يتضمن "تنازلات".. تفاصيل مقترح الإحتلال لوقف الحرب    اكتشاف أحد أقدم النجوم خارج مجرة درب التبانة    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    جماهير الترجي : فرحتنا لن تكتمل إلاّ بهزم الأهلي ورفع اللقب    كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    وزارة السياحة أعطت إشارة انطلاق اعداد دراسة استراتيجية لتأهيل المحطة السياحية المندمجة بمرسى القنطاوي -بلحسين-    وزير الخارجية يواصل سلسلة لقاءاته مع مسؤولين بالكامرون    عمار يدعو في ختام اشغال اللجنة المشتركة التونسية الكاميرونية الى اهمية متابعة مخرجات هذه الدورة وتفعيل القرارات المنبثقة عنها    رئيس البرلمان يحذّر من مخاطر الاستعمال المفرط وغير السليم للذكاء الاصطناعي    سجنان: للمطالبة بتسوية وضعية النواب خارج الاتفاقية ... نقابة الأساسي تحتجّ وتهدّد بمقاطعة الامتحانات والعمل    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    الرابطة 2: نتائج الدفعة الأولى من مباريات الجولة 20    الترجي الرياضي يفوز على الزمالك المصري. 30-25 ويتوج باللقب القاري للمرة الرابعة    بطولة مدريد للماسترز: أنس جابر تتأهل الى الدور ثمن النهائي    زيادة ب 4.5 ٪ في إيرادات الخطوط التونسية    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    توزر: الندوة الفكرية آليات حماية التراث من خلال النصوص والمواثيق الدولية تخلص الى وجود فراغ تشريعي وضرورة مراجعة مجلة حماية التراث    تعاون مشترك مع بريطانيا    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    تامر حسني يعتذر من فنانة    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    الرابطة الثانية : نتائج الدفعة الأولى لمباريات الجولة السابعة إياب    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو إلى تنظيم تظاهرات طلابية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الثقافة الإيطالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    عاجل/ عالم الزلازل الهولندي يحذر من نشاط زلزالي خلال يومين القادمين..    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    قفصة: ضبط الاستعدادات لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق خلال الصّيف    تونس : أنس جابر تتعرّف على منافستها في الدّور السادس عشر لبطولة مدريد للتنس    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    انطلاق أشغال بعثة اقتصادية تقودها كونكت في معرض "اكسبو نواكشوط للبناء والأشغال العامة"    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل سيطهر قانون المالية التكميلي المنظومة الجبائية من الاحكام المافيوية؟
الأسعد الذوادي
نشر في الصباح يوم 28 - 02 - 2012

بلغت ظاهرة الفساد الاداري ذروتها خلال السنوات الاخيرة، حيث أصبح بإمكان المخربين تمرير نصوص تشريعية وترتيبية لخدمة مهنة يباشرها أو يعتزم مباشرتها احد أقاربهم أو شركائهم في الفساد أو مجموعة من المناشدين والموالين أو أولياء نعمتهم...
ولا يجد هؤلاء حرجا في تقديم التبريرات التي لا تقنع إلا الدكتاتور الذي استمدوا منه نفوذهم معولين في ذلك على الشلل الذي أصاب المؤسسات الدستورية الصورية التي تحولت إلى مراكز للارتزاق لا غير.
ولإسكات أصوات الواقفين في وجه النصوص الجائرة يختبئ الفاسدون وراء التبرير الذي مفاده أن المسالة تتعلق بتجسيم قرار رئاسي.. في خضم طوفان الفساد الذي أتى على الاخضر واليابس، لم يسلم التشريع الجبائي حيث أصبح وسيلة ناجعة وفعالة في مجال تكريس المنافسة غير الشريفة والتمييز حتى لا نقول العنصرية واستيراد البطالة وتبييض الجرائم الجبائية وهدر المال العام من خلال الامتيازات التي لا زلنا نجهل مردوديتها الى حد الآن وغير ذلك من مظاهر الفساد التي حبست المبادرة الاقتصادية وحالت دون نمو المؤسسات وتطورها وحتى استمراريتها وساهمت بالتالي في استفحال البطالة والفقر. فقد تم إخضاع صنف من المؤسسات التجارية لخصم مشط من المورد قسط بنسبة 10% بعنوان عمليات الاستيراد المتعلقة بقائمة طويلة من الافصال وكذلك اجبارها على دفع الاداء على القيمة المضافة بنسبة مرتفعة بما قدره 25%، الشيء الذي أدى بها إلى تكديس فوائض اداءات نخرت سيولتها وأدت بالبعض منها إلى التوقف عن النشاط. هذه المؤسسات لا يمكنها في خضم المنافسة الشرسة تحقيق ربح يمكنها من امتصاص الخصم من المورد الذي خضعت له لتجد نفسها في وضعية دائن مزمن للدولة ومدين لدى المؤسسات المقرضة على حساب مردوديتها. هذه الوضعية التي ألحقت أضرارا جسيمة بهذا الصنف من المؤسسات لا تعيشها الاصناف الاخرى من المؤسسات التي لا تخضع لهذه النسبة المشطة من الخصم من المورد، الشيء الذي يدل على ان تلك الاحكام خلقت حالة من التمييز بين المطالبين بالضريبة ولم تراع الواقع الاقتصادي لهذا الصنف من المؤسسات دون الحديث عن الصعوبات الجمة التي تواجهها عند مطالبتها باسترجاع الفوائض التي تكدست لديها.

