يأس وأمل، صراخ وألم، بكاء وعمل.. كانت تلك مشاعر معظم الإطار العامل بمستشفى "البشير حمزة للأطفال" المسمّى سابقا ب"مستشفى الأطفال بباب سعدون" بعد مصيبة اختطاف الطفلة "لينا" التي أثارت اهتمام الرأي العام. ورغم عودتها سالمة، فإنّ أصابع الاتّهام مازالت توجّه للمستشفى متهّمة الإطارالعامل بالإهمال والتخاذل. لكن عند انتقالنا على عين المكان، كان للحقيقة أبعاد أخرى كشفها الإطار العامل بمختلف رتبه الوظيفيّة والذي فضلّ عدم ذكر هويّته. المشكل الأوّل الذي لاحظناه في البداية هو تعطلّ المصعد، ممّا استوجب لجوء المرضى وعائلاتهم إلى المدرج، وتحملّ عناء صعود «الدرجات» التي تتسبّب في صعوبة التنفسّ. وقد جلبت اهتمامنا امرأة حامل تحمل ابنها في حضنها وتقف بين الفينة والأخرى لتسترجع أنفاسها قبل أن تستأنف الصعود. وأشارت طبيبة بالمستشفى بالقول : «يوجد مصعدان من المفروض أنّهما يمكّنان من الوصول إلى الطابق السادس، لكنّ وجودهما كعدمه نظرا إلى أنّهما معطبّان باستمرار، ونحن حاليّا ننتظر بناء المصعد الثالث الذي لم يجهز بعد». عدوى وأشياء أخرى وبتجولّنا في مختلف أقسام المستشفى، لاحظنا وجود 3 أطفال في نفس الفراش. في هذا الإطار، تدخلّت طبيبة بأحد أقسام المستشفى وأكدّت أنّ الإطارالعامل بالمستشفى تعودّ على وجود طفلين أو ثلاثة في فراش واحد، قائلة: «هذا لا يعتبر صحيّا البتّة، فوضع طفلين أوأكثر في فراش واحد يمكن أن يتسبّب في نشر العدوى». وأشارت إلى وجود حالات تحتاج للعلاج من أكثر من مرض نتيجة للعدوى بعد أن كانت مصابة بمرض واحد. جميع من تحدّثنا إليهم بالمستشفى أبدوا استياء واضحا من ظاهرة الاكتظاظ مؤكدّين أنّ المستشفى يتحملّ ما لا طاقة له؛ إذ قال أحد الأطباء : «إنّ كل قسم يحتوي 60 سريرا، أي بمعدّل 60 طفلا في القسم، ولكنّنا نجد أحيانا 100 طفل أو أكثر في القسم الواحد، وهو ما لا يمكن تحملّه». مريضة تقتسم الفراش مع والدة الرضيع وقد قابلنا في المستشفى الطفلة «وعد بريّك»، المقيمة في المستشفى منذ أكثر من أسبوع، والتي أبدت استياء واضحا من نومها بجانب والدة أحد الرضّع قائلة: «لقد سقطت البارحة من الفراش نتيجة عدم اتّساع المكان، كما أنّي لا أستطيع النوم براحة، فمنذ أسبوع وأنا على نفس الحال». من جهتها، أبدت والدة المريض محمد العبيدي أسفا واضحا لما يعانيه الأطفال في المستشفى قائلة: «تعوّدت زيارة المستشفى منذ 11سنة، وهو عمر ابني الذي يعاني من مرض مزمن وطيلة هذه الفترة لم يتحسّن وضع المستشفى بل على العكس ازداد سوءا». وقد أبدت والدة محمد رفضها تشريك طفلين أوأكثر في فراش واحد قائلة: «يشتكي ابني من تقاسم الفراش مع طفل آخر، ولكنّه مضطرّ لذلك خاصّة أنّه قضّى ليلة كاملة دون نوم لعدم وجود سرير ينام فيه». وأجمع الأولياء الذين التقيناهم على رضاهم عن مجهود الأطبّاء مؤكدّين وعيهم بتقصير وزارة الصحّة تجاه مستشفى الأطفال بتونس لأنّهم يعايشون عن قرب معاناة العاملين في المستشفى. الوزارة هي السبب!! وفي سؤالنا للأطباء عن أسباب الاكتظاظ، قالوا : «إنّ مراكز العلاج العموميّة المحليّة والمستشفيات الجهويّة تتحملّ مسؤوليّة ذلك». وفي هذا الإطار، أدانت رئيسة قسم بمستشفى الأطفال توقفّ العمل بالمستوصفات بداية من منتصف النهار واصفة ذلك ب«التخاذل في العمل وعدم الالتزام بالواجب المهني». ودعت إلى وجوب استمرارعمل هذه المراكز خلال حصتّين باعتبارأنّ ذلك يقلّص من اكتظاظ المستشفيات خاصّة بقسم الاستعجالي. كما أدانت محدّثتنا، من جهة أخرى، عدم مهنيّة بعض المستشفيات الجهويّة التي تعوّل كثيرا على مستشفى الأطفال بباب سعدون. وأشارت طبيبة التقيناها إلى