آلاف الجماهير تلبي النداء.. ولأجواء الفرح طعم آخر لم تكن السهرة التي شهدها المسرح الأثري بقرطاج ليلة الجمعة مجرد سهرة موسيقية بمفهومها الكلاسيكي بقدر ما مثلت لحظة مهمة من بين اللحظات التي تستوقف الناس منذ قيام الثورة الشعبية بالبلاد. كانت لحظة مهمة ليس فقط لأن نجوما تونسية وفرنسية وعالمية اعتلت ركح المسرح الروماني بقرطاج فالجمهور التونسي معتاد بالنجوم تتلألأ لتضيء سهرات مهرجان قرطاج الدولي وإنما لأن كل شيء خلال تلك السهرة بدا مختلفا. للسهرهذه المرة طعم آخر وللفرح نكهة أخرى. لا تستطيع وأنت تتطلع من حولك متأملا تلك الجماهير الغفيرة التي غصت بها مدارج المسرح ( حوالي 10 ألاف ) وهي تحمل أعلام تونس لتشكّل منها كلما رفعت عاليا لوحة فنية رائقة دون أن تتأثر ودون أن يساورك الشعوربأنك ربما تعيش لحظة استثنائية. المسرح الأثري بقرطاج تهيأ ليلتها للحدث. فقد انتهت للتو أشغال إعادة التهيئة للمسرح وقد أضيفت بالخصوص سلالم من المدخلين ( يمين يسار ) حتى تصبح عملية الوصول إلى أعلى المسرح أقل وعورة مما كانت عليه من قبل. فرشت الزرابي التقليدية على جزء كبير من مدارجه الحجرية أما الركح فقد خص بديكور باهر. الإضاءة شكلت بدورها عنصر قوة للسهرة فالأصدقاء الفرنسيين لم يتركوا الأمورعلى ما يبدو للصدفة خاصة وأن تلفزيون فرنسا 3 وقناة تي في 5 العالم إلى جانب الوطنية 1 كانت تنقل العرض ( من المفروض أن السهرة بثت في سهرة أمس السبت). وهو ما يقودنا للتذكير بفكرة العرض. المبادرة وكما سبق وذكرنا خلال الإعلان عن الحدث جاءت من الفرنسيين وعلى رأسهم وزير الثقافة السيد فريديريك ميتران. وقد انضمت وزارتا الثقافة والتجارة والسياحة بتونس للمبادرة وكان السيدان عز الدين باش شاوش ومهدي حواص في طليعة الحضور بالمناسبة. عدة أطراف أخرى دعّمت الفكرة من وسائل إعلامية ومؤسسات من تونسوفرنسا حتى أخذت المبادرة شكلها تحت تسمية نشيد الحرية. انقسمت السهرة إلى ثلاثة أجزاء حيث افتتح كرنفال الأغاني بواحدة لسفيان سفطة تلاها ظهور للفنانة آمال المثلوثي فظهور للجزائري بعزيز فأغنية لأحمد الماجري ثم إطلالة لبنديرمان ليختتم منير الطرودي الكرنفال الأول ثم تنطلق الرحلة التي تدوم قرابة ساعة ونصف والتي نقلتها التلفزيونات المذكورة في ظروف البث المباشر.
