انتهت التنسيقية الوطنية للعدالة الانتقالية التي تتألف من العديد من الجمعيات والمنظمات من إعداد مشروع إحداث هيئة عليا مستقلة للحقيقة والعدالة الانتقالية وستحيله قريبا على الرئاسات الثلاثة، وعلى رؤساء الكتل واللجنة التشريعية والأحزاب بالمجلس الوطني التأسيسي. وكان التنظيم المؤقت للسلطات العمومية أفرد فصلا كاملا يتعلق بالعدالة الانتقالية نص على أن المجلس الوطني التأسيسي يسن قانونا أساسيا ينظم العدالة الانتقالية ويضبط أسسها ومجال اختصاصها. وينتظر أن تعمل هذه الهيئة على إعداد تصور متكامل لإرساء منظومة العدالة الانتقالية، مستأنسة للغرض بالتجارب المقارنة، وستتقصى الانتهاكات التي مست حقوق الانسان والتجاوزات المتعلقة بسوء التصرف في المال العام.. وفي انتظار المصادقة على الهيئة، ستبحث التنسيقية الوطنية للعدالة الانتقالية في الندوات التي ستنظمها خلال الفترة القادمة بهدف الكشف عن الحقيقة وفتح ملفات الانتهاكات، عديد المسائل الحارقة التي مثّلت نقطة استفهام في ذاكرة التونسيين بسبب التعتيم عليها. ومن بين هذه المسائل وإلى جانب ثورة 17 ديسمبر 2010، ستتقصى التنسيقية أحداث 26 جانفي 1978 وأحداث الخبز وأحداث الحوض المنجمي ومحاكمات جماعة آفاق اليسارية «برسبكتيف» ومحاكمات الإسلاميين ومحاكمات العسكريين ومحاولة 1962 الانقلابية وغيرها من الصفحات الحالكة على مدى تاريخ تونس المستقلة وتحديدا منذ الاعلان عن الاستقلال الداخلي.
المصالحة مع الماضي
ويرمي هذا النبش في الذاكرة إلى كشف حقائق الماضي والمحاسبة والتعويض وجبر الأضرار وتخليد الذكرى من أجل مصالحة الشعب مع ماضيه وتقبله لتاريخه وتجنبه الوقوع من جديد فريسة للاستبداد وضحية للفساد. وستنظم بالقصرين وسيدي بوزيد وقفصة في مرحلة أولى لقاءات بهدف التعريف بمفهوم العدالة الانتقالية وآلياتها والاستماع إلى مختلف الآراء في هذا الشأن. وسيتم تكوين أعضاء لجان الاستماع للضحايا والجلادين حول تقنيات الانصات، وسيتم احداث بنك معلومات حول ملفات التعذيب والقتل وتبديد المال العام. وبعد الاطلاع على تجارب البلدان الأخرى في مجال العدالة الانتقالية، رأت التنسيقية الوطنية للعدالة الانتقالية أنه من الافضل أن يجمع مسار العدالة الانتقالية بين احداث الهيئة العليا المستقلة للعدالة الانتقالية سالفة الذكر ومواصلة القضاء العادي مهامه. وكانت بلدان أخرى أحدثت محاكم خاصة بإرساء العدالة الانتقالية، وبلدان كلفت بعض الدوائر داخل المحاكم العادية بملف العدالة الانتقالية، وهناك من كلفت وكيلا عاما مختصا ومن اختارت احداث هيئة متخصصة مستقلة ومن مزجت بين مختلف هذه الآليات.