*لعل من غريب الأمور أن أبدا مقالي هذا بالتعريف بالإدارة العامة لنزاعات الدولة، في دولة سعى النظام السابق الى اعتبارها «دولة القانون والمؤسسات»، ولعل وجوب تعريف هذا الجهاز يعزى الى اقتصار معرفته على الأقلية من ذوي الاختصاص سواء كانوا حقوقيين أو اكادميين أو رجال قضاء. إن الإدارة العامة لنزاعات الدولة هي الإدارة التي تشمل المكلف العام بنزاعات الدولة الذي يمثل حسب احكام الفصل الاول من القانون عدد 13 لسنة 1988 المؤرخ في 7 مارس 1988 الدولة بجميع مؤسساتها ومختلف إدارتها وكل المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية في الخصومات الجارية لدى المحاكم أو المزمع القيام بها ويتلقى في شأنها قانونا قبول الاستدعاءات المتعلقة بها أو الإعلام بالأحكام الصادرة فيها. وبالرغم من أهمية الدور الذي تقوم به هذه المؤسسة في الدفاع عن الدولة والمكتسبات الوطنية إلا أنها بقيت مهمّشة وفاقدة للإمكانيات المادية الضرورية لحسن آداء مهامها نظرا لعدة أسباب أهمها: ٭ شخصية هذه المؤسسة وذلك بجعل الوظيفة الدفاعية عن الدولة موكولة الى المكلف العام بنزاعات الدولة، فمن يرفع قضية ضد الدولة يجب أن يرفعها ضده في حق الإدارة المعنية عوضا عن رفعها ضد هيئة أو مؤسسة إدارية مستقلة تقوم بهذا الدور الدفاعي التمثيلي للإدارات العمومية. ٭ فقدان هذه الإدارة العامة للاستقلالية وخضوعها لوصاية الإدارة، ولعل الغريب في هذا الأمر هو إلحاقها بوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية، فهي من الناحية الإدارية ملحقة بهذه الوزارة، في حين أنها من الناحية القانونية تمثل مختلف الوزارات والإدارات العمومية، وهو أمر فيه تناقض صارخ، ينم عن نيّة متعمدة لجعل هذه المؤسسة فاقدة للاستقلالية خاضعة للتعليمات وهو ما سهّل في الفترة السابقة الى التلاعب بالمكتسبات العامة. أن بناء دولة الغد، دولة القانون والمؤسسات بصورة حقيقية كما يريدها المواطن اليوم بعد تحقيقه لثورته، يستوجب بالضرورة إعادة هيكلة الإدارة العامة لنزاعات الدولة بصورة جذرية للقطع مع ماض اتسم بالتجاوزات الفظيعة وبالتلاعب بالمصالح والممتلكات العامة وذلك في اتجاه إنشاء هيئة مستقلة لقضايا الدولة، لها صبغة قضائية تكون لها سلطة اتخاذ القرار الحر من أجل دور أكثر نجاعة ومصداقية، مع تمكينها من كافة الإمكانيات المادية والبشرية الضرورية التي تتماشى وحجم وقيمة هذه المؤسسة في الدفاع عن مصالح الدولة. إن المرور بالإدارة العامة لنزاعات الدولة من وضعيتها الحالية الى هيئة قضايا الدولة بمفهومها المعاصر المعمول به في جل البلدان المتطورة، وتحصين أعضائها بالصفة والضمانات القضائية عليهم، من شأنه أن يجعل من الدولة خصما نزيها يحمي المال العام ويذود عن المصلحة العامة بعيدا عن الاعتبارات الذاتية أو المصالح الضيقة، بما يتحقق معه الفائدة للجميع وتعود الثقة المفقودة بين المواطن والإدارة. إن تحقيق إنشاء هيئة قضائية مستقلة في دولة تشهد تحولا جذريا على جميع المستويات هو أمر حتمي يسعى سلك المستشارين المقررين بهذه المؤسسة الى إداركه، مناشدين جميع قوى المجتمع المدني بجميع أطيافهم الى مساندة هذا السلك في تحقيق هذا الهدف تكريسا لسيادة دولة القانون والمؤسسات. * حقوقي