محمد طعم عملا بالمبدأ القائل بأن «الجار قبل الدار»، إن ما يحدث في ليبيا، البلد المجاور، وليبيا، الشعب الشقيق، الذي تربطه بتونس روابط الجغرافيا والتاريخ والاقتصاد والسياسية، لا يمكن لعاقل أن يتجاهله، ولأن ما حدث هناك منذ أكثر من 42 سنة كان، ولا يزال، يؤثر عما حدث وسوف يحدث في تونس وغيرها من بلدان المنطقة. من واجب تونس الثورة، تونس ما بعد 14 جانفي (يناير)، أن تقف مع ثورة الشعب الليبي البطل وشد ازره في مواجهة أقدم دكتاتور على وجه البسيطة. ما بين 1 سبتمبر 1969 و17 فيفري 2011، يكون القذافي قد حكم ليبيا حكما مطلقا لمدة 42 سنة وخمسة أشهر و16 يوما بالتمام والكمال!. إن ليبيا القذافي، هذه، بملايينها الستة، ما يعادل سكان الدانمارك، والتي تعادل مساحتها كلا من ألمانيا وفرنسا واسبانيا وإيطاليا مجتمعين، ورغم أنها تعوم فوق بحر من النفط (6.2% منالاحتياطي العالمي)، إلا أنها محرومة من مستشفيات حديثة، وجامعات حديثة وبنية تحتية حديثة. هذا، عدا عن إعلام حديث ومشاركة سياسية. إن الوقوف مع أشقائنا وأهلنا في ليبيا ليس بالواجب الأخلاقي أو الإنساني فحسب، بل هو ضرورةاستراتيجية عليا، ضرورة تحتمها المصلحة المشتركة والجغرافيا المشتركة والمصير المشترك. للمرء أن يتساءل؛ هل من الممكن أن تنجح الثورة في بلادنا،تونس المقبلة لتوها على الدخول ليس في بناء مستقبل يليق بمكانة شعبها الأبي فحسب، بل تونس التي لا زالت تلتمس الخطى لوضع اللبنات الأولى كي يحتل شعبها موقعه بين الأمم، في الوقت الذي يكون لها فيه جار سوء على شاكلة القذافي «المقذوف به قريبا»؟ هل أن تونس كانت ستنعم بالرفاهية والإستقرار وتنجح في تأسيس دولة ديمقراطية تحكمها سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان فيما لو ظل القذافي وموسى كوسا وأبو زيد عمر دردع يحكمون طرابلس؟ هل من أحد لا زال يذكر يوم 27 جانفي 1980، أو ما يعرف بأحداث قفصة؟ هل من أحد لا زال يذكر طرد العمال التونسيين من ليبيا مصادرة ممتلكاتهم سنة 1985؟ هل من أحد يعلم ما كان يخطط له، قبل أيام قليلة فقط، وبأمر من القذافي، كلا من موسى كوسا وأبوزيد عمر دردع؛ الأول وزير خارجية حالي ورئيس أسبق لجهاز المخابرات العامة الليبية والثاني الرئيس الحالي لجهازالمخابراتالعامةالليبية. تفيد تقارير استخباراتية مؤكدة بأن الرجلين قاما بترتيب هروب المخلوع بن علي، وبعدها بأيام أشرفا ورتبا احتضان فلول النظام البائد الذين فر أغلبهم عبر الحدود اللبيبية. بل أنهما كانا يعملان من مقر المخابرات إياه الواقع بالهضبة الخضراء، منطقة صلاح الدين، الضاحية الجنوبية الغربية للعاصمة طرابلس على إفشال أي مسار ديمقراطي في تونس والعمل بجدية على زعزعة استقرارها. ألم يكن القذافي، هو الشخص الوحيد في العالم، الذي تأسف علنا على رحيل الطاغية بن علي وزبانيته؟ اليوم، وقد انبرت آلة الدمار والقتل والتنكيل بشعب أعزل بأسره. هتلر لم يقصف شعبه بالطائرات والمدفعية والأسلحة الثقيلة، موسيليني لم يفعلها أيضا، فرانكو لم يفعلها، ستالين، على استبداده لم يفعلها هو الآخر، ولا بوكاسا ولاعيدي أمين ولا ماو تسي تونغ ولا موبوتو سيسيكو ولا أي طاغية آخر يمكن أن يتساوى مع بشاعة وبدائية وصلف هذا المعتوه وأبناؤه. بئس الجار وبئس الحاكم. إن تونس الثورة هي ليست بالإتحاد الأوروربي، وليست هي بالولايات المتحدة أو حتى الصين، تونس الثورة هي الجار أولا، وهي الشقيق ثانيا، وهي المتحررة من أي نفاق سياسي ثالثا. لا هي متورطة بمصالح مادية أو سياسية مع حكم القذافي. بل على العكس تماما، من مصلحة تونس أن ينهض أشقاؤنا في ليبيا بعد غياب دام أكثر من أربعة عقود، وينفضوا عنهم غبار القهر والاستبداد. من مصلحة تونس أن تكون في ليبيا حكومة ديمقراطية ودستور وأحزاب وإعلام حر. من مصلحة تونس أن تكون ليبيا الجار والشقيق بلدا يحلو فيه العيش وتصان فيه كرامة الإنسان. لذا، إن شباب تونس اليوم، ومن باب الحرص على مستقبلهم، ملزمون أخلاقيا، ومن مصلحتهم بل من واجبهم أن يقدموا يد المساعدة والعون والدعم بكافة أشكاله لأشقائنا الذين يتعرضون للإبادة والذبح في البيضاء ودرنة وبنغازي ومصراتهوصبراته والخمس وزليتن وغريان وطرابلس. ما الحرج في تقديم الدعم المادي والمعنوي والإعلامي والسياسي بل وحتى العسكري أيضا؟ ما الحرج في ذلك؟ أيقبل أحدنا أن يتعرض بيت جاره للتدمير والاغتصاب والحرق دون أن يتدخل لصد العدوان؟ نقول هذا حتى لا نكون شهود زور على مجازر ومذابح ترتكب بحق شعب أعزل ثار ليس بسبب الفقر والبطالة والتهميش والظلم فقط، بل هذا شعب يثور من أجل كرامته. ألم نسمّ نحن، في تونس، ثورتنا بثورة الكرامة؟