أجمع المشاركون في مؤتمر حول "التأسيسيات الوطنية للعدالة الإنتقالية بتونس" في جلسته الإفتتاحية كما في ورشاته، التي نظمها مركز تونس للعدالة الإنتقالية أمس بمدينة العلوم وتتواصل اليوم، على ضرورة الانخراط في مصالحة وطنية شاملة والعمل على إرساء سيادة القانون التي ستضمنها جملة الإصلاحات التي يجب أن تشمل كل المؤسسات ذات العلاقة بالعدالة الإنتقالية لإسترجاع حقوق الضحايا وملاحقة مرتكبي الانتهاكات في إطار سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وعدم تكرار ممارسات النظام السابق وذلك برسم الخطوط العريضة للعدالة الانتقالية وأهدافها وتحديد مراحلها. وبالرغم من الشروخ التي ضربت جسد المجتمع التونسي وتركت آثارا عميقة يصعب حصرهاوتقييمها فإنه بات من الضروري، كما جاء في الكلمة الإفتتاحية للسيد فؤاد المبزع رئيس الجمهورية المؤقت، البحث في سبل تجاوز المرحلة الراهنة، فالطبيعة البشرية وحاجتها الحتمية للأمل ورغبتها في استعادة البناء والنماء وتطلعها الدائم إلى الأفضل تفرض هذه الخطوات مع ما يتطلبه ذلك من حكمة وتبصر وصبر واستئناس بتجارب الآخرين لإرساء عدالة تساهم في تحقيق الإنتقال الديمقراطي.
رفض
ومن جهته عبر المنصف المرزوقي أمين عام حزب المؤتمر من أجل الجمهورية والمرشح لرئاسة الجمهورية رفضه للمحاسبة الانتقامية مبينا انه سيحرص خلال الفترة القادمة على تحقيق فترة "عدالة انتقالية سليمة من خلال فتح ملفات الأرشيف وتغيير المنظومة القانونية وإعادة الاعتبار للضحايا ومحاسبة الجناة ضمن مقاربة تستعيد القيم الإنسانية وتعمل على تغيير العقليات وأضاف "عرفت الثورة التونسية طابعا سلميا رغم سقوط شهداء وجرحى مقارنة بدول أخرى كليبيا وسوريا إلى جانب التوصل إلى إدارة المرحلة الانتقالية بحكمة وتعقل" ملاحظا "أن هذا النجاح يؤشر على قدرة التونسيين على إرساء العدالة الانتقالية بوصفها أسمى أنواع العدل". ورشات عمل المؤتمر بحثت في جملة الآليات والإجراءات المستقبلية التي يجب اتخاذها وتشريعها والتي تستند أولا على معرفة الحقيقة وكشف الوقائع حتى لا يقع الإفلات من العقاب وبالتالي جبر الأضرار من جهة وإعادة التأهيل من جهة ثانية ، ولا يتحقق ذلك إلا بإرساء عدالة جنائية وطنية تستند إلى معايير دولية تستجيب إلى مبادئ حقوق الإنسان والحريات الشخصية التي يجب أن تعمل على تطبيقها مؤسسات دولة القانون بعد إدخال جملة من الإصلاحات على هياكلها من ذلك إصلاح منظومة الأمن. وقد جاءت كلمة المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي والتي تلاها نيابة عنها رئيس قسم الشرق الاوسط وشمال افريقيا لحقوق الانسان فرج فنيش في ذات السياق، وقد ورد فيها "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية المصادق عليها في المجال قادرة على أن تكون منارة يهتدي بها القائمون في تونس على تحقيق العدالة الانتقالية"، داعية ممثلي الشعب التونسي المنتخبين في المجلس التأسيسي للعمل جديا على إدماج المعايير الدولية والتنصيص عليها صراحة ضمن الدستور القادم. كما نادت بيلاى بضرورة توحيد الجهود من أجل إقرار سياسة وطنية للعدالة الانتقالية تضمن معرفة الحقيقة والمحاسبة وجبر الضرر والمصالح، مضيفة أن "الثورة التونسية التي ألهمت شعوب المنطقة المنتفضة المطالبة بالحرية والكرامة ستلهم شعوب العالم عبر تحقيق انتقال ديمقراطي سليم للمضي قدما من اجل بناء مجتمعات ديمقراطية تحترم مبادئ حقوق الإنسان والحرية والمساواة والتسامح".
إدراج المعايير الدولية كذلك
وهو ما أعربت عنه رئيسة مركز تونس للعدالة الانتقالية سهام بن سدرين حيث أكدت "أن الوضع الذى تمر به البلاد اليوم وما يُنبئ به من مخاطر اقتصادية واجتماعية يتطلب حلولا استثنائية وعقلانية لتصفية تركة الماضي والوصول بتونس إلى بر الأمان" مؤكدة انه"لا يمكن تحقيق النمو الاقتصادي والرخاء الاجتماعي وبناء المستقبل الذي طالما حلم به الشعب التونسي دون مصالحة وعدالة انتقالية تمكن من طي صفحة الماضي" بالرغم مما لوحظ خلال الفترة المنقضية من مظاهر إفلات من العدالة عمق عدم الثقة بين مختلف الأطراف المسؤولة وعديد الشرائح الاجتماعية خاصة منها المتضررين مما يطرح بقوة مسالة العدالة الانتقالية باعتبارها مقوما مهما لتحقيق السلم الاجتماعية. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 300 من ممثلي المجتمع المدني والأحزاب السياسية وأعضاء من المجلس الوطني التأسيسي وخبراء تونسيين وأجانب من دول شاركت في هذا المؤتمر بينهم ممثل رئاسة الإتحاد الأوروبي كريستوف أولندسكي سفير بولونيا ورئيس بعثة الإتحاد الأوروبي السفير أدريانوس كوتسنرويجتر الذي لاحظ أن "المصالحة مع الماضي تعد خطوة ضرورية على درب بناء المستقبل كما انه لا يوجد نموذج موحد وجاهز لعملية الانتقال الديمقراطي والعدالة الانتقالية وهو ما يتطلب من تونس إيجاد النموذج الخاص بها في هذا الشأن" ومن جهته قال كريستوف أولندسكي أن "الديمقراطية منظومة تتطلب جهدا يوميا لا يتوقف من أجل حمايتها والتقدم بها وان العالم يتوق اليوم إلى معرفة مدى قدرة التونسيين على حماية حقوق الإنسان لكافة الشرائح وللمرأة على وجه الخصوص".