* بقلم: بوجمعة الرميلي استند الوزير الاول في ظهوره التلفزي الاخير على معطيات «المعهد» للتدليل على الوضع الايجابي للاقتصاد. وكنا قد اشرنا انذاك على صفحات جريدة المغرب بان وللأسف مؤشرات شهر افريل سلبية، في حين اعتمدت المعطيات المتوفرة في ذلك التاريخ على نتائج الثلاثية الاولى ل2012 لمقارنتها مع الثلاثية الاولى ل2011، بينما كان من الواضح ان تلك المقارنة، التي اظهرت بالفعل نمو ب4.8 كمؤشر محتمل «على مدار السنة» ليست الا مجرد «سراب اشعة»، لان نتائج بداية السنة الفارطة كانت على قدر من الانخفاض يجعل الرجوع اليها كقاعدة للمقارنة مصدرا للغلط (او المغالطة؟) في التقدير. ونزل التقرير الجديد للمعهد الوطني للاحصاء لكي يجزم انه رغم ما يعلقه الجميع من آمال على نتائج الانتعاش لسنة 2012 كأحد شروط انجاح الانتقال، فان ما تكشف عنه المعطيات الاخيرة لا يسمح بذلك التفاؤل، ويضيف التقرير بان القراءة الموضوعية لنتائج السداسية الاولى يمثل في افضل الحالات نتائج متأرجحة بين السلب والايجاب، ان لم يكن صراحة يؤشر الى الدخول في فترة جديدة من «الانكماش» وقد اكد المعهد كما اشرنا اليه في مقالنا المذكور على صعوبة سحب نتائج الثلاثية الاولى على السنة بأكملها، وهو خلق اوهاما حول معدلات النمو المحتملة. وبالتالي ف»انقشاع السحابة» المرجو يبقى محتشما جدا ويبقى الوضع الاقتصادي «هشا» حسب تعبير المعهد، لانه لم ينجح في الخروج من دائرة الكساد، الذي تتسبب فيه بالاساس، الدرجة العالية لمستوى البطالة الذي، في افضل الحالات قد استقر في ذلك المستوى المرتفع بدون نزول بينما على صعيد آخر تساهم كل اجراءات «الدعم» التي تتخذها الحكومة في استفحال عجز الميزانية. وبالتالي وان ساهمت تلك الاجراءات وبدون شك في الحلول دون الدخول في دوامة اقتصادية انتكاسية مع ما يصحبها من افلاس بالجملة للشركات الا ان ذلك قد ولد خللا هائلا في حسابات الدولة، لا مناص من حتمية مواجهته ان عاجلا او آجلا. وقد استندت التحاليل السابقة الى نتائج الثلاثية الثانية التي زادت في تعقيد الوضع، لان الطلب الاستهلاكي بقي على مستوى متدن، نظرا لانعدام الثقة وما يولده من ركون الى انحباس الانفاق خوفا من المجهول، وهو ما انعكس بنفس الطريقة السلبية على الاستثمار، اضافة الى استفحال عجز الموازين الخارجية جراء تراجع التصدير، بارتباط بالظرف الاوروبي المتدهور جدا، علاوة على تاثير الوضع الليبي. كما ان المعهد الاعلى للاحصائيات وهو مؤسسة عمومية من مهامها تقديم التحليل الموضوعي للوضع الاقتصادي من المفروض دون تهويل ولكن كذلك دون تمسيح قد ذكر بالتنزيل الترقيمي للاقتصاد التونسي الذي اصدرته في شاننا وكالة ستندارد اند بورس» وموقف الحكومة المفهوم لتنسيب ذلك الترقيم والتقليل من وطأته، لكن يذكر المعهد بان الترقيم ارتكز على قراءته للسياسة الحكومية من خلال الميزانية والتي بقيت دون المؤمل بمقياس النمو المستديم» بمفهوم التوازن، اي ذلك الذي لا يعنى فقط بمواجهة الضغط الظرفي ولكن يقرا عواقب كل القرارات، كما اعتبرت الوكالة ان مناخ الاعمال تنقصه الرؤيا الواضحة. وفي الأخير يشير التقرير الى مخاطر الدخول في دوامة «العجز وتوءمه» (او العجز الذي يحيل على العجز المقابل والعكس بالعكس) وهو ما يطرح ضرورة اتخاذ القرار المناسب في ما يتعلق بنوعية النمو المطلوبة، هل هي عن طريق المقدرة الشرائية والاستهلاك ام عن طريق الانتاج والاستثمار والمنافسة كشروط استباقية لتطوير المقدرة الشرائية، التي لا تستقيم بدون نمو. ويتبين من خلال تقرير المعهد تمش متوازن في التقدير، لا يصب في اي خانة من الخانات غير المروغوب فيها لكن في نفس الوقت فهو تمش جدي ومسؤول في التحليل ينبه بكامل الصراحة والوضوح الى المخاطر الكبيرة المحدقة بنا، كما يطرح في النهاية اشكالية تستحق العناية، حيث يشير الى ان الخروج من النفق لا يمكن ان يكون عن طريق الانفاق وصرف الاموال «الاستهلاكية» على اليمين وعلى الشمال بدون اي «مقابل» يتمثل في الانتاجية والمنافسة وتحسين ظروف المؤسسات العمومية والخاصة حتى نخرج من دوامة «الاسداء بدون رجوع» ونحد من استفحال انخرام الموازنات الداخلية والخارجية التي سندفع ثمنها اضعافا اذا تواصلت الأمور على ما هي عليه.