- السيدة ماريا لويزا فورنارا ممثلة اليونسيف في تونس على مدى تسع سنوات، استقبلت مندوبة "الصباح" في مكتب متواضع تحدثت عن الوعي بتحديات المرحلة ورهاناتها والإحساس الكبير بالمسؤولية التاريخية التي تنتظر الشعب التونسي وخاصة المجلس الوطني التأسيسي لتمكين كلّ أطفال تونس من حقوقهم وإكسائهم حُلّة العدالة الإجتماعية. كما تطرقت مُضيفتنا، (إيطالية الجنسية)، إلى النقائص التي يشهدها واقع الطفولة في تونس لا على المستوى التشريعي وإنما على مستوى تطبيقها على أرض الواقع، متوجهة بجملة من الرسائل إلى المجلس الوطني التأسيسي في ظلّ تعالي الأصوات المنادية بالمحافظة على مكاسب المرأة والحقوق والحريات بصفة عامة وغيرها من المطالب متسائلة أي مكانة لأطفال تونس في هذا الحراك السياسي، فكان لنا معها الحوار التالي.. * في البداية كيف تقدمون اليونيسف في تونس؟ - امتد التعاون بين اليونيسف والجمهورية التونسية على مدى نصف قرن وشمل مختلف مراحل التنمية وبرامج مكافحة الجهل والمرض والفقر، وتواصل اليونيسف اليوم تقديم دعمها ومساندتها لتونس من أجل المساهمة في المحافظة على المكاسب المسجلة وفي رفع ما تبقى من تحديات في مجالات الصحة والتعليم والحماية. ويهدف برنامج التعاون الحالي إلى المساهمة في تحسين جودة الخدمات الصحية والتعليم والحماية المقدّمة للأطفال واليافعين والمراهقين مع إيلاء عناية خاصة للفئات الهشة والمهمشة وكذلك في النهوض بمشاركة جميعهم على أساس المواطنة وبتفعيل آلياتها. من التحديات الكبرى تطبيق القوانين والتشريعات التونسية المتقدمة على أرض الواقع * بوصفكم منظمة دولية تُعنى بالطفولة، كيف تقيمون وضع الطفل في تونس؟ - عندما نقارن وضعية الطفل التونسي بغيرها في البلدان الأخرى نجدها جيدة وبالتالي يجب الحفاظ عليها وتطويرها. وهذه الوضعية ليست فقط تلك المتعلقة بالمؤشرات الخاصة بالطفل مثل الصحة والتعليم وغيرها وإنما أيضا تتعلق بالقوانين والتشريعات التي تحمي الطفل والتي عرفت تطورا ملحوظا. لكن هناك فرق ومسافة بين التشريعات ومستوى تنفيذها وتطبيقها على أرض الواقع خاصة في ما يتعلق بالعدالة الإجتماعية والفوارق بين الجهات التي تنعكس سلبا على الطفل. * ماهي أهم التحديات التي تواجه الطفل التونسي حاليا؟ - كثيرة هي التحديات التي يتحتم على تونس رفعها في مجال الطفولة والتي وردت أغلبها في تقرير الللجنة الدولية لحقوق الطفل عند دراستها لتقرير تونس في جوان 2010. ومن أهمّ هذه التحديات تقليص الفوارق بين المنظومة التشريعية المتقدمة والتطبيق على الواقع، إلى جانب ضرورة مزيد الإستثمار في مجال التغطية في خدمات سن ما قبل الدراسة لمعالجة التطور اللامتكافئ بين الجهات والوسطين الريفي والحضري خاصة بعد تراجع القطاع العمومي في الإستثمار في هذا المجال (12 % سنة 2009 مقابل 26% سنة 2000)، وهذا الجانب يمثل عنصرا هاما لتحسين المردودية الدراسية للطفل وتهيئته للإندماج في المجتمع. إلى جانب هذه التحديات نذكر أيضا ضمان نجاعة المنظومة التربوية من خلال مكافحة الإنقطاع المدرسي باعتبار أنّ عدد المنقطعين يعدّ هاما وخطيرا إذ يتراوح بين 60 و80 ألف سنويا من بين البالغين من العمر أقلّ من 16 سنة وهو السن الإجباري للتعليم، وفي هذا الإطار نحن بصدد العمل مع وزارة التربية للحدّ من هذه الظاهرة وإيجاد حلول بديلة لمن غادروا مقاعد الدراسة. كما نذكر أيضا من بين التحديات تقليص الفوارق بين الجهات فيما يتعلق بنسبة التمدرس ونتائج الإمتحانات، إلى جانب ضرورة الحدّ من ممارسة العنف ضدّ الأطفال سواء كان في الوسط العائلي (73% عنف جسدي، 26 % عنف لفظي، 30% حرمان من حق من الحقوق) أو الوسط المدرسي، فقد بينت الدراسات أنّ 58,2 % من التلاميذ قد تعرضوا إلى شكل من أشكال العنف. جملة هذه التحديات تعززها المحافظة على المكاسب المسجلة للطفل التونسي حتى لا يقع التراجع عنها خاصة فيما يتعلق بالفئات المهمّشة من الأطفال مثل المولودين خارج إطار الزواج فيجب العمل على ضمان وسط عائلي بديل عوضا عن المؤسسات، مع ضمان المشاركة الفعالة والفعلية للأطفال والشباب في الحياة العامة وإعطائهم الفرص الكافية لتبليغ آرائهم خاصة في الجمعيات والإعلام والأنشطة كما يجب تعزيز هذه المشاركة في المؤسسات التربوية حتى لا يكون مكانا لتبليغ المعارف فقط بل أيضا للتربية على المواطنة والعيش المشترك. إضافة إلى جعل المنظومة التشريعية التونسية متطابقة