الفاتحة كانت مع الفنان فوديل ثم أطلت النجمة المعروفة دجاين بركين حافية القدمين يصحبها الثلاثي جبران قبل أن تطل آمال المثلوثي ثانية لتؤدي أغنية صحبة النجم الفرنسي باتريك فيوري. تزداد الأجواء سخونة مع اعتلاء رشيد طه الركح وتأديته أغنيته «روك بالقصبة» ليفسح المجال للآنسة الكاميرونية إيرما التي حيت قرطاج الحرة بأغنية للنجم العالمي ستيفي ووندر لتحل النجمة آريال دومبال في كامل أناقتها توشح خصرها بالعلم التونسي وتهدي الجمهور واحدة من أحلى الأغاني التي تحييّ القائد الثوري تشيغيفارا أدّاها معها الجمهور بتفاعل وحماس كبيرين. كانت ستكون السهرة منقوصة لو غاب عنها الجينيرال ولو غابت عنها أغنيته المأثورة « يا رئيس البلاد « وكان فعلا في الموعد ليلهب حماسة الجمهور هذه الحماسة التي تزداد مع ظهور مجموعة ماجيك سيستام وأغنيتهم المعروفة شيري كوكو ثم تعود دجاين بيركين وتكون هذه المرة مصحوبة بمنير الطرودي ثم اطلالة للفنانة التونسية المهاجرة أمينة ( لا للخلط مع أمينة فاخت ) وتباعا يصعد على الرّكح الفنان «ميرو» ف»آنياس جاوي» ثم» باتريك فيوري» مجدّدا قبل أن يقدم الهادي حبوبة مجموعة من أغانيه الشهيرة التي حوّر في كلمات أكثرها شهرة لتتماشي مع الواقع الجديد في تونس أمام هتاف الجماهير ورقصهم على إيقاع أغانيه الشعبية. كانت أغاني الضيوف والنجوم التونسيين منسجمة مع روح السهرة « نشيد الحرية « ورافق بالي من الراقصين والراقصات أغلب المطربين والفنانين. طبعا دعي النجوم لتقديم كلمة مقتضبة من وحي اللحظة موجهة للتلفزيون الفرنسي وقد استخدم بلاتوه خاص بذلك انتصب على ركح قرطاج. لم تنته الرحلة بانتهاء الجزء الثاني منها بل دعي الجمهور لفقرة ثالثه افتتحتها المجموعة الإيفوارية ماجيك سيستام.
الوجه الآخر للطفي العبدلي
لقد دارت السهرة في أجواء أمنية عادية. لم تكن تشعر وأنت تتّجه إلى المسرح أو وأنت داخله بأن هناك تعزيزات أمنية اقتضتها الظروف المعروفة التي تمر بها بلادنا منذ انتصارالثورة الشعبية. بل بدت الأمورعادية أوهكذا أريد لها أن تبدو فالسهرة وإضافة إلى أنها تحية للثورة التونسية هي وسيلة من بين وسائل أخرى للتسويق لصورة تونسالجديدة. أما الجماهير فقد انصهرت في الحفل بجوارحها تاركة كل ما يمكن أن يجول عادة في الخاطر في أيامنا هذه حول الأمن والسياسة خارج أسوارالمسرح الروماني بقرطاج. لا بدّ من الإعتراف من جهة أخرى أنّ السهرة شكلا ومحتوى كانت في مستوى انتظارات الجمهور الذي عبّر عن تواصله وتفاعله بالتصفيق الحار والهتاف والضحك بالصوت العالي كلّما تعلق الأمر بفقرة طريفة أو نكتة عفوية. ولم تكن السهرة لتفتقر إلى خفة الدم خاصة وأنه نشطها كل من لطفي العبدلي الممثل المعروف و»لوران بوايي «الذي لا يقل عنه شهرة في بلاده. لقد اكتشف الجمهور خصال أخرى للطفي العبدلي ووجب الإعتراف أنه بذل جهدا كبيرا ونجح في الظهور وهو الذي اضطر للحديث كامل السهرة باللغة الفرنسية في مظهر الفنان المحترف الذي لا يقل قيمة عن مشاهير الكوميديا بفرنسا وبالغرب عموما «. كان لطفي العبدلي أنيقا في مظهره وأنيقا في أغلب المرّات في تدخّلاته وافتكّ الإبتسامة من زميله الفرنسي في أكثر من مرة فضلا عن قدرته الواضحة على التأثير في الجمهور. قدم لطفي العبدلي فقرة مترجمة إلى الفرنسية من مسرحيته الشهيرة «مايد إن تونيزيا «في نسختها الجديدة استحق عليها ثناء» لوران بوايي» وواكبها جمهور قرطاج بقهقهات عالية. لم تمر السهرة دون بعض الوخزات الموجهة لبعض الساسة الفرنسيين الذين مرت الثورة أمام أنوفهم كما أنها كانت فرصة لتقديم الوجه الحقيقي للثورة التونسية بعيدا عن الكليشيهات وخاصة فيما يتعلق بتسميتها ( ثورة الياسمين). الفضل يعود في ذلك أو الجانب الأكبر منه يعود للممثل والمنشط لطفي العبدلي.