يبدو أن السياحة التونسية تحتاج بدورها إلى ثورة تقطع مع رواسب الماضي وعقلية سابقة سيطرت لسنوات وفقد بسببها القطاع الكثير مما أثر على نتائجه كما وكيفا. وللأسف لا تبشر البوادر الأولى التي تجسد البعض منها في مشاركة السياحة التونسية في المعرض السياحي العالمي ببرلين ،برغبة حقيقية في التغيير الإيجابي لتستعيد السياحة التونسية إشعاعها وتحضى بمكانة أرفع تستحقها الوجهة السياحية التونسية بالنظر إلى حجم مؤهلاتها التي لم توظف بالشكل المطلوب سابقا. كما لم توفق السياحة التونسية للأسف خلال مشاركتها في المعرض السياحي ببرلين في توظيف الثورة التونسية ،وما تركته من انطباع إيجابي لدى العالم بأسره ،للتعريف بالصورة الجديدةلتونس والمساهمة في جلب السياح في وقت حرج يمر به القطاع اليوم. برلين - الصباح - من مبعوثتنا منى اليحياوي لقد عانت السياحة التونسية خلال السنوات الفارطة من برامج وسياسات متبعة لم تواكب نسق التطورات في المشهد السياحي العالمي ولعل أبرز تحدى واجه السياحة التونسية هو النقص الفادح في الترويج وغياب سياسة تسويقية تضاهي من حيث الإمكانيات المرصودة ومن حيث الطرق والمضامين ما كانت تقوم به وجهات منافسة على غرار المغرب وتركيا ومصر مما جعل هذه الوجهات تربح أشواطا كبيرة وتجاوزت الوجهة التونسية رغم أن البعض منهم تعلم قواعد إرساء السياحة انطلاقا من التجربة التونسية. حضور باهت واليوم وبعد الثورة التونسية التي ساهمت بشكل طبيعي وتلقائي في التسويق للوجهة التونسية وفرضت نفسها في المشهد الإعلامي العالمي كما جعلت الكل يتحدث عن تونس باعجاب وتقدير غير مسبوقين ،كان الجميع ينتظر أن تستغل السياحة هذه الأرضية الملائمة وتوظف هذه الفرصة في مزيد التسويق للثورة التونسية وللصورة الجديدةلتونس بعد انجاز شعبها الذي أبهر العالم وصدر ثورته لدول مجاورة. وانتظر كثيرون أن تكون المشاركة في أهم وأكبر معرض سياحي عالمي مختلفة هذه المرة عن المشاركات السابقة التي كانت دائما محل انتقاد، لكن اليوم واقع الحال وحجم الحدث الذي عاشته تونس لا يسمح بأي شكل من الأشكال بأن يكون حضور الوجهة التونسية عاديا وباهتا ودون أدنى إشارة إلى تونسالجديدةوتونس ما بعد الثورة كما وقع خلال المشاركة الأخيرة في معرض برلين . فلم يتضمن الجناح التونسي في المعرض أي إشارة إلى تونسالجديدةوتونس الثورة بل وتونس شرارة الثورة في العالم العربي التي أبهرت الجميع بثورتها المتحضرة و غير المسبوقة. باستثناء شعار الحملة الترويجية الجديدة «أحب تونس» الذي كان هو الآخر باهتا ومحل انتقادات كثيرة. انتقد أيضا بعض المختصين في مجال الاتصال والتسويق الحاضرين ضمن فعاليات المعرض عدم التركيز على ابراز مظاهر احتفالية «بالثورة»في الجناح التونسي كان بامكانها المساهمة في بعث الطمانينة لدى الزائرين وبالتالى لدى السياح ولدى المستثمرين خاصة وأن الأحداث التي تعيشها ليبيا ورفع العلم التونسي في أكثر من بلد يشهد حاليا احتجاجات جعلت الألمان وغيرهم من الأوربيين وربما في مناطق اخرى في العالم يعتقدون أن الأوضاع