تستفحل في تونس معضلة نقص الحبوب والمواد الغذائية الرئيسية بدءا من مشتقات الحبوب واللفت السكري بالرغم مما عرف به شمال تونس منذ اكثر من ألفي سنة عندما كانت باجة "مطمور روما"، ومنحت اسمها لقارة بأكملها "إفريقيا".. قارة اقترن اسمها بالقمح وايضا بالسكر. وقد حافظت منطقة الشمال الغربي عامة وجهة باجةجندوبة خاصة على هذه الخصوصية رغم الصعوبات التي شهدها القطاعان بسبب ضعف مردودية زراعات الحبوب وتراجع زراعة اللفت السكري. وقد تعهد رئيس الحكومة السيد حمادي الجبالي مؤخرا امام المجلس الوطني التاسيسي بالقيام بخطوات ملموسة حتى تستعيد زارعة اللفت السكري عافيتها في منطقتي باجةوجندوبة بعد ان اثبتت الدراسات العلاقة الوثيقة بين تطوير مردودية الحبوب، وانتشار المساحات المزروعة من اللفت السكري وتطوير البذور المختارة التي يؤكد الخبراء أنها تساهم في مضاعفة مردودية الانتاج الزراعي عامة وفي قطاعي الحبوب واللفت السكري خاصة. معضلة المردودية؟ يذكر أنه رغم الجهود الكبيرة التي بذلت منذ الاستقلال لتطوير مردودية الحبوب من 5 الى 15 قنطارا في الهكتار الواحد الا ان النتيجة مازالت دون المأمول ودون المستوى الذي يمكن من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب. وقد بات اليوم متاكدا ضمان الامن الغذائي عبر تطوير «الاعتماد على البذور المختارة» وانجاز مطلب استراتيجي وطني في ظل الارتفاع الجنوني لسعر القمح في السوق العالمية وتنامي الطلب الوطني للمواد الغذائية وخاصة للمواد المدعومة وعلى راسها مشتقات الحبوب. مشاريع في باجة والشمال تتوأمام محدودية الاراضي القابلة للاستغلال زراعيا في الشمال حيث التربة الغنية والمياه فان الحل الممكن الوحيد هو مزيد العناية بالمردودية للوصول بها الى اقصى مدى ممكن مع الحفاظ على خصوبة الارض وسلامتها وكذلك الحفاظ على المخزون الوطني من الماء. في هذا السياق علمنا أن النية تتجه إلى تحقيق مشاريع استثمارية خاصة لانتاج واكثار الحبوب، من بينها «مشروع طموح» سيرى النور قريبا في باجة، وسيدخل حيز الانتاج الفعلي في جوان 2013 ليمكن من الترفيع في المنتوج الوطني من الحبوب بنسبة تتراوح بين 15 و20 بالمائة اي بزيادة قد تصل إلى 3 ملايين قنطار سنويا حسب طبيعة الموسم. الحبوب المختارة إن من بين المشاكل التي تواجه زراعة الحبوب الآن هي ان 10 بالمائة فقط من المساحات مزروعة حاليا بحبوب مختارة رغم انها تخص 80 بالمائة من عدد الفلاحين في بلادنا. ويفسر الخبراء هذا الخلل بعوامل عديدة اهمها الكلفة الباهظة لهذه البذور وكذلك عدم توفرها بالكميات الكافية في السوق المحلية. لذلك تبرز الأهمية الاستراتيجية لمشروع انتاج الحبوب المختارة واكثارها، والذي سينطلق في باجة على مساحة 4 هكتارات وباعتمادات جبارة. هذا المشروع هو ثمرة سنوات من العمل المضني لانتقاء وتجربة المشاتل النوعية التي تتلاءم مع المناخ التونسي وخصائص التربة في بلادنا. الصناعات الغذائية؟ وسيضمّ هذا المشروع الجديد وحدة صناعية تشتغل بأرقى التكنولوجيات العلمية ووفق المقاييس الدولية. وسيمكن حال دخوله طور الانتاج من توفير بذور مختارة مطابقة للمواصفات العالمية وبكميات تكفي الحاجيات الوطنية من البذور المختارة والممتازة. كما سيفتح هذا المشروع الباب لتصدير الفائض وتحويل تونس مستقبلا وفي سنوات قليلة الى قاعدة إقليمية ودولية لإنتاج وتصدير البذور. هذا المشروع سيعزز دون شك حضور الرأسمال الوطني الخاص في مجال الاستثمارات الفلاحية وخاصة في المناطق الداخلية للبلاد.