اعتداء صارخ

الأتعس من ذلك أن يتم الاعتداء بصفة صارخة على حق الملكية المكرس نظريا بالفصل 5 من الدستور المعطل بمقتضى الفصل 28 من مجلة الحقوق والاجراءات الجبائية الذي يحرم المؤسسة من استرجاع فائض الاداء الذي لم تقدم بشأنه مطلبا في الاسترجاع في اجل ثلاث سنوات من التاريخ الذي أصبح فيه قابلا للاسترجاع.
هذا الفصل تضمن تناقضا صارخا حيث يسمح للمؤسسة بتحويل الفائض غير القابل للاسترجاع الذي لا يمكن استرجاعه إلا بطريق المقاصة. اما المنافسة غير الشريفة، فقد تم تكريسها بمقتضى نص تشريعي من خلال الفصل 21 من قانون المالية لسنة 2011 الذي خول للمؤسسات، التي لا يتجاوز رقم معاملاتها 150 ألف دينار بالنسبة الى انشطة الخدمات و300 ألف دينار بالنسبة إلى الانشطة الاخرى، التي تعهد مسك محاسبتها واعداد تصاريحها الجبائية لمراكز التصرف المندمجة، الانتفاع بطرح 20% من المداخيل والارباح الخاضعة للضريبة وذلك خلال الخمس سنوات الاولى التي تم فيها التعاقد مع المركز.
مراكز التصرف المندمجة هي مؤسسات مدنية مهنية للمساعدة على القيام بالواجبات المحاسبية والجبائية واعتماد وسائل التصرف الحديثة في المؤسسات وخاصة الاحاطة بالمؤسسات الصغرى خلال السنوات الاولى لنشاطها على معنى الصياغة الرديئة والركيكة للفصل 24 من قانون حفز المبادرة الاقتصادية الذي سن لتلبية الرغبات المافوية والفئوية والذي حبس في الحقيقة المبادرة الاقتصادية خلافا لما طبل له مناشدو الفساد والانحطاط.
هذا الفصل كرس منافسة غير شريفة تجاه المهنيين الذين لا يعملون في إطار تلك المراكز التي يحكمها كراس شروط غير شرعي، ضرورة انه ادخل تغييرات على عدد من النصوص التشريعية المتعلقة بعديد المهن كالمحاماة والمستشارين الجبائيين وغير ذلك من المهن المنظمة وغير المنظمة.
إن كراس الشروط المتعلق بتلك المراكز يطرح اشكالات عميقة من أهمها مسالة الحفاظ على السر المهني حيث أن الملفات التي قد يتعهد بها يمكن الاطلاع عليها من قبل مهنيين لا ينتمون لنفس المهنة وللتغطية على هذه المسالة الخطيرة، تم تناولها صلب كراس الشروط والحال أن مثل هذه المسائل وجب تناولها صلب النصوص التشريعية وليس الترتيبية. فالسؤال الذي يطرح نفسه هل يحق لصاحب مهنة اخرى ان يطلع على ملف يرجع بالنظر لمحام على سبيل المثال.

سماسرة ومناشدون..

