تونس الصباح - بالتوازي مع الارتفاع المتواصل لاسعار الطاقة، شهدت المواد الاولية الموجهة للصناعة بالاسواق العالمية ارتفاعا ملحوظا ومتواصلا منذ بداية سنة 2006 نتيجة عدة عوامل منها ما هو هيكلي ومنها ما هو ظرفي. وتدعم هذا المنحى التصاعدي لأسعار جل المواد الاساسية ليشمل منذ منتصف سنة 2006 أهم المنتوجات الفلاحية الاساسية، ومن أهم المواد الغذائية، يشار بالخصوص الى اربع مجموعات هي الحبوب الموجهة الى الاستهلاك البشري والحيواني، الزيوت النباتية، الالبان ومشتقاتها، السكر. فما هو مدى انعكاسات هذه الاسعار العالمية على الاقتصاد في تونس؟ وما هي أحوال السوق المحلية؟ وهل هناك خطة لمواجهة التيار التصاعدي للاسعارالصاروخية لهذه المواد؟ الاسباب الهيكلية لارتفاع الاسعارفي السوق العالمية أفادت مصادر اقتصادية وتجارية عليمة من تونس، تتابع تطورات اسعار المنتوجات الفلاحية الاساسية في الاسواق العالمية أن للبعد الهيكلي اسباب، حيث أن ارتفاع الطلب العالمي واختلال التوازن بين العرض والطلب كان له تأثيره البالغ، ويعود ارتفاع اسعار هذه المواد في هذا الجانب الى تزايد الاستهلاك نتيجة تحسن الدخل في عديد الدول الصاعدة، وخاصة الصين والهند، وأيضا الى الطلب الاضافي الناتج عن الاستعمالات الصناعية لهذه الموادوخاصة في مجال انتاج الطاقة الحيوية. كما ان التاثير المباشر لارتفاع اسعار الطاقة كان له انعكاسه في هذا الجانب، وخاصة البترول باعتباره يشكل أحد أهم مدخلات الانتاج الفلاحي والصناعي والخدماتي. ايضا وفي جانب آخر يبرز بعد تقلص الدعم الحكومي للأنشطة الفلاحية وذلك تبعا للتقدم الحاصل في الغرض في المفاوضات التجارية بالمنظمة العالمية للتجارة. والى جانب جملة هذه العوامل الهيكلية المشار اليها، هناك ايضا بعض الاسباب الظرفية التي اثرت في مستوى الانتاج لعديد انواع الزراعات نذكر منها التقلبات المناخية مثل الجفاف، وكذلك لجوء عديد الدول المنتجة الى فرض تضييقات على تصدير انتاجها واعطاء الاولوية لاسواقها الداخلية. ارتفاع الاسعار العالمية للمواد الاولية وتداعياته لقد ادى ارتفاع الاسعار العالمية للمواد الاولية الى جملة من التداعيات شملت على حد السواء الاقتصاديات المتقدمة والدول النامية. الا ان اثر هذه التقلبات. كان أكثر حدة على الدول الموردة بصفة هيكلية لحاجياتها الغذائية مثلما هو الحال بتونس،حيث أدى تطور الاسعار العالمية الى ارتفاع هام لقيمة الواردات الغذائية مما ادى الى التأثير على الميزان التجاري فضلا عن تأثير ذلك على ميزانية الدولة والصندوق العام للتعويض نتيجة تنامي نفقات الدعم في ظل الاختلال الكبير بين الاسعار العالمية والاسعار الداخلية لأغلب هذه المواد. الواقع الاقتصادي واساليب المواجهة لمجابهة تداعيات ارتفاع الاسعار العالمية، حظي اصلاح منظومة الدعم بمتابعة خاصة خلال السنة الجارية وذلك من خلال خطة لاحتواء نفقات الدعم قامت على جملة من المحاور مثل مواصلة تنفيذ برنامج التعديل التدريجي لاسعار المواد المدعومة مع مراعاة القدرة الشرائية، والبدء في حملة تحسيسية حول واقع الاسعار العالمية والدعوة الى ترشيد الاستهلاك. لكن جملة هذه الاجراءات على حد رأينا تبقى محدودة، ولابد من تطويرها بجملة من الاجراءات خلال السنة القادمة للبحث عن توازن بين القدرة الشرائية للمواطن وهذه الاسعار. وعلاوة على جملة الاجراءات الحاصلة في الاونة الاخيرة ينتظر ان يجري العمل في اطار الخطة الهادفة الى احتواء تزايد نفقات الدعم تبعا للارتفاع الهام للاسعار العالمية على دراسة بعض الافكار الجديدة لاعتمادها كبديل جديد في مواجهة هذا الوضع. ملامح الافكار الجديدة المنتظر تطبيقها ينتظر ان يتم العمل على تنويع اصناف الدقيق والسميد واقتصار الدعم على النوعيات الموجهة للفئات محدودة الدخل، وكذلك تنويع عرض الزيوت النباتية من حيث سعة المعلبات واقتصار الدعم على السعات و الاصناف الموجهة للاستهلاك الاسري. والى جانب هذا تشجيع الانتاج الوطني عبر تثمين الطاقات الانتاجية الفلاحية الوطنية خاصة في مجالي القمح الصلب والشعير بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه المواد بما يجعل البلاد في منأى من التداعيات السلبية لتقلبات السوق العالمية.