واشنطن مارست ضغوطا على الجماعة لإلزامها بمعاهدة السّلام في ظل تضارب الأنباء حول ما تردد عن رسالة وجهها الرئيس المصري محمد مرسي إلى نظيره الإسرائيلي شيمون بيريز تعهد فيها مرسي بالحفاظ على معاهدة السلام المبرمة بين الجانبين منذ 1979 والمساعدة في إحياء محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين أجرت "الصباح" حديثا مع المحلل السياسي والخبير في العلاقات الإسرائيلية-المصرية محمد البحيري للوقوف على هذا التطور المفاجئ في موقف "الإخوان" من معاهدة السلام المبرمة مع إسرائيل. وفي ما يلي نص الحوار.. ** رغم صحة الأنباء فيما يخص "رسالة السلام" التي تلقاها الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز من نظيره المصري محمد مرسي التزمت الرئاسة المصرية بنفي الخبر، ما هو تعليقكم على ذلك؟ - لا جدال في أن الرئيس المصري محمد مرسي قد بعث فعلا برسالة سلام إلى الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، ويعود سبب نفي مكتب الرئاسة المصرية الخبر الذي نشر في مختلف الوسائل الاعلامية مصحوبا بصورة الخطاب إلى الحرص على بقاء ذلك في كنف السرية خشية خسارة تأييد الشارع المصري، لكن ما حرص محمد مرسي على تفاديه قد وقع فيه فعلا ومعظم الشعب المصري بات على علم اليوم بالرسالة. فالموقف العدائي الذي اضطلعت به الجماعة من الكيان الإسرائيلي طيلة مسيرتها السياسية وقبل مسكها بزمام السلطة في مصر كان له دور كبير في مزيد اتساع شعبية هذا التنظيم السياسي، ولكن هذا التغير الذي يبدو مفاجئا ومن النقيض إلى النقيض لدى المواطن المصري الذي منح صوته لهم من شأنه أن يسهم في خسارة تأييد الشارع. فالجماعة التي وقفت ضد توقيع معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني واتهمت الأنظمة السابقة التي حافظت على السلام مع إسرائيل بالعمالة، ها هي اليوم تبعث برسالة إلى شيمون بيريز تطوئنه على المحافظة على الاتفاقية نفسها. ** ما هو فحوى الرسالة حسب رأيكم؟ - الرسالة هي عبارة عن تطمينات مصرية لإسرائيل بالمحافطة على معاهدة السلام التي وقعت بين الجانبين سنة 1979 والتي تعد صمام الأمان لدى تل أبيب، وقد تصاعدت المخاوف الإسرائيلية من امكانية تدهور الأوضاع الأمنية مع جارتها بعد الاطاحة بنظام حسني مبارك وتضاعفت هذه المخاوف غداة اعتلاء "الإخوان" المسلمين سدة الرئاسة. كما حرص محمد مرسي في رسالته التأكيد عن الدور المصري في إحياء محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. ويمكن أن نذهب إلى أبعد من ذلك ف"رسالة السلام" جاءت كرد من الرئيس المصري على الرسالتين اللتين تلقاهما من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس شيمون بيريز الأولى كانت لتهنئته بنجاحه في انