تشجيعا للاستثمار في مناطق التنمية الجهوية.. إعفاء المستثمرين من سؤال «من اين لك هذا».. إلى غاية 2012 واشنطن الصباح محمد طعم تحدث السيد جلول عياد، وزير المالية، في لقاء خاص ل"الصباح" عن هموم الإقتصاد التونسي في الظرف الراهن وعن مما ينجم عنه من مشاغل سياسية أثناء هذه المرحلة الإنتقالية التي تمر بها تونس. وشمل الحديث حالة الركود الإقتصادي وسبل الخروج منها والتشغيل وحجم ثروة المخلوع وأسرته وتمويل الأحزاب السياسية. وكان السيد عياد في واشنطن ليحضر الاجتماعات السنوية التي يعقدها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ولقاءات منتدى أمريكا والعالم الإسلامي التي انعقدت في العاصمة الأمريكية. وكانت الصباح قد أشارت إلى هذه اللقاءات في أعداد سابقة.
حالة ركود
وتشير الأرقام التي حصلت عليها «الصباح» إلى أن الإقتصاد التونسي يشهد حالة ركود، وإلى حد منتصف أفريل، تعرضت 200 مؤسسة تجارية و 214 مؤسسة اقتصادية صناعية، تشغل حوالي 10 آلاف عامل، إلى خسائر بالإضافة إلى تراجع الإستثمار الأجنبي إلى 28.8 في المائة في الثلاثية الأولى لهذه السنة مقارنة بالفترة نفسها للسنة الماضية. أما القطاع السياحي فتشير الإحصائيات إلى إغلاق 60 فندقا في الفترة نفسها بسبب عزوف السياح عن القدوم إلى تونس، وهذه العوامل كلها ستؤدي حتما إلى ارتفاع نسبة البطالة وتفاقم الأزمة الإقتصادية في البلاد.
حوافز
أما عن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المؤقتة لمواجهة هذه الأزمة، أوضح السيد عياد مايلي: "تتراوح نسبة العاطلين عن العمل بين 500 و600 ألف عاطل، ويصل عدد حاملي الشهادات العليا بين هؤلاء إلى حدود 150 ألف عاطل عن العمل"، حسب كلام الوزير المؤقت. وفيما يتعلق بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة المؤقتة للخروج بالاقتصاد من حالة الركود، أوضح السيد عياد أنه تم وضع بعض الحلول مثل حوافز ضريبية (جبائية) من أجل تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار وبعث مشاريع جديدة بالمناطق الداخلية أو "مناطق التنمية الجهوية"، وفق تعبير الوزير المؤقت، بحيث لا تتم مساءلة هؤلاء المستثمرين عن مصادر تمويلهم وفق مبدأ "من أين لك هذا" وذلك إلى غاية 2012. وأكد السيد عياد أن الحكومة المؤقتة ومن يليها ستتحمل، إلى جانب الباعثين، بعض التكاليف المنجرة عن المشاريع الجديدة كالضمان الإجتماعي وتدريب العمال والموظفين. بحيث ستساهم الدولة بنسبة 50 في المائة من كلفة التغطية الاجتماعية للموظفين والعمال وإعادة جدولة ديون المؤسسات المتضررة وإمكانية منحها قروضا لإصلاح ما لحق بها من أضرار. كما يستفيد أصحاب هذه المشاريع بخفض نسبة الأداء على القيمة المضافة إلى النصف، أصبحت 6 في المائة بعد أن كانت 12 في المائة على التجهيزات المستوردة، إلى جانب الإعفاء الكلي من الأداء على القيمة المضافة عند شراء تجهيزات مصنوعة محليا، هذا بالإضافة إلى تحمل الدولة أعباء التأمين وإن بنسب متفاوتة بحسب طبيعة المشروع، وفق ما أعلنه الوزير المؤقت. أما فيما يخص المشاريع الموجهة للتصدير، أشار السيد عياد أنه تم السماح لها ببيع منتوجاتها في السوق المحلية بنسبة 50 في المائة بعد أن كان يسمح لها ببيع بنسبة 20 أو 30 في المائة فقط، وأوضح أن الغاية من هذا الإجراء هي الحد من الصعوبات التي قد تعيق الشركات التونسية المصدرة على ترويج منتجاتها بالأسواق الخارجية. وفيما يتعلق بقطاع السياحة التونسي الذي أصبح محل جدل من حيث تركيبته وطريقة عمله باعتبار أنه لا زال يعمل بعقلية الثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي من حيث بنيته التحتية ونوعية الخدمات التي يقدمها مما انعكس على نوعية السياح القادمين إلى تونس وبالتالي مردوديته التي أصبحت لا تتماشى مع معطيات المرحلة. أشار الوزير إلى أنه تم "بذل مجهودات كبيرة من أجل دعمه، وأن وزارة السياحة تكثف جهودها من أجل ترويج السياحة في أوروبا خاصة. وأن القطاع كله في حاجة إلى إصلاح هيكلي". وتشير الأرقام التي حصلت عليها «الصباح» إلى تراجع عائدات القطاع السياحي في تونس خلال الأشهر الثلاثة الأولى لهذه السنة بنسبة 43 في المائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، حيث بلغت 226 مليون دولار. كما انخفض عدد الليالي الفندقية بنسبة 57 في المائة (1.3 مليون ليلة) مقابل (4.3 ملايين ليلة) خلال الفترة نفسها من السنة الماضية. وخسر القطاع أكثر من 230 ألف سائح أوروبي خاصة من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا بالإضافة إلى انخفاض عدد السياح المغاربة بنسبة 56 في المائة (364 ألف سائح) أغلبهم من الجارتين ليبيا والجزائر.
