- محمد شمام نائب رئيس حركة النهضة وحركة الاتجاه الاسلامي ومسؤول اجهزتها السرية قبل مواجهات 1987 و1991 كان طوال ال21 عاما الماضية أكثر شخصية قيادية تونسية مفتش عنها من قبل قوات الامن التونسية والعربية والشرطة الدولية.. بل لقد تداولت عدة مصادر اشاعات عن وفاته مع كل افراد عائلته بسبب انقطاع اخبارها عن اقرب الناس اليها بسبب كثرة الاعتقالات التي شملت جل اقاربه واقارب زوجته وتعرضهم للتعذيب بحثا عن "خيط" يوصل اليه.. شمام عاد الى تونس مؤخرا مع عائلته بعد مغامرات قاسية جدا بين جبال الجزائر والكهوف ثم 9 سنوات في السويد..وقد خصه ابناء منطقته "المطوية" وجمعيات بتونس وقيادات حزب النهضة باستقبالات وتظاهرات شعبية مميزة شمل الحوار خلالها النقد الذاتي الجريئ الذي نشره عام 2008 لاداء قيادة حركته سياسيا وتنظيميا قبل المنعرج الامني الذي عرفته البلاد في 1991. على هامش احدى تلك التظاهرات التي حضر جانبا منها راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة كان هذا اللقاء الصحفي : * لو يحدثنا محمد شمام عن أهم المراحل التي مر بها منذ فراره وعائلته من تونس على اثر المواجهة الامنية التي وقعت بين قوات الامن وحركة النهضة من موفى عام 1990؟ - كانت تجربة الفرار والنفي القسري مليئة بالمفاجات والمغامرات والمحن والابتلاءات..فقد فررنا في ديسمبر 1990 وعرفت مع زوجتي وابنائي محنا بالجملة وقضيت 13 عاما مختبئا بين مغارات جبلية بالقرب من العاصمة الجزائرية..وقد تعقدت وضعيتي بسبب تدهور الاوضاع الامنية والسياسية في الجزائر نفسها منذ مطلع 1992.. ثم نجحت بفضل الله ودعم من بعض الاصدقاء والنشطاء الحقوقيين في مغادرة الجزائر سرا والفرار الى اوروبا الى ان انتهى بنا المقام عام 2002 مع عائلتي لاجئين سياسيين في السويد حيث لقينا دعما خلال الاعوام التسعة الماضية،واحمد الله ان ابناءنا الاربعة الذين حرموا طوال 13 عاما من الدراسة والعيش في ظروف غير عادية واكتفوا بدروس كنت اقدمها لهم مع زوجتي نجحوا في اختبار المعادلة في المستوى وقبلتهم المعاهد الثانوية والجامعة السويدية بعد "تنظير بيداغوجي" تقديري ونجحوا في متابعة دراستهم كانهم لم يقضوا 13 عاما بين الكهوف والمغاور والجبال والظروف القاسية جدا.. تونس ما بعد الثورة * كيف ينظر محمد شمام الى وضع تونس التي عاد اليها بعد انتخابات 23 اكتوبر و21 عاما من المنفى والغربة فوجد الحركة التي اعتقل وعذب بسببها في 1981و1987 ثم فر من البلاد في محنة 1991 قد استلمت السلطة؟ - أحمد الله اني عشت يوما في تونس وقد انتصر فيه الشعب بعد ثورة لم تقدها مباشرة اي حركة سياسية على الاستبداد والظلم اللذين سادا في البلاد خلال عشرات السنين وخاصة في العقد الاخير من عهد بورقيبة والعشرين عاما الماضية من عهد بن علي. لقد اكرم الله هذا الشعب الذي قدم طوال عقود عشرات الالاف من المناضلين من اجل الديمقراطية والحرية والكرامة والتحرر من كل اشكال التبعية..وكانت النتيجة اعادة الاعتبار لعشرات الالاف من قدماء المساجين واللاجئين السياسيين وعائلاتهم التي اضطهدت وعانت اشكالا قاسية من الظلم ..فهنيئا لشعبنا بانتصاره وهنيئا لكل شعوبنا بثوراتها. لكن مسؤولية الجميع كبيرة اليوم امام الله لتجسيم مطالب الشعوب وخدمتها لان نجاح الثورة ثم وصول معارضين من تيارات عديدة واسلاميين الى الحكم يحملهم مسؤولية ثقيلة جدا ..فالمسؤولية تكليف وامانة وليست تشريفا.. لا لركوب الثورة * هل تعتقد ان من بين اسباب نجاح الثورة العام الماضي "تراكمات" ال 30 عاما الماضية بسبب تضحيات عشرات الالاف من السجناء والمشردين اليساريين القوميين والزيتونيين والنقابيين والطلبة والاسلاميين ؟ - من باب النزاهة ان نعترف ان الثورة كانت بدون اي قيادة ..