تبقى الدبلوماسية التونسية الوجه الخارجي للبلاد ولثورتها التي أذهلت العالم.. فماذا قدمت دبلوماسية حكومة الجبالي في ظرف 100 يوم وهل نجحت في إقناع العالم والمسك بالملفات الخارجية؟ أكيد أن دبلوماسيتنا واجهتها عديد المشاكل أولها عدم القبول الداخلي بتعيين رفيق عبد السلام كوزير خارجية باعتباره صهر راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة وما يعطيه ذلك من عودة لصورة الأصهار وحظوتهم في عهد المخلوع.. كما أن دبلوماسيتنا واجهتها عديد المواقف الصعبة وتداخلت فيها الأطراف الفاعلة في السياسة التونسية على غرار الرئيس المؤقت منصف المرزوفي ورئيس الحكومة المؤقت حمادي الجبالي ووزير الخارجية رفيق عبد السلام وكذلك زعيم النهضة راشد الغنوشي مما جعل المواقف تتضارب أحيانا.
إعداد: سفيان رجب وجهاد الكلبوسي
أكيد أن الدبلوماسية التونسية تبقى في الوقت الراهن بيد الحكومة، لكن لرئيس الجمهورية الذي يبقى رمزا للبلاد نصيب وتبقى تصريحاته وتحركاته محسوبة عليه وعلى البلاد. نقص خبرة الرئيس المؤقت جعله يدخل في متاهات الدبلوماسية وتنفلت بين كلماته زلات أحرجته وأحرجت الدبلوماسية التونسية. فقد اتهم رئيس الجمهورية فرنسا في حديث أدلى به لصحيفة «جورنال دي ديمانش» بأنها سجينة أحكام مسبقة حيال الإسلام. وهو ما أثار ردود فعل دولة تربطنا بها علاقات وثيقة على جميع المستويات.. بعدها كان تصريحه حول الجزائر الذي قال فيه» لو أن الجزائريين تركوا المجال للإسلاميين للوصول إلى السلطة لما سالت تلك الدماء الغزيرة ولما أزهقت تلك الأرواح».. وكان الرد سريعا وقويا ومحرجا من قبل وزير الخارجية الجزائري... وقبل ذلك حديثه عن الاندماج مع ليبيا وهو حديث اعتبره البعض غير مسؤول ويمكن أن يكون ملزما لتونس، كما اعتبره البعض نوعا من الدعاية السياسية واللعب على وتر حساس بالنسبة للاقتصاد التونسي. كل تلك الإطلالات «الخاطفة»، جعلت البعض يتهم رئيسنا الجديد بافتقاره للحكمة السياسية وأنه لا يفرق بين مسؤولياته وتصريحاته كرئيس للدولة وبين تصريحاته السابقة كمناضل وحقوقي...