مديونية الدولة
وفيما يتعلق بحجم الديون المستحقة على الدولة، أوضح الوزير المؤقت أن حجم الديون الجملية المستحقة يبلغ 25.6 مليار دينار، وتشمل الديون الخارجية والتي تبلغ قيمتها 15.3 مليار دينار، مقابل 10.3 مليار دينار ديون محلية. ويأتي البنك الدولي والبنك الأوروبي للإستثمار والبنك الافريقي للتنمية في مقدمة الجهات الدائنة. (طلبت الصباح من الوزير المؤقت أن يمدها بالأرقام الفعلية، التي بحوزة وزارته، للدين الخارجي لتونس لسنة 2010 تجاه المؤسسات الثلاث المشار إليها إلا أنه لم يفعل). ويشار إلى أن الصباح كانت قد أشارت في تقرير سابق إلى أنه وفي ظل الظروف السياسية والإقتصادية التي تمر بها البلاد حاليا، من المتوقع أن تتراوح نسبة النمو الاقتصادي المتوقعة لهذه السنة بين 1 و2 في المائة، وإلى أن البلاد في حاجة إلى 4 مليار دولار في شكل قروض فورية، وهذا ما سيؤدي إلى خفض التصنيف السيادي للبلاد وتعميق أزمة البطالة.
حجم الأموال المنهوبة من قبل النظام السابق
وحين سُؤل الوزير عن حجم الأموال التي حرم منها الشعب التونسي وحرمت منها خزينة الدولة من جراء نهب العائلات المرتبطة بالنظام السابق ورجال الأعمال الفاسدين والمؤسسات الإقتصادية الفاسدة التي كانت ولازالت تنشط بأساليب مافياوية بعيدة عن الشفافية والنزاهة والمحاسبة مما كلف الدولة والشعب غاليا. أجاب السيد عياد بوضوح أنه "لا يمكن لأي كان أن يعرف على وجه الدقة حجم الأموال المنهوبة"، وأنه "لا يجب تصديق أي جهة تتدعي أنها تعرف حجم ما تم نهبه"، وأشار السيد عياد إلى التحقيقات الجارية التي تقوم بها "اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد"، والتي تساهم فيها وزارة المالية. وارجع الوزير صعوبة تحديد حجم الضرر الذي لحق بالبلاد إلى طول مدة حكم الطاغية بن علي (23 سنة)، وإلى الأساليب الملتوية التي كان يتبعها النظام والعائلات المؤسسات الإقتصادية الفاسدة المرتبطة به وإلى غياب آليات المحاسبة علما أنهم كانوا يتمتعون بامتيازات ويعملون بطرق غير شرعية ويحصلون على عمولات يصعب حصرها. أما فيما يخص ما قامت به وزارة المالية بصفة خاصة، والحكومة المؤقتة بصفة عامة، لتتبع ومحاسبة من نهبوا البلاد بشكل ممنهج على مدار ربع قرن أو يزيد، أشار السيد عياد إلى أن وزارته "لا دخل لها، وأنها تقدم ما لديها من معلومات للجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد صاحبة الصلاحية للتحقيق مع هؤلاء وجلبهم أمام القضاء"، وفقا للسيد عياد. وتجدر الإشارة إلى أن الضالعين في الفساد والناهبين لأملاك الشعب من أمثال عائلة الدكتاتور بن علي وأصهاره والمستفيدين معه غالبا ما يلجؤون إلى التحايل على القانون إما ببعث شركات وهمية أو تسجيل ما نهبوه من منقولات وعقارات بأسماء أقاربهم ممن لم تدرج أسماؤهم في قائمة المطلوبين بتهم فساد كزوجة بن علي الأولى وبناتها الثلاث (سيرين ودرصاف وغزوة بن علي) اللواتي يملكن عقارات وشركات عديدة في تونس دون أن تتم مساءلتهن عن مصدر ممتلكاتهن، أو أصهاره الفارين الذين لازالوا يتجولون بجوازات سفر تونسية رغم كونهم مطلوبون للعدالة في تونس.
تضخم حزبي وانكماش مالي
اختتمت الصباح اللقاء بسؤال السيد عياد عن مسألة تمويل الدولة للأحزاب السياسية، في ظل الوضع الإقتصادي الحالي، علما أن أرقام المعهد الوطني للإحصاء تشير إلى أن عدد سكان تونس يبلغ 10531.3 مليون نسمة (ماي 2010)، وأن نسبة من بلغوا 20 سنة فما فوق تصل إلى 67.3 أي ما يعادل 7087.564 مليون نسمة. ولو قسمنا هذا العدد على 63 وهوعدد الأحزاب المرخص لها حاليا، لوجدنا أن كل حزب يكون نصيبه 112.501 نسمة. وهو عدد أقل بكثير من عدد سكان أصغر شوارع مانهاتن، نيويورك. علق الوزير المؤقت على ذلك قائلا "ما سيحدث أنه سوف لن تحصل جميع الأحزاب على تمويل من الدولة وأن كثير منهم سيشكلون إئتلافات" وأضاف " قانون الإنتخابات سيضع شروط الحصول على تمويل ومن المفاجئ أن يكون هناك بعد الإنتخابات أكثر من عشرة أحزاب"، على حد قوله.