تعددت المؤلفات المهتمة بشخصية الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة وتنوعت مواضيعها.. مواضيع تعكس علاقة الراحل بالاسلاميين واليوسفيين والزيتونيين، او نضاله وكفاحه من اجل الاستقلال وبناء تونس الحديثة حتى اول جمهورية في البلاد.. في المقابل أراد الكاتب محمد الحبيب براهم الذي شغل خطة وال على المنستير من خلال كتابه الاخير «بورقيبة خارج زمن الحكم مذكرات والي المنستير» الصادر عن دار برق للنشر والتوزيع تونس(2011) أن يطرح جانبا آخر يبرز ما كان خفيا وغير معروف بخصوص الجانب الإنساني للزعيم الراحل وأواخر سنوات حياته، بعيدا عن السرد التاريخي والتحليل السياسي ليكون بمثابة «شهادة للتاريخ».. ناهيك ان صاحب المؤلف رافق الحبيب بورقيبة كامل السنوات الاربع الاخيرة من حياته، بل اهتم بكل ما له شأن في حياته المعيشية.
أغرب من الخيال
يحتوي الكتاب على أربعة محاور رئيسية وهي «مع الزعيم خارج الزمن»، «تجليات وعبقرية»، «الرحيل التاريخي»، و»أبعاد».. محطات تناول فيها الكاتب إقامة الزعيم بمدينة المنستير وما سادها من رتابة وخنق سيكولوجي ليعتبرها «تعتيما بعنوان أمانة الحفاظ على الصحة والهدوء» ذلك أن كان التجوال مثلا ممنوعا في غير حديقة الإقامة، إضافة الى أن زيارة بعض رفاق الزعيم غالبا ما تلغى، وهوما كان يعكر مزاج الحبيب بورقيبة لانه لم يعد يتحمل الرتابة في ظل تدهور صحته يوما بعد يوم، وحساسيته المفرطة وتوجسه من المرض عموما.. في المقابل أشار محمد الحبيب براهم صاحب الكتاب الى علامات الصرامة والوقار والالقاء الخطابي التي كانت ترافق الزعيم الراحل سواء مع أفراد عائلته وأحفاده أو مع بعض الزائرين الذين كانوا يزورونه في بعض الاحيان.. كما تطرق الكاتب الى عرض بعض المواقف المليئة بالطرافة والدلالات العميقة، نذكر على سبيل المثال زيارة الرئيس المخلوع ووقوف الزعيم أمامه رغم تدني وضعيته الصحية فلما طلب منه الحاضرون أن يستريح كان رده «إن هيبة الدولة تقتضي مني هذه الوقفة».. ولعل الكتاب الذي يستوقف القارئ في مختلف الفصول يثير الفضول بالخصوص كلما تعلق الأمر بجزئيات وتفاصيل أواخر السنوات التي عاشها الزعيم. فقد كانت هذه الفترة تخضع للتعتيم الكامل وإن كان المواطن التونسي يدرك بحدسه أن الزعيم بورقيبة لم يكن يحظى بالعناية اللازمة بعد تنحيته وعزله في قصر المنستير فإنه لم يكن يدرك ربما إلى أي درجة كان بورقيبة يعيش في حصار وفي عزلة في الوقت الذي كان يحتاج فيه ربما أكثر من أي وقت مضى إلى مرافقة الناس. نفهم بعد تصفح الكتاب أن نية الكاتب واضحة فبه رغبة كبيرة لرد الاعتبار لبورقيبة.