وان الجميع كان مصابا بالاحباط قبل عام اوعامين من امكانية تحقيق تغييرسياسي في البلاد وفي المنطقة العربية.. ولاشك ان نضالات المعارضين بمختلف تياراتهم ساهمت في تهيئة الاجواء للانتفاضة والثورة .. لكن لابد من الاقراراليوم ان ما تحقق كان معجزة ورحمة ربانية ..ولا مبرر اليوم لان يركب اي طرف الثورة ويزعم انه من كان يقف وراءها .. محنة تولي السلطة ؟ * وهل تعتقد ان قيادة حركة النهضة التي عانى مناضلوها طوال 30 عاما من القمع والمحاكمات لديها عناصر تمتلك الخبرة والتجربة اللازمتين لتسيير الادارة وشؤون البلاد ودواليب الدولة ؟ - المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الموروثة عن عهدي بورقيبة وبن علي ضخمة ولا مجال للتقليل من اهميتها.. وكل قوى المعارضة السابقة بما في ذلك النهضة وحليفيها في "الترويكا" لم تستعد لتولي الحكم بعد بن علي ..فقد فاجات الثورة كل الاطراف دون استثناء ولابد اليوم ان تتعاون جميع القوى الوطنية لانقاذ البلاد. ولا يمكن للنهضة والترويكا واي قوة سياسية ان تنجح اليوم في تسيير البلاد وتحقيق التغييرات المنشودة دون انفتاح كل طرف على خصومه ومعارضيه وتقديم المصالح العليا للبلاد على المصالح الانية الضيقة. ان تولي السلطة الان بعد الثورة مباشرة شرف لكنه مسؤولية وامتحان ولابد لقيادات النهضة و"الترويكا" ان تتعاون مع كل القوى المخلصة بما في ذلك الخصوم والمعارضين ..فالارث ثقيل جدا والثورة كانت بدون قائد ولا يمكن لاحد ان ينفرد بشؤون تسيير البلاد مهما كانت مؤهلاته وشعبيته.. النقد الذاتي * محمد شمام القيادي الابرز عن "المجموعة الامنية" لعام 1987 ثم لمحاولة "تغيير النظام بالقوة"(" معركة فرض الحريات " و" الفراغ الدستوري ") مطلع التسعينات نشر عام 2008 نقدا ذاتيا علنيا ..هل ما زلت متمسكا بذلك النقد الذاتي ؟ - النقد الذاتي العلني ضروري وواجب شرعا اذا كان الخطا علنيا. والقران الكريم تضمن لوما علنيا للرسول عليه الصلاة والسلام عن اجتهادات واخطاء وقع فيها ولم يوجه له جبريل عتابا سريا .. والنقد الذاتي الذي نشرته قبل عامين من الثورة جاء بعد وقفة تامل طويلة ومحاسبة للنفس لان المؤمن ينبغي ان يحاسب نفسه والحركات مطالبة بمحاسبة نفسها وقياداتها عن اجتهاداتها واخطائها. في نفس الوقت اؤكد ان شراسة القمع والفساد التي تورط فيها نظام بن علي فاقت التوقعات والتقديرات حتى بالنسبة للمقربين جدا منه وكبار المسؤولين في الدولة، الى درجة ان كثيرين اصبحوا اليوم يبررون كل محاولات الاطاحة به سابقا بما في ذلك عبر اللجوء الى محاولة التغيير بالعنف وقد كلفنا ذلك الخيار الذي فرض علينا تكاليف باهضة جدا من بينها عشرات الالاف من المعتقلين والموقوفين والمشردين وعشرات الشهداء ومئات الجرحى والمعاقين.. واذ نترحم على ارواح شهدائنا ونحيي مناضلينا الذين صمدوا نسال الله ان يغفر لنا عن كل اخطائنا. * حركة النهضة نشرت عام 1996 نقدا ذاتيا جريئا بدوره عن اخطاء قيادة 1990/1991؟ - كان ذلك النقد الذاتي مهما لكنه لم يكن كافيا ..والمطلوب نقد ذاتي اوضح واكثر جراة ..وان كانت الاولوية الان التفكير في المستقبل والبناء والتفاعل مع مشاغل الشعب الذي قام بالثورة دون قيادة ثم انتخب معارضين ونهوضويين لقيادة الحقبة القادمة .. الانشقاق غير وارد * هناك من اورد ان بعض القياديين البارزين سابقا في حركة الاتجاه الاسلامي وفي النهضة لم يندمجوا مجددا في الحركة وقد ينشقون عنها؟ - هناك اختلافات بين عدد من قيادات التيار الاسلامي ومناضليه وهذا طبيعي جدا..وهناك مشروع اسلامي كبير نتفق عليه رغم اختلافاتنا حول بعض المسائل والتصورات ومناهج العمل ..لكن لا مجال لشخص مثلي قضى اكثر من 30 عاما في بناء حركته ان ينشق عنها .. حاوره: كمال بن يونس