الملف السوري
الدبلوماسية التونسية، التي كانت تختفي سابقا وراء «شماعة» مسألة التنسيق العربي لعدم الأخذ بزمام المبادرة وخاصة انتظار الموقف المصري من أي قضية عربية أو دولية ومراعاة الجوانب الأمنية والاقتصادية بالأساس، تورطت في مبادراتها الأخيرة في أكثر من مشكل خاصة فيما يتعلق بالملف السوري حيث بادرت الدبلوماسية التونسية دون بقية دول العالم (وخاصة الغربية منها) بسحب الاعتراف بالنظام السوري وطرد سفيره والطاقم الدبلوماسي من تونس. وتجاوزت ذلك إلى احتضان بلادنا مؤتمر «أصدقاء سوريا» في 24 فيفري الماضي وهو مؤتمر لاقى انتقادات شديدة من قبل بعض القوى العظمى وبعض الدول العربية والإسلامية، ووتّر العلاقات التونسية - الروسية والتونسية - الصينية. الموقف التونسي من سوريا أرجعته بعض الجهات إلى املاءات خارجية وخاصة قطرية رغم نفي رفيق عبد السلام وزير الخارجية التونسي لتلك التخمينات وتأكيده أن «عقد المؤتمر في تونس هو قرار سيادي اقتضته المصالح الوطنية والعربية وليس هناك أي جهة أو دولة لها الحق في فرض أجندتها أو سياستها الخاصة على تونس». الدبلوماسية واستثمار الثورة ورغم الانتقادات التي رافقت القرارات التي اتخذتها الخارجية التونسية طيلة المدة الاخيرة، فان دبلوماسية تونسالجديدة تحاول استثمار ثورة 14 جانفي على الصعيدين العربي والدولي في محاولة منها لتأكيد دورها الحيوي في المنطقة. وعلى هذا الأساس أثارت زيارة رئيس الحكومة المؤقت حمادي الجبالي الى المملكة العربية السعودية انتقادات عديدة خاصة وانه لم يتطرق في برنامج زيارته الى تسليم المخلوع الذي يلقى حماية سعودية وحمّل التونسيون الحكومة الجديدة مسؤولية تمتع المخلوع بالحماية رغم القضايا التي تورط فيها مع عائلته وأصهاره. وأرجع المدافعون عن الحكومة ذلك الموقف، إلى تغليب المصلحة الاقتصادية على حساب الأهداف الثورية بحجة عدم خلط المسارات أي المسار القضائي العدلي والأولويات التي تتعلق بالحفاظ على علاقات البلدين وعلى هذا الأساس لم يسع الجبالي إلى إحراج السعودية بفتح ملف تسليم المخلوع.
من جهة أخرى نفضت زيارة الجبالي الى ألمانيا الغبار الذي علق بتحركات الدبلوماسية التونسية حيث وصف بعض المتابعين للشأن التونسي هذه الزيارة بالايجابية. حيث جاء في الصحف الألمانية وتحديدا في الصحيفة الألمانية «ديرشبيغل» في مقال للصحفية «انديا نوس» تحت عنوان «الحرية فوق كل شيء «إن حضور حمادي الجبالي في زيارته الأولى لبرلين. بلحية نائب رئيس النهضة التي كانت «مشذبة» و»الزبيبة» التي على جبهته أظهرت التزامه بواجباته الدينية اليومية. ورغم ذلك اظهر الجبالي رغبته الجامحة في تحقيق الحريات في كل المجالات من حرية الرأي والمعتقد والصحافة والتجمع وحرية التظاهر ضد السلطة». وإن الزيارات التي أداها وزير الخارجية الى الخليج وتلك التي أداها الوزير الأول إلى السعودية لم تثمر نتائج محسوسة في ما يخص الملف الاقتصادي وتمخضت أساسا عن نوايا استثمار خاصة قد تتحقق وقد لا تتحقق حسب تطور الأحداث. وتبقى الزيارة الألمانية هي الأهم بكل المعايير في هذا الظرف الذي تعيشه بلادنا المتميز بالهشاشة الاقتصادية والاجتماعية حيث أنها كانت الأثقل حصيلة في الاتجاه الايجابي اقتصاديا إذ طرحت ألمانيا ديون تونس إزاءها مقررة رسكلتها في شكل استثمارات كما جرى التوقيع خلال هذه الزيارة على عدد من الاتفاقيات الاقتصادية الهامة. أما زيارات السيد رفيق عبد السلام الى الخارج المكوكية فهي تكاد لا تحصى إلا أنه لا يمكن تقييم جدواها لغياب المعلومات الكافية عن دوافعها ونتائجها، فوزير الخارجية زار في هذه الفترة القصيرة عددا كبيرا جدا من الدول العربية والغربية. وعموما يمكن القول أن تدخل المرزوقي في الدبلوماسية احدث إرباكا للقائمين عليها.. لكن تدخل الغنوشي يطرح أكثر من نقطة استفهام حول دوره وصلاحياته خاصة عند تنقلاته الخارجية التي يعامل فيها كمسؤول أول على الدولة.