بقلم: آسيا العتروس فرنسا تحاكم رئيسها السابق والتهمة تتعلق بخيانة الامانة وتمويلات غير قانونية لحزبه عندما كان عمدة باريس وتوظيف تسعة وعشرين من أعضاء حزب الرئيس السابق دون وجه حق... أنها المرة الاولى منذ الحرب العالمية الثانية التي يتم فيها محاكمة رئيس فرنسي كان حتى الامس القريب يجد السجاد الاحمر في انتظاره حيثما تنقل في مختلف دول العالم ويحظى بالتقدير والتبجيل بين شعبه كما بين غيره من الشعوب التي تابعت مسيرته السياسية الطويلة وخروجه المشرف من الاليزيه... على عكس ما يحدث في دول العالم الثالث حيث يتمسك الحكام بكرسي السلطة حتى الرمق الاخير ولا يغادرون الا منبوذين وقد تحولوا اما الى سجناء في انتظار محاكتهم أو الى هاربين خارج أرض الوطن أو الى مطاردين في الصحراء... لم تسقط القضايا التي تلاحق شيراك بالتقادم رغم مرور عشرين عاما على وقوعها ولم يتوقف قرار الملاحقة رغم الغرامة التي قبل الرئيس الفرنسي السابق بتسديدها من ماله الخاص وهو مصرعلى براءته... شعبية شيراك لم تهتز بين الفرنسيين بعد قرار احالته على العدالة والفرنسيون أبدوا حسب استطلاعات الرأي تعاطفا مع الرجل الذي اعتبر رمزا لليمين الفرنسي على مدى أربعين عاما، تعاطف اقترن بثقة معلنة في القضاء الفرنسي وقناعة راسخة لديهم بأن القانون فوق الجميع وأن سلطته تعلو ولا يعلى عليه حتى وان تعلق الامر بسيد الاليزيه السابق الذي لن تشفع له سنوات حكمه لفرنسا ولا سنه المتقدمة من الامتثال أمام القضاء... ذلك هو الدرس الاول لقضية الحال التي من شأنها أن تفرض على الجميع مقارنة ما يحدث في فرنسا بما حدث ويحدث في عالمنا العربي حيث لا يزال القضاء يوظف والدساتير تطوع حسب أهواء وأحكام أصحاب السلطة ومن أعلن لهم الولاء وحظي برضاهم... شيراك لم يدعى الى القضاء لتورطه في قتل أو تعذيب مواطنيه خلال مظاهرات احتجاجية لاي سبب من الاسباب فتلك خطوط حمراء لا موقع لها في الديمقراطيات الغربية التي تحترم حق مواطنيها في الكرامة والحياة وحق التعبير عن الرأي. ليس مهما أن يكون شيراك تورط في ارسال قوات فرنسية الى العراق أو أفغانسان أو الى افريقيا وأن تكون تلك القوات تسببت في قتل أبرياء في تلك الدول تحت أي غطاء كان فحياة الاخرين لا تستوجب محاكمة الرؤساء في الغرب وشيراك كما بوش وبلير ورايس وباراك وناتنياهو لم يحن بعد موعد محاكمتهم على دورهم في ماسي الاخرين... اليوم يجد شيراك الذي تجاوز الثامنة والسبعين من العمر نفسه مطلوبا للقضاء كأي مواطن عادي فلا يملك الا الامتثال للامرحتى وان أعلن محاموه أن وضعه الصحي يمنعه من الحضور أمام المحكمة. طبعا ليس في قضية الحال ما يمكن مقارنته بما يمكن أن يواجهه اليوم من سقط صرحه من الحكام العرب الذين يقادون قسرا الى المحاكم أوحتى الذين قد يعتقدون أنهم قد افلتوا من المساءلة والملاحقة والعقاب بعد هروبهم خارج أوطانهم. وفي انتظارما يمكن أن يخلص اليه القضاء الفرنسي فان امكانية تورط شيراك في قضية توظيف وهمية تعني في العقلية المواطن الفرنسي أن الامر يتعلق باهدار أموال الشعب وأموال دافعي الضرائب التي لا أحد يمتلك حق التسامح او التفريط فيها وأن المسؤولية الاخلاقية والسياسية والقضائية تقتضي كشف كل الملابسات بشأنها حتى يكون هذا المواطن على بينة مما يحدث وحتى لا تهتز ثقته بدورالقضاء وذلك هو الدرس الثاني لهذه المحاكمة... نقف اليوم لمتابعة أطوار محاكمة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك وبين محاكمة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك الذي حكم مصر على مدى ثلاثين عاما أكثر من مفارقة وربما تكون الصدفة وحدها شاءت أن يخضع الرجلان للقضاء في نفس اليوم ولكن الاكيد أن الاسباب والدوافع والتداعيات المحتملة للمحاكمتين مختلفة. واذا كانت محاكمة مبارك فرضتها تطورات الاحداث المتسارعة في مصر بعد سقوط عرش مبارك وارتفاع الاصوات الشعبية مطالبة بمحاكمته على مختلف الانتهاكات السياسية والتجاوزرات المالية التي رافقت سنوات حكمه فان محاكمة الرئيس الفرنسي السابق تعود الى تسعينات القرن الماضي عندما كان شيراك عمدة باريس وذلك بعد نحو أحد عشرعاما من الجدل السياسي والقضائي تقرر بمقتضاه أن تتم المحاكمة...