مع المعايير الدولية من ذلك مثلا إيجاد حلول بديلة للأطفال وإدماجهم في المجتمع خاصة فيما يتعلق بالفتيات لحمايتهم من العودة إلى الجنوح. تجدر الإشارة إلى أنه لا توجد إحصائيات دقيقة حول جملة الإشكاليات آنفة الذكر، فالإحصائيات والمؤشرات هي التي تمكن الدولة من البرمجة الجيدة وتوجيه أنشطتها وتدخلاتها نحو أسباب الأساسية للمشاكل حتى لا تكون المعالجة سطحية ولكن أكثر نجاعة، من ذلك مثلا تشغيل القاصرين وأطفال الشوارع وغيرها، ونحن نرى أن الفرصة سانحة لإجراء مثل هذه البحوث بسهولة لأنّ الإنفتاح والوضع الحالي في البلاد يساعد على ذلك. * كيف ترون دور المجتمع المدني في هذه المرحلة الإنتقالية لحماية حقوق الطفل والدفاع عنها؟ - بينت التجارب أنّ التزام الحكومات وحده لا يكفي، فالمجتمع المدني هو في غالب الأحيان في مقدمة المدافعين على حماية حقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق الأطفال بصفة خاصة. لقد لاحظنا اهتماما وتحمسا من قبل العديد من الجمعيات لفائدة حقوق الطفل وقد دعمنا العديد من مبادراتها لإيماننا بالدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع المدني في رفع الوعي بحقوق الطفل والعمل على إحترامه باعتبار قربه من مكونات المجتمع وقدرته على دعم مجهودات الدولة التي عليها المسؤولية الأولى في حماية الطفل. فالمجتمع المدني باستطاعته زالضغطس على صانعي القرار حتى تكون لحقوق الطفل الأولويات السياسية والتشريعية وكذلك ضمن مجهودات التنمية. * تشهد تونس حاليا حراكا سياسيا مهمّا يتمثّل خاصة في كتابة الدستور، كيف تقيمون موقع الطفل في هذا الحراك وهل ترون للطفل مكانة في هذا الدستور؟ - يرجع تاريخ الدستور الأول إلى سنة 1959 أي قبل وجود الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل، وتونس حاليا تعيش مرحلة تاريخية، وهي في حراك سياسي ومدني متميز نرجو أن يحظى فيه الطفل التونسي بالمكانة التي يستحقهاعلما بأنه توجد في العالم العديد من الدساتير زالصديقة للأطفالس لكونها أدرجت ضمنها مواد تتعلق بحقوق الطفل على غرار ألمانيا، افريقيا الجنوبية، اسبانيا، السينغال.. وعلى تونس أن تنسج على منوال هذه الدول خصوصا وأن لديها الأرضية والمكاسب ما يساعدها على ذلك حتى يكون الطفل صاحب حق بصفة فعلية، فيمكن على سبيل المثال التنصيص على الإلتزام باتفاقية حقوق الطفل من ذلك مثلا زمصلحة الطفل الفضلىس وسالمشاركة الفعلية للأطفالس وسعدم التمييزس..ويمكن للإخصائيين التعمق في ذلك واقتراح ما يضمن لجميع الأطفال التمتع بحقوقهم. لكن لاحظنا خلال هذا الحراك الذي تشهده البلاد تدارس حقوق الكثير من الفئات لكننا لم نر مكانة فعلية للطفل في هذه النقاشات. * ماذا يمكن لليونيسف أن تقدم حتى تساهم في تحسين وضع الأطفال والنهوض بحقوقهم خلال هذه المرحلة بالذات؟ - تعمل اليونيسف على الميدان في أكثر من 160 بلدا وتدعم الكثير منها لمراجعة القوانين والتشريعات حتى تتناغم مع اتفاقية حقوق الطفل وقد أعدت في هذا المجال دليلا عمليا يساعد في هذا المجال. وفي تونس نحن على استعداد لتقديم الدعم الفني اللازم سواء من بين الخبرات الوطنية أو العالمية عند الحاجة للمساعدة على إدراج حقوق الطفل في الدستور الجديد. * في الختام، ما هي رسالتكم إلى المجلس الوطني التأسيسي بدرجة أولى، إلى المجتمع المدني وإلى المجتمع التونسي بصفة عامّة؟ - المرحلة الحالية تاريخية وأمامنا جميعا سواء كنا من المجتمع المدني، من الإعلام من الهياكل الحكومية، من المجلس الوطني التأسيسي أو من المنظمات الدولية مسؤولية كبيرة للعمل معا حتى ينعم جميع الأطفال بحقوقهم وضمان العدالة الإجتماعية للجميع. فلا يكفي أن نضع فصول في الدستور تنص على حقوق الطفل ما لم يتمّ بعث هيكل مستقل يُعهد له متابعة إعمال وتطبيق حقوق الطفل على أرض الواقع من خلال مراقبة عمل الهياكل الحكومية المعنية بالطفولة للنهوض بهذه الحقوق والعمل على احترامها والدفاع عن مصلحة الطفل وإدانة التجاوزات. نحن نعلم أنّ للمجلس الوطني التأسيسي مشاغل عديدة لكننا نحن على يقين أنهم لن ينسوا الأطفال وحقوقهم وكم نتمنى أن يتم الإستماع إليهم مباشرة، ولتونس خبرات وطنية متميزة في مجال حقوق الطفل ومجال الدساتير يمكن الإعتماد عليهم والإستئناس بآرائهم. وتبقى اليونيسف على ذمة المجلس الوطني التأسيسي والهياكل الراجعة بالنظر للتفكير والمساهمة في صياغة مثلى تضمن حقوق الطفل.