كان لجمهور الدورة 48 لمهرجان قرطاج الدولي ليلة الأربعاء موعدا مع كلاسيكيات الموسيقى العالمية الممزوجة بايقاعات الغجر للمجموعة السمفونية"100 عازف كمان غجري من بودابيست " التي عزفت طيلة ساعتين انتشى خلالهما الحضور وكان خليطا من الجماهير التونسية وأفراد الجاليات والدبلوماسيات الأوروبية والسياح الأجانب. الصورة التي تراود أذهاننا عن الغجر في العموم هي صورة ذاك الشعب الرحّال المتنقل من مكان لآخر منذ غابر الزمان والمتميز بثقافته المفعمة بالألوان والموسيقى.. فالغجري هو أشهر عشاق السهر والمرح، يرقص طيلة الليل صحبة أفراد عشيرته ويقتات من فنون الإيقاع والسرك. .. ليلة أول أمس على ركح قرطاج شهدنا غجر مجريين من نوع استثنائي يحملون نبض الحياة بين أناملهم العازفة للكمان... يشعروننا بتميزهم فهم فنانون مثقفون متفردون في موسيقاهم.. فهذه النخبة المجرية "100 عازف كمان من بوداباست" سحرت جمهور قرطاج بإيقاعات كلاسيكية لأشهر موسيقيي العالم .. مقطوعات للمبدع الروسي "بيتر إليتش تشايكوفسكي" وأخرى لصاحب أوبرات "حلاق اشبيلية الايطالي "جواكّينو روسّيني" وكلاسيكيات الموسيقي النمساوي "شتراوس" في مزج يحمل الكثير من الجمال والاحتراف مع إيقاعاتهم الغجرية التي - للأمانة - شدت الجمهور التونسي الحاضر أكثر من كلاسيكيات أوروبا على عكس المتفرجين الغربيين الذين واكبوا السهرة وتمتعوا بالمقطوعات العالمية الكلاسيكية وتفاعلوا كثيرا مع الفرقة العازفة انبهارا بأدائها لهذا النمط الموسيقي الصعب على الكثير من العازفين.. جمهور الأركستر السمفوني المجري كان متوسط العدد لكنه نوعي يعرف خياراته وجاء خصيصا لسماع هذا اللون الموسيقي دون غيره. "100 عازف كمان غجري من بودابست"، عرض لم يحمل المعنى الكلي لعنوانه فعدد العازفين لم يتجاوز التسعين في سهرة الأربعاء الماضية (89 عازفا مع قائدهم) ولم يتخذوا جميعهم الكمان آلة لبث موسيقاهم فتنوعت الإيقاعات بين عزف كلارينات و"Contrebasse " والقانون (أو بيانو الغجر كما يطلقون عليه عازفيه) لكن مع طغيان واضح لأنغام الكمان. "الصباح" دردشت قليلا مع أحد أعضاء المجموعة الموسيقية القادمة من بوداباست أثناء الاستراحة الأركستر السمفوني بعد الجزء الأول من العرض فأخبرنا أن تونس من الأماكن المحببة لفرقته في جولتهم الموسيقية لهذا الموسم والتي جابت أوروبا انطلاقا من سويسرا وفرنسا وأوكرانيا ثم روسيا وستعود قريبا إلى فرنسا معربا عن إعجابه بتفاعل الحاضرين مع موسيقاهم قائلا: "الموسيقى اللغة العالمية الوحيدة التي تفهمها كل الشعوب وتتذوقها." يذكر أن وفاة العازف الغجري المتفرد " Sandor Jaroka " كانت وراء تأسيس هذا الأركستر السمفوني الذي حظي منذ أكثر من ربع قرن بإعجاب جماهير العالم في جولاته الفنية لمهارة عازفيه وخصوصية الإيقاعات المقدمة لمستمعيها.