تنعقد اليوم الجلسة الثانية للهيئة العليا لحماية أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، في ظل جدل مستمر حول تركيبتها والمنخرطين بها والمهام المنوطة لعهدتها، وبعد جلسة أولى لم توفق في إتمام برنامج العمل الذي كان مقررا لها. غير أن هيئة الحكماء تواصل عملها بجهد، وقامت بتوزيع وثيقة مشروع القانون المتعلقة بانتخاب المجلس الوطني التأسيسي، كما أن الحكومة الانتقالية تعمل على"التشاور المستمر، وخلق وفاق سياسي بين مختلف الأطراف" حسب مصدر حكومي، وذلك لإنجاح عمل الهيئة وإتمام مهام الحكومة التي طرحتها على نفسها في هذه المرحلة الانتقالية. ويتوقع الإعلان عن تعزيز للهيئة العليا بعدد من الشباب وممثلين عن الجهات، وأيضا ممثلين سياسيين. وسيناقش مشروع المرسوم الذي شرعت اللجان الفنية بقيادة عياض بن عاشور في بلورته منذ أن تم الإعلان عن قيام مجلس تأسيسي في البلاد وحتى قبل التئام أول اجتماع للهيئة العليا، بحضور الشخصيات الوطنية وممثلي الأحزاب ومكونات المجتمع المدني. ويتركب مشروع القانون المنظم لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي 70 فصلا، ويقترح مشروع هذا النص التشريعي طريقتين لاقتراع الأولى عن طريق الاقتراع على الأفراد والثانية فتتمثل في الاقتراع على القائمات وفق قاعدة النسبية، وتوزيع المقاعد وفق قاعدة المتوسطات.
مشاورات
لم تنته المشاورات بعد الإعلان عن تركيبة الهيئة العليا، إذا أن النقاش الحاد الذي دار في أول جلسة للهيئة حول تركيبتها، جعل الحكومة تواصل المشاورات مع عدد من الأحزاب والمنظمات للتشاور حول مواقفها ومطالبها. وعلمت "الصباح" أن اتصالات حصلت بين ممثلين عن الحكومة وعدد من الأحزاب السياسية مثل "حركة النهضة" وحزب "حركة الوطنيين الديمقراطيين" التي يقودها شكري بالعيد. كما يواصل الدكتور عياض بن عاشور رئيس الهيئة العليا، مشاوراته مع مختلف ممثلي الجهات والشباب المشارك في الثورة إضافة إلى مكونات سياسية أخرى لإتمام تركيبة الهيئة العليا، واستجابة لمطالب الشارع السياسي. ويتوقع أن يجتمع بن عاشور، إضافة إلى ممثلين عن الحكومة الانتقالية أوكلت لهم مهام متابعة هذا الموضوع، مع الوزير الأول الباجي قائد السبسي اليوم لإتمام تركيبة الهيئة. هذا الجهد من الحكومة لخلق جو وفاقي، مازال تشوبه بعض النقائص إذ أنها تقر بتواصل وجود بعض عدم التوازن في تركيبة الهيئة يجب أن يتم تجاوزه، وقد أكد السيد رضا بالحاج كاتب الدولة لدى الوزير الأول ل"الصباح" " أنه لا يمكن إرضاء الكل فعدد الأحزاب السياسية المقننة بلغ 44 في تونس، وشدد على وجوب توفر الإرادة السياسية من قبل مكونات الهيئة حتى يتقدم العمل فيها، وأن الهيئة مفتوحة لا لمنخرطيها والممثلين بها فحسب وإنما للجميع للابداء برأيهم والتواصل مع الهيئة".
آخر الاهتمامات
أبدت مختلف مكونات الهيئة العليا رأيها في ما يتعلق بتركيبة هذا الهيكل، كما خرجت مواقف في شكل بيانات وتصريحات سياسية من قبل عدد من الأحزاب الممثلة أو التي لم تشارك. وطالبت مكونات جبهة 14 جانفي بتشريك الجهات والشباب المشارك في الثورة وعدم الالتفاف على مجلس حماية الثورة. كما أن عددا من الأحزاب جديدة العهد، نشرت مواقف تندد بتركيبة هذا الهيكل وتطالب بتشريكها. وأكد رضا بوزريبة عضو المكتب التنفيذي بالاتحاد العام التونسي للشغل وممثل المنظمة الشغيلة بالهيئة العليا ل"الصباح"، أن مشروع القانون واضح في العموم وأن هناك نقاطا يجب التطرق لها، غير أنه قال "مازال المكتب التنفيذي للاتحاد لم يجتمع ليصيغ موقفا من هذا المشروع". وعقدت جمعية القضاة التونسيين مجلسها الوطني وتطرق القضاة في لائحة المجلس لنقطتين في مشروع المرسوم. ولحدود مساء أمس، لم تكن أغلب مكونات الهيئة قد شرعت في قراءة مشروع القانون المتعلق بانتخابات المجلس التأسيسي المطروح للنقاش، إذ يبدو أن مهاما أخرى إما حزبية، أو تخص منظمة أو أخرى كانت في سلم أولويات مكونات الهيئة العليا لا هذا القانون الذي يعد من أوكد مهامها. إذ يعد الإجراء التشريعي الحاسم للتحضير لانتخاب مجلس تأسيسي هو الضامن الوحيد في هذه المرحلة لانتقال ديمقراطي يستمد شرعيته من الشعب عبر صناديق الاقتراع. وللتذكير ينص الفصل الثاني من المرسوم المتعلق بإحداث هذا الهيكل على أن "الهيئة تتعهد بالسهر على دراسة النصوص التشريعية ذات العلاقة بالتنظيم السياسي واقتراح الإصلاحات الكفيلة بتجسيم أهداف الثورة بخصوص المسار الديمقراطي، ولها إبداء الرأي بالتنسيق مع الوزير الأول حول نشاط الحكومة".
موعد الانتخاب
وخلافا للنسق البطيء في قراءة مشروع القانون المنظم لانتخابات المجلس التأسيسي، فان مختلف الأحزاب تخوض نقاشا حول موعد إجراء هذا الاستحقاق المفصلي في البلاد، رغم أن هذا المطلب كانت تتبناه مختلف مكونات المشهد السياسي وأيضا أغلب القوى التي شاركت في الثورة. وقررته السلطة السياسية الانتقالية استجابة للمطالب الشعبية ليتم يوم 24 جويلية القادم. ويرى الملاحظون أن الخوض في مثل هذا النقاش -وان كان حقا من حقوق الجميع- فانه بمثابة " تحضيرات انتخابية، لا تشمل سوى المصالح الحزبية لهذا الجسم السياسي أو ذاك لتدعيم حضوضه في هذا الاستحقاق الانتخابي". وفي المقابل وأمام الجدل المتواصل في تونس، انتهى الشعب المصري الشقيق، الذي أنجز ثورته بعد التونسيين من حيث زمن تحقيقها، أولى الخطوات العملية بموافقة أغلب المصريين على تعديل مواد في الدستور المصري عن طريق استفتاء. وبغض النظر عن نتائج هذه العملية، فان الملاحظين أكدوا أن خطوات بل أشواطا كبيرة حققها المصريون نحو التحول الديمقراطي، وأن الرابح من هذا الاستحقاق هو الشعب المصري دون غيره..ورغم الخطوات التي يحققها التونسيون أيضا في مسار تحقيق مهام ثورتهم التي كانت المبادرة والأولى في مختلف البلاد العربية إلا أن الطريق مزال طويلا لإتمام هذه المهام التي لن تتحقق إلا بتغليب مصالح الشعب لا غيرها.