فكراس الشروط الذي جاء خاليا من الشروط الموضوعية المتعارف عليها داخل البلدان المتطورة يتضارب مع عديد النصوص التشريعية فضلا عن انه يسمح لعديد المهن غير المنظمة بالانخراط في المركز لتسدي خدماتها والحال انه كان من المفروض أن يهتم الفاسدون الذين اقترحوا هذه المهزلة، خدمة للمناشدين الذين يسعون بمختلف الطرق والوسائل للاستحواذ على مهام المستشار الجبائي والمحامي والتلبس بعديد الالقاب مثلما هو الشأن الآن، بالاولويات كتنظيم المهن قبل كل شيء ومن ضمنها المهن الحساسة كالمستشار المالي والمستشار في التصرف او في التسويق والمستشار الاجتماعي ومهندس الفضاءات الخضراء ومخطط المدن ومهندس الفضاءات الداخلية ومكاتب الدراسات التي لا يؤطرها أي قانون، عوض أن تبادر بتنمية الفوضى في إطار مراكز تصرف مندمجة وعد من كانوا وراء بعثها كذبا بتشغيل عشرات الآلاف من حاملي الشهادات العليا مثلما اتضح ذلك جليا اليوم.
ان امتصاص بطالة حاملي الشهادات العليا يمر أساسا عبر الضرب على أيادي السماسرة والمتلبسين من مختلف المواقع من التونسيين وحتى الاجانب الذين يصولون ويجولون داخل إدارة الاداءات والسجل التجاري ووكالة النهوض بالصناعة او بالاحرى بالبطالة ومصالح الديوانة والمحاكم وصندوق الضمان الاجتماعي وغير ذلك ويمسكون محاسبة الغير ويعدون ويودعون التصاريح الجبائية على مرأى ومسمع من الجميع دون رادع بعد أن حصلوا على معرفات جبائية من الشباك الموحد بوكالة النهوض بالصناعة على ضوء تصاريح بالاستثمار مغشوشة لمباشرة أنشطة لا تعرف حدودها ومجال تدخلها من قبيل استشارات وخدمات إدارية ومرافقة المستثمرين وتدقيق قانوني واجتماعي واقتصادي وغير ذلك من الانشطة الواردة بالامر الفاسد عدد 492 لسنة 1994 الذي أحدث فوضى لا مثيل لها ونمى بصفة خطيرة ظاهرة استيراد البطالة قبل التفاوض والتحرير وتكريس المعاملة بالمثل والذي رفضت كل المصالح التي تتحدث باسم التشغيل إدخال تغييرات عليه حماية لسوق الشغل.
ويتضح التمييز والفساد الاداري من خلال عدد هام من شركات التجارة الدولية المصدرة كليا خاصة غير المقيمة التي ترجع ملكيتها لتونسيين وأجانب والتي لا تعرف من تصدير المنتوجات التونسية إلا الاسم. فالغاية من منح الاعفاء الكلي بهذا الخصوص تبقى تصدير المنتوجات التونسية وتشغيل اليد العاملة وليس تبييض المداخيل التي لا علاقة لها بالتصدير وعدم تشغيل اليد العاملة باعتبار ان اغلبها تم بعثه في شكل صندوق بريد وذلك على شاكلة الجنات الضريبية التي تسهل عمليات تبييض المداخيل الاجرامية. نفس الشيء قام به عدد هام جدا من الشركات الاجنبية الناشطة في مجال الخدمات والتي ليس لها بتونس أي نشاط سوى ملفها القانوني الذي تم توطينه لدى مراكز "لعمايل" التي تحولت إلى أوكار للفساد.

المهزلة متواصلة!!

