسامات تونسية" لان تونس رائدة في هذا النوع من الادب . وفسر إعجابه بموضوع هذه الندوة بكونها تبحث فيما تبحث عن تصور جديد للاداب الناطقة بغير اللغة الام وهو مدافع شرس عن هذا التصور ويحرص شديد الحرص على أن يخرج من تونس لينتشر في غيرها من البلدان التي تشهد حركة أدبية متحركة بلغات ثانية وثالثة باعتبار أن بلدانا عديدة لها أدباء يكتبون بلغات أخرى. ومن أهمها بلدان المغرب العربي. هذا التصور يتمثل في كتابة جديدة وقراءة مغايرة للادب تعوض القراءة الجامدة للادب التونسي والتخلي عن فكرة ان الاخر عدو متوحش وان الذات صديق دائم. نوعية تونسية أما مؤسس مجلة "ايبلا" والباحث المختص في الادب التونسي "جون فونتان"، وقد كان من ابرز الوجوه الحاضرة في الملتقى، فقد عبر لنا عن إعجابه بطرح مثل هذه القضايا في الجامعة التونسية وأبدى ارتياحا كبيرا لاقتناع الجامعة التونسية أخيرا بضرورة "الخروج من فرنسا" حيث أنها لم تكن تدرس إلا باسكال و فولتير وبروست واعترافها مؤخرا بأدبائها وتدريسهم والكلام له: "أمر محمود وقد ناضلت من أجله طيلة 40 عاما عملت خلالها جاهدا على التعريف بهم واقناع الجميع بأهمية ما يكتبونه وبضرورة إدخاله إلى الجامعة ليصبح بذلك الكتاب الكلاسيكيون قاعدة ننطلق منها لنتجاوزهم وندافع بذلك عن النوعية التونسية التي أعتبرها جيدة في أغلبها". وأضاف بكثير من الحماس والثقة: "خاصة وأننا إذا قمنا بمقارنة بين الكتابات المعاصرة في تونس باللغة الفرنسية والكتابات التونسية القديمة باللغة اللاتينية وهما مبنيان على النوعية، نجد أن النوعية التونسية المعاصرة غير موجودة في الادب الفرنسي". الغربة أنواع أما برنامج الندوة فقد تميز بالثراء والتنوع (13 مداخلة) رغم ما أثير في بداية الملتقى من صعوبة الحصول على مادته التي تغلبت نوعيتها على كميتها وشد معدوها انتباه مستمعيهم من طلبة الماجستير وأساتذة مختصين وطلبة وضيوف. وقد حظيت خلاله رواية فوزية الزوارى "المطورنة" بنصيب الاسد من الدراسات إذ خصها الاستاذ منصف خميري ببحث تمحور حول الغربة المضادة بعد رجوع بطلتها ريم من فرنسا للاستقرار في إحدى قرى جندوبة وقد قارن هذه العودة بعودة "ايمي سيزار" من فرنسا الى جزر "القوادلوب" حيث استقبل هو استقبال المنتصرين وجوبهت هي بالرفض وتمت محاسبتها اجتماعيا على غلطة ارتكبتها قبل 15 سنة، حين هربت مع أستاذها الى فرنسا وتزوجته واستقرت هناك وأنجبت منه ابنة تشبهه الى حد يعسّر عليها وعلى أهل قريتها نسيان أو تجاوز خطيئتها المضاعفة بالهرب مع رجل بلا زواج شرعي وغير مسلم... وضع جعلها تعيش 3 أنواع من الغربة (داخلية في ذهنها وعائلية واجتماعية) أدت بها إلى الدخول في حروب مع سكان القرية من اجل استعادة مكانتها ومع صهرها من أجل استعادة ارث العائلة. وتناولت رملة العياري أستاذة مساعدة بجامعة جندوبة من جهتها الرواية من زاوية الحضور المؤثر للام وأرجعت في بحثها ما تتصف به البطلة من حدة طباع وقوة شخصية الى ما ورثته عن أمها التي لم تكن تلك المرأة الشرقية المستكينة الضعيفة أمام تسلط وهيمنة الرجل على العائلة. وقد حظي كتاب هالة الباجي "عين النهار" أيضا باهتمام الباحثة نادرة الاجري الاستاذة بجامعة سوسة فاعتبرته شهادة مكتوبة بشاعرية لم تعكس الواقع المعاش بجفاف وإنما وصفت لوحة من هذا الواقع فنتجت عن هذا الوصف علاقة بين فني الكتابة والرسم من حيث استعمال الالوان والافعال والنظرة الثاقبة لجزئيات الحياة. وقد اختتم هذا الملتقى بمائدة مستديرة تحلق حولها كل من أنور عطية وعبد العزيز بلخوجة ورفيق بن صالح وكمال قحة وسمير مرزوقي ومنصور مهني ومختار سحنون.