في استطلاع أولي لمواقف بعض الخبراء في التربية من الفكرة أو المقترح الذي يجري تدارسه في مستوى وزارة التربية حاليا والمتعلق بتعميق التفكير في التبكير في سن التمدرس إلى خمس سنوات عوض ست سنوات رفض عدد من المختصين في التربية هذا المقترح لما يرون فيه من تعسف على حق الطفل في النضج على مهل واستيفاء شروط التأهل للحياة المدرسية في مرحلة ما قبل الدراسة. وذهب أحد المستجوبين إلى اعتبار التبكير أقرب إلى مزيد توريط الطفل في ما يشبه عملية «اعتقال مدرسي» وخيمة العواقب سيما أن مدارسنا وتقاليد مناهج التدريس المتبعة بها غير جاهزة ولا مؤهلة للتعامل مع الطفل في هذه السن المبكرة التي يجدها البعض خارجة عن السياق المحلي كما العالمي حيث أن سن التمدرس في البلدان المتقدمة لا يقل عن الست سنوات ويبلغ السبع سنوات في عدد منها. وكان وزير التربية عبد اللطيف عبيد طرح فكرة المقترح خلال لقائه بخبير أممي بحر الأسبوع الفارط معلنا عن تواصل التفكير في مثل هذا التصور استنادا إلى ما أثبتته الدراسات العلمية والبيداغوجية من مزايا جمة لهذا التبكير دون أن يغفل عن الإشارة إلى ما يتطلبه العمل بهذا المقترح من مضاعفة الجهود لأقلمة المؤسسات التربوية مع خصوصية التعامل مع هذه السن المبكرة وتذليل الصعوبات في مستوى البنى الأساسية والتجهيزات. وبالتعمق في متابعة فكرة التبكير ومدى الجدية التي تحظى بها داخل أروقة الوزارة وعما إذا كانت تتنزل في إطار الإملاءات المفروضة من بعض هياكل التمويل الدولية علمت «الصباح» من مصادر مطلعة أن الفكرة ما زالت جنينية ولم تتجاوز المقترح الذي يجري تدارسه كغيره من المقترحات المطروحة ضمن فعاليات الندوة الوطنية حول منهجية إصلاح المنظومة التربوية المنعقدة موفى مارس المنقضي ومن هذا المنطلق فإنها لم تكن وليدة املاءات أو تعليمات خارجية حسب تأكيد مصدرنا التربوي وستكون محل استشارة واسعة من قبل أهل الإختصاص وفي صورة عدم ثبوت مزاياها وجدواها لن يؤخذ بها. تبكير خارج السياق في انتظار فتح باب الاستشارة حول الموضوع بادرت «الصباح» إلى رصد بعض المواقف المتحفظة على المقترح بل والرافضة لفكرة التبكير في سن التمدرس باعتبار أنها مجرد طرح مسقط خارج سياقه العلمي والعالمي وحتى خارج سياقه المحلي. وفي هذا المجال تستند حجة الباحث في علم الإجتماع التربوي طارق بالحاج محمد إلى أن معيار السن العالمي للتمدرس لا يقل عن الست سنوات ويبلغ في بعض المقاربات التربوية السبع سنوات ما يرفع أكثر من نقطة استفهام في حال توخي العمل بهكذا مقترح من قبل أصحاب القرار. ويرى « أن السياق المحلي الراهن يجانب بدوره هذا الطرح ويتعارض مع الجهود الرامية إلى دعم مؤسسات التربية في مرحلة ماقبل الدراسة من سنوات تحضيرية وكتاتيب وكذلك تعليم ديني. ويقع التضارب أيضا في مستوى توجهات الإصلاح التربوي نفسه والذي يرتكز على مراجعة الزمن المدرسي والتقليص من ضغط الوقت الدراسي وتخفيف المحتوى. معتبرا أن سيف التبكير سيزيد في تعميق مفهوم المدرسة كفضاء إعتقال وهي الفكرة التي أنتجها الإيقاع الزمني الحالي فما بالك إذا ما تم التبكير في سن التمدرس؟ «حتما -يجبيب محمد -أن حدة التورط في هذا المفهوم ستتعمق وتقوى.» ودعا إلى التريث وعدم التسرع في تبني هذا المقترح وتكثيف التشاور حوله حتى ينطلق الإصلاح التربوي المرجو على أسس علمية وواقعية. أتركوه ينضج في ذات التوجه أعلن متفقد التعليم الإبتدائي نورالدين الشمنقي معارضته لهذا المقترح الذي لا يترك المجال أمام الطفل إلى النضج الذهني والنفسي. مشددا على أن المطلوب اليوم هو تحقيق العدالة الإجتماعية من خلال تعميم الأقسام التحضيرية على كامل تراب الجمهورية بصفة مجانية حتى تكون متاحة لأطفال العائلات المحدودة الدخل ولا يكون العوز بالتالي حائلا بين أطفالها وحقهم في التأهل لمرحلة الدراسة في فضاءات تربوية تدرب وتعد شخصية الطفل لمساره الدراسي الذي يترقبه. وتساءل الخبير التربوي باستنكار واضح «كيف نقبل بالتفكير في التبكير في سن التمدرس إلى الخمس سنوات فيما تعتمد مقاربات تربوية متقدمة سن السبع السنوات.. هذا لا يستقيم ولا بد من فسح المجال أمام الطفل ليستكمل مراحل نضجه».