لا ننسى أيضا الشروط التمييزية التي تضمنها الفصل 5 من قانون المالية التكميلي عدد 40 لسنة 2009 بخصوص إعفاء صنف من المؤسسات التي تواجه صعوبات من دفع الاقساط الاحتياطية وبالاخص تلك المتعلقة بالنشاط في إطار مجلة التشجيع على الاستثمارات دون سواها من المؤسسات المتضررة في إطار الازمة المالية العالمية وتقديم مطلب في الغرض مؤشر عليه من قبل مراقب حسابات والمصادقة على حسابات 2008 التي تم اعتمادها لضبط نسبة تقلص رقم معاملات 2009.
فالمدافعون على تلك المقتضيات التمييزية الفاسدة يبررون ذلك بضمان مراقب الحسابات لصحة المحاسبة والحال أن التدقيق المالي يعتمد حسب المعايير الدولية على تقنية السبر والعينات وأن ضمان صحة الوضعية الجبائية يستلزم القيام بتدقيق جبائي شامل لكل العمليات التي تقوم بها المؤسسة.
والغريب في الامر أن تتواصل نفس المهزلة من خلال الفصل 9 من المرسوم عدد 28 لسنة 2011 متعلق باجراءات جبائية ومالية لمساندة الاقتصاد الوطني التي كرست تمييزا مقيتا من خلال تمكين الاشخاص المعنويين المصادق على محاسبتهم دون احتراز له مساس باساس الاداء دون سواهم من استرجاع 50 او 100 بالمائة حسب الحالة من فائض الضريبة على الشركات في اجل 30 يوما وقبل اجراء مراجعة جبائية معمقة. هذا يثبت مرة اخرى ان دار لقمان لا زالت على حالها.
وتتضح الصورة أكثر حين نعلم ان مراقبة الحسابات بامريكا وبريطانيا ليست اجبارية الا بالنسبة للمؤسسات المدرجة بالبورصة. اما بفرنسا، فالشركة محدودة المسؤولية لا تلزم بتعيين مراقب حسابات الا اذا توفر شرطان من بين الشروط التالية: عدد العمال 50، رقم المعاملات يقارب 6 ملايين دينار، مجموع الموازنة يقارب 3 ملايين دينار. اما بتونس فان تلك الشروط تم ضبطها كالتالي: عدد العمال 10، رقم المعاملات يعادل 300 ألف دينار، مجموع الموازنة يعادل 100 ألف دينار.
فالمفروض ان يبادر المجلس التاسيسي بمراجعة الاحكام المافيوية المضمنة بالفصول 13 وما بعد من مجلة الشركات التجارية وامرها التطبيقي الفاسد عدد 1546 لسنة 2006 التي حولت المؤسسة الى بقرة حلوب. فقد اتضحت أهمية مراقبة الحسابات من خلال المؤسسات العمومية المنهوبة وبالاخص من بين المؤسسات البنكية والمفروض ان يتم تحميل المسؤولية المدنية والجزائية لمن صادق على حساباتها. كما على المجلس التاسيسي ان يفكر جديا في مراجعة محاسبة تلك المؤسسات من قبل هيكل عمومي مستقل باعتبار ان ذلك سيمكننا من امتصاص بطالة عدد هام من حاملي الشهادات العليا. اما الفصل 30 من قانون المالية لسنة 2011، فقد احدث محكمة خارج المنظومة القضائية لتخلف اللجنة الاستشارية المكلفة بالنظر في عرائض المطالبين بالضريبة، غير المنصوص عليها بالقانون، التي تولت شطب الديون الجبائية طيلة اكثر من عشر سنوات في خرق للفصل 25 من مجلة المحاسبة العمومية وذلك بحضور خبيرين محاسبين من بين المقربين من منظومة الفساد في خرق ايضا لواجب الحفاظ على السر المهني. كما ان تركيبة لجان تاطير اعمال المراقبة الواردة بنفس الفصل من شانها تطوير اعمال السمسرة في الملفات الجبائية بصفة خطيرة باعتبار انها لن تاخذ بعين الاعتبار مسالة تضارب المصالح مثلما هو الشان بالتشريع المغربي على سبيل المثال لا الحصر. لا ننسى ايضا الاحكام المافيوية التي تضمنتها ما يسمى بمجلة التشجيع على الاستثمارات التي ساعدت على نهب الاراضي الدولية بالدينار الرمزي والامتيازات المالية والجبائية محولة بذلك البلاد الى جنة ضريبية وعدلية.

استيراد البطالة

وقد زادت الطين بلة احكام الفصل 3 من مجلة التشجيع على الاستثمارات، او بالأحرى الجريمة ونهب المال العام والتحيل، التي نمّت ظاهرة استيراد البطالة والتحيل وتبييض كل انواع الجريمة. هل يعقل ان يتم تحرير قطاع الخدمات المهمش اصلا من قبل الفاسدين المتحصنين بالإدارة بطريقة وحشية قبل التفاوض والتحرير وتكريس مبدا المعاملة بالمثل، وذلك على حساب المؤسسات التونسية والعاطلين عن العمل.
هل يعقل ان يتم ايداع تصاريح بالاستثمار مغشوشة لدى وكالة النهوض بالصناعة او بالأحرى بالبطالة لمباشرة انشطة تجارية في خرق للمرسوم عدد 14 لسنة 1960 متعلق بمباشرة التجارة من قبل الاجانب. هل يعقل ان يتم الالتفاف على الفصل 18 من مجلة التشجيع على الاستثمارات والفصل 258 من مجلة الشغل من خلال ايداع الاجير لتصريح بالاستثمار تحت عنوان الدراسات والاستشارات وغيرها من الانشطة التي ابتدعها الفاسدون صلب الامر الفاسد عدد 492 لسنة 1994 ليتحولوا الى مستثمرين صوريين ويفلتوا من دفع الضريبة بعنوان الاجور التي سيحصلون عليها.
فالمفروض ان يتم تحوير الفصل 3 في اطار قانون المالية التكميلي لكي لا يسمح للأجانب المقيمين وغير المقيمين بالاستثمار في قطاع الخدمات الا في اطار مؤسسات مصدرة كليا لا يحق لها اسداء خدماتها بتونس مع ضبط قائمة تلك الانشطة صلب امر ومراعاة مصلحة المؤسسات التونسية.