تعودّ عديد المستشفيات الجهويّة خاصّة مستشفى سليانة على إرسال عدّة حالات مرضيّة لا تستوجب نقلها إلى العاصمة. وأضافت أنّ عمليّة نقل المرضى تتمّ بصفة عشوائيّة ودون الاكتراث لوجود أسرّة شاغرة. لكنّ هذا لا يمنع أنّ مستشفى سليانة يشتكي بدوره من عدّة نقائص. وأدانت، في هذا الصدد، تعويل وزارة الصحّة على الإحصائيّات واكتفاءها بالأرقام بالإضافة إلى عدم زيارة المسؤولين للمستشفى لمعاينة النقائص التي يشكو منها على أرض الواقع. كما دعت الإدارة الجديدة إلى اتّخاذ قرار يقضي بعمل المستوصفات في المساء. وأكدّت أنّ الثورة لم تشمل بعد وزارة الصحّة معربة عن استعدادها القيام بثورة داخل المستشى. أمر كارثيّ أكدّت محدّثتنا أنّ «الطبّ كفاءة قبل أن يكون تجهيزات». وهنا تدخلّت زميلتها التي ذكرت أنّهم يضطرّون أحيانا لاعتماد اليدين لمساعدة الطفل على التنفسّ نظرا إلى غياب الإمكانيّات ،قائلة: «اضطررت مؤخرّا إلى اعتماد اليدين طيلة 3أيّام حتّى يتمكنّ الطفل من التنفسّ مما أدّى إلى استعانتي بزملائي وهو أمرغير منطقي ودليل على تخلفّ سلك الطبّ بتونس». من جهة أخرى، أشارت طبيبة بالمستشفى إلى أنّ الضمير المهني يلعب دورا كبيرا في تجاوز كلّ المشاكل، فهي ترى أنّ عددا من الأطباء بالمستشفيات الجهويّة لا يقومون بدورهم على أكمل وجه. وتساءلت هنا عن الواجب المهني والروح الوطنيّة وحبّ المهنة التي بدأت تتراجع من يوم إلى آخر. كما اعتبرت أنّ غياب قسم مختصّ في طبّ الرضعّ في مستشفيات التوليد يعتبر»أمرا كارثيّا». إذ دعت إلى وجوب إنشاء قسم يهتمّ بمتابعة صحّة الوليد بكلّ مستشفى مختصّ في توليد النساء. واعتبرت ذلك حلا للحدّ من اكتظاظ المستشفى من جهة وعدم تدهورصحّة الرضيع من جهة أخرى. إذ قالت «إنّ نقل المولود الجديد في سيارة الإسعاف مثلا لا يستجيب أحيانا للشروط الصحيّة». و أشارت رئيسة القسم التي تحدّثنا معها إلى أنّ مستوى تكوين الأطباء تراجع بشكل ملحوظ. ولم تتردّد عن إبرازخوفها وقلقها من مصير الطبّ في تونس، متسائلة عن كفاءة الطبيب الذي سيتولى الإشراف على صحّتها عندما تكبر. لكنّها، أعربت وزميلاتها عن إصرارهنّ مواصلة العمل والتصدّي لجميع العوائق حتّى لا يزداد وضع القطاع الصحي في تونس ،خاصّة طبّ الأطفال، تدهورا. ممرّضتان ل120 طفلا من جهة أخرى، لاحظنا وجود نقص على مستوى الإطار شبه الطبي وهو ما أكدّته لنا محدّثتنا التي قالت: «تتولى ممرضتّان فقط الاعتناء ب120 طفلا أحيانا ،خاصّة يوم الأحد، وهو ما يحول دون الاعتناء الجيّد ب«البراءة» ولا يسمح بالحديث مع عائلاتهم عن وضعهم الصحّي». كما تذمرّ الأطباء والممرّضون من العنف المعتمد من قبل عائلات الأطفال. وقابلنا هناك ممرّضة تعرضّت إلى الاعتداء من قبل أمّ وشقيقتها بمجردّ أنّها طلبت منهما مغادرة المستشفى لأنّ موعد الزيارة انتهى.إذ لم تشفع لها حالة حملها من النجاة من هذا الاعتداء خاصّة أنّها تعرضّت للركل والضرب المبرح بالإضافة إلى جرّها من شعرها، وهوما أكدّته لنا بعينين باكيتين خاصّة أنّها كادت تفقد جنينها. وطالب أعوان المستشفى، في هذا الإطار، بوجوب توفرّ الأمن في المؤسسات الصحيّة. وفي ظلّ هذه التشكّيات، أكدّ جميع الأطبّاء ل«الأسبوعي» مراسلتهم المستمرّة لوزارة الصحّة وتدوين كلّ النقائص في تقرير مفصلّ، لكن ما من مجيب. وقد أعربوا عن أملهم في وزيرالصحّة الجديد عبد اللطيف المكّي علّه يشرّك أهل الاختصاص عند القيام بإصلاحات هيكليّة. وبمغادرتنا أبواب المستشفى، بقيت في أذهاننا صورة تعكس عدم رضاء أيّ شخص من خدمات المستشفى وظروف العمل فيه وذلك بداية من الطفل وعائلته مرورا بالممرّض وصولا إلى الطبيب.