لا ندري إن كانت التجاذبات التي تشهدها الساحة حاليا ستعرف طريقها إلى الحل أم أن نزيف صراع الحكومة ورئاسة الجمهورية مع بعض المؤسسات والمنظمات الكبرى سيتواصل إذ من المفارقات العجيبة أن اتصالات تونس مثلا التي تملك الدولة 65% من أسهمها تحكمها الأقلية أو ما يسمى بالشريك الاستراتيجي ولم تتمكن هذه الحكومة برمتها من إلغاء المناولة فيها على غرار باقي المؤسسات العمومية. حسين العباسي يؤكد من جينيف أنه لا مجال للتنازل عن المطالب الاجتماعية فيما تعتبر الحكومة الاتحاد العام التونسي للشغل حزبا سياسيا بالنظر الى فحوى بياناته رغم أن آخرها تضمّن مبادرة لتوحيد قوى الإختلاف وتنقية الأجواء بما يمكن من انقاذ الموقف ومساعدة الحكومة على مواجهة المعضلات التي تعترضها في كل الملفات وخاصة الحارقة منها.. ويبدو أن الاتحاد قد نال جزاء سنمار من الحكومة والأطراف المحيطة بالنهضة سواء منها «الفايسبوكية» أو المتواجدة على أرض الواقع والتي لا نريد أن نطلق عليها «ميليشيات» هذه الاطراف لاتعرف أن الاتحاد ظل ومايزال أكبر قوة في البلاد ويخرج منتصرا في كل معركة لأنه ساكن في نبض كل تونسي غيور على هذا البلد لا على حكومة معينة مهمتها محددة في الزمان والمكان.. .. الاتحاد فسيفساء من الأطياف السياسية بما فيها النهضة، ولكن أكبر تعلّة لمهاجمة الاتحاد وتأجيل الحسم في الاتفاقيات وربح الوقت هو تهمة ممارسة السياسة رغم أنه لولا الدور الريادي للمنظمة الشغيلة ابان الثورة لما رأينا هذه الأحزاب في الحكم ولما نفض الغبار عن أحزاب آخرى وفصائل عديدة.. ولكل ذلك لن يثني تلفيق التهم لبعض النقابيين والاعتداءات والحملة الممنهجة على المنظمة الشغيلة وآخرها الاعتداء على مقر الاتحاد الجهوي بالمهدية ومنع النقابيين من حضور جلسة الوفد الوزاري بقفصة رغم دعوة الوالي لهم، لن يزيدهم إلا اصرارا على مزيد النضال وكل ماتخشاه هو أن تخرج الأطراف التي تعمل على ارباكه من النافذة وبالتالي نكون قد أضعنا الوقت في خلق الصراعات والأجواء المشحونة بدل معالجة الملفات الحارقة بعد سنتين من الثورة. ... وليس بعيدا عن بطحاء محمدعلي لم تعد الحكومة راضية عن أداء البنك المركزي منذ أن نادى باستقلاليته عن دائرة القرار السياسي وبقيت العلاقة بين محافظه كمال النابلي ورئيسها حمادي الجبالي مبطنة ببعض الأسرار ولفّها الغموض وما إن أعلن البنك المركزي عن أرقام مخيفة (هي من طبيعة عمله) حتى خرج الصراع من طور السرية إلى العلن ودخلت رئاسة الجمهورية على الخط فقد أصبح ديدن الرئيس المؤقت اقالة مصطفى كمال النابلي رغم أن صلاحيات منصف المرزوقي لا تسمح بذلك، لكن ماذا عسانا نفعل فبينما يطالب بعض مستشاري المرزوقي بحل حكومة الجبالي اتحدت رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة على وضع البنك المركزي تحت امرتها. وقد تكون المؤاخذات على مصطفى كمال النابلي هو الآخر تقديمه لأرقام سياسية وبيانات كانت بمثابة شبيهة بتلك التي اصدرها اتحاد الشغل وبالتالي أصبح لدينا حكومة خارقة تعمل على تسييس كل شيء.. الولاة والمعتمدون والدور آت على العمد والتغول حتى في النيابات الخصوصية للبلديات مثلما تغوّل الناموس في المنازل وامتص ما تبقى من دماء سكانها لكنها في الوقت نفسه تريد منظمة نقابية عتيدة ومؤسسة سيادية مثل البنك المركزي خالية من كولسترول السياسة.. ولنفرض جدلا أن لكمال النابلي انتماء سياسيا فهذا لا يبرر عدم الرضاء عنه ما دام كفاءة عالية معترفا بها عالميا.. ولنفرض اعتباطا أن محافظ البنك المركزي له علاقة يشق محلّي محنك يمثل حملا ثقيلا على الحكومة أو وراءه مثلما يروج البعض ما يسمونها بحكومة ظل (وإن بعض الظن إثم) فهذا كله إن صح فعلا لا يبرر هذه الحملة على البنك المركزي وعلى الكفاءات التي تحتاجها البلاد لانقاذ الوضع.. .. فعلا كم نحتاج نحن إلى المصارحة والمكاشفة بدل المناورة حتى تنجح البلاد فعلا في انقاذ ما يمكن انقاذه وحتى لايذهب الظن إلى أن الحكومة التي أرقتها الملفات الثقيلة وتركة المشاكل والملفات الحارقة قد سعت في مرحلة أولى إلى توسيع دائرة الأزمة على المعارضة ومن هم خارج سقيفة الحكم.. ثم دخلت المرحلة الثانية وهي إعداد شماعة الانتماء السياسي التي سيعلق عليها الفشل لا قدر الله..