تبييض الجرائم الجبائية

الأتعس من كل ذلك ان يتضمن قانون المالية لسنة 2012 احكاما تمييزية لا نجد لها مثيلا بالتشاريع الاجنبية، تنص على منح تسبقة بعنوان الضريبة على الشركات المصادق على حساباتها بدون تحفظ وذلك بما قدره 35% و15% في الحالات الاخرى دون الحديث عن الاحكام الاخرى الهزيلة التي من شانها اهدار المال العام عوض وضع اطار قانوني يسمح بمكافحة التهرب الجبائي وتبييض الجرائم الجبائية وتحويل وجهة الامتيازات الجبائية الذي يكلف الخزينة العامة آلاف المليارات سنويا.
فالواضح ان الشبكة العنكبوتية الفاسدة المكلفة بصياغة النصوص لا زالت تفعل فعلها وما على المجلس التاسيسي الا ان يبادر بتفكيكها وتحديد الاطراف التي تعمل لفائدتها سواء من بين المنظمات المناشدة او الضالعة في الفساد والتبييض. كيف يمكن لشبكة صاغت الفصل 40 من القانون عدد 69 لسنة 2007 متعلق بالفضاءات المينائية المتعلقة بسياحة العبور على مقاس بن علي واحكاما اخرى لفائدة الاقارب والمناشدين واولياء النعمة والمتهربين ان يؤتمن جانبها. فعوض ان تنكب على حذف الفقرة الاخيرة من الفصل 16 من مجلة الحقوق والاجراءات الجبائية التي طورت بصفة خطيرة صناعة تبييض الجرائم الجبائية والامر الفاسد عدد 492 لسنة 1994 الذي طور ظاهرة استيراد البطالة، نراها تواصل الاستخفاف بعقول دافعي الضرائب من خلال الاحكام التافهة والمافيوية. ثم هل يعقل ان يتم منح تسبقة بعنوان فائض اداء دون مراقبة. فالمفروض ان يفتح تحقيق بخصوص التسبقات التي منحت بهذا العنوان واتضح فيما بعد عدم مسك المطالب بالضريبة لمحاسبة تبرر ذلك.
يتضح من خلال العدد القليل جدا من الاحكام الفاسدة التي تضمنتها المنظومة الجبائية أن الفساد الاداري حوّل المؤسسة إلى بقرة حلوب وحال دون نموها وتطورها منميا بذلك البطالة والفقر والتحيل والجريمة. فالإجراءات التي تتخذ من حين لآخر بدعوى دفع نسق التنمية ودعم القدرات التنافسية للمؤسسة تبقى عديمة الجدوى اذا لم نشخص محيط الاستثمار ونقيم مردودية القرارات السابقة المشابهة التي كلفت المجموعة مئات الاف المليارات ونضع استراتيجية واضحة المعالم لمكافحة الفساد وبالأخص الاداري الذي نمّى البطالة والفقر من خلال القضاء على روح المبادرة.
إن تكريس التمييز وخرق مبدأي المساواة والحياد اللذين وجب أن يتصف بهما التشريع الجبائي داخل البلدان المتطورة، من خلال اشتراط طرح الانتفاع بحق مراقبة حسابات المؤسسة وغير ذلك بمقتضى نصوص تشريعية لا نجد لها مثيلا بتشاريع البلدان المتطورة التي لا تسمح مجالسها الدستورية بتمرير مثل تلك الاحكام التمييزية، يعد من اخطر مظاهر الفساد الاداري الذي أشارت إليه اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادقنا عليها بمقتضى القانون عدد 16 لسنة 2008 والتي لا زال البعض يصر على عدم احترامها من خلال عدم ملاءمة تشريعنا مع أحكامها وتجريم الفساد الاداري والاهمال صلب الفصل 107 من المجلة الجزائية حتى لا يشعر الفاسدون بالحصانة مثلما هو الشأن اليوم.
٭ هذا النص قدمه السيد لسعد الذوادي الى وزير الاصلاح الاداري قبل بضعة أيام..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.