مازالت لم تستقر أيضا في تونس ولعل خير دليل على ذلك ما صدر عن بعض الصحفيين الذين و بمجرد أن يعرف أنك قادم من تونس يبدى تعجبا من قدومك للمشاركة في معرض سياحي فقال البعض «أنها بلد ساخن الآن» وقال آخر».. كيف أنت هنا في الظروف الأمنية الصعبة التي تعيشها تونس حاليا...» صعوبات تواجه القطاع وكان بالإمكان تقديم صورة مطمئنة ومتفائلة عن تونس ما بعد الثورة خاصة و أن واقع القطاع اليوم الذي لم يسترجع سالف نشاطه يحتاج إلى عودة توافد السياح بل ويحتاج إلى الزيادة في عددهم لدعم الإقتصاد التونسي والكل يعلم أهمية السياحة لأنها المصدر الأول للعملة الصعبة في البلاد وهي قاطرة عدد كبير من القطاعات الأخرى وتساهم في توفير أكثر من 4 آلاف موطن شغل بشكل مباشر وغير مباشر . وكل هذه المجالات معطلة اليوم بعد الثورة كما صرح «لصباح» عدد من المهنيين المشاركين في فعاليات معرض برلين ان ما يخسره القطاع من سياح اليوم حولوا وجهتهم لوجهات سياحية أخرى لا يمكن استرجاعه إلا بعد 3 سنوات على الأقل وبالنسبة للرحلات السياحية البحرية فما تفقده الوجهة اليوم لا يسترجع إلا بعد 5 سنوات على الاقل لأن برمجة توقف البواخر في الموانئ تتم وفق عقود ولا تتغير البرمجة إلا بعد مرور فترة طويلة. تميز المشاركة المصرية ومقابل المشاركة التونسية العادية والخالية من كل توظيف للثورة التونسية شهد الجناح المصري حضورا قويا فزيادة على مضاعفة مساحة الجناح المصري ب3 مرات وقع توزيع الأعلام المصرية كإشارة واضحة للإعتزاز بالثورة المصرية .تم أيضا توظيف جملة من الشهادات الإيجابية لقادة العالم ولشخصيات عالمية تحدثوا بإعجاب عن الثورة المصرية من خلال بث هذه الشهادات على شاشة عملاقة ركزت داخل الجناح المصري وبثت كذلك شهادات لمواطنين من مختلف الجنسيات حيوا الشعب المصري وثورته. كما تم تركيز لافتات في مختلف أروقة المعرض تشير إلى ميدان التحرير كرمز للثورة المصرية وكتبت عليها عبارة « new Egypt «.وشهدت هذه المبادرة المصرية تفاعلا كبيرا من قبل زوار المعرض. فلماذا فوتت السياحة التونسية فرصة توظيف الثورة التونسية والمكانة المتميزة لا بين دول المنطقة فحسب بل أيضا بين دول العالم؟ ولماذا فوتت السياحة التونسية فرصة توظيف صورة وقوف أعضاء الكونكرس والتصفيف طويلا للشعب التونسي وغيرها من الصور والشهادات التي كان بامكانها تشجيع السياح للقدوم إلى تونس؟ ولماذا لم تستغل تلك الشهادات المتوالية من قبل شخصيات عالمية عاملة في حقل المساعدات الانسانية وصلب منظمات عالمية أشادوا جميعا بما شاهدوه من تضامن فريد من نوعه وغير مسبوق أبداه التونسييون في تعاملهم مع اللاجئين الفارين من ليبيا؟ كلها أسئلة تحتاج إلى إجابة من سلطة الإشراف بعيدا عن الإسطوانة المعتادة وتعلة نقص الإمكانيات مقارنة بالوجهات المنافسة فلا أعتقد أن أحد اليوم سيقتنع بالحديث عن عائق الإمكانيات في الوقت الذي تبين أن لتونس امكانيات هامة لكنها كانت مستغلة في غير محلها وحان الوقت لتوظف في المسار الصحيح وفي خدمة صورة تونس في الخارج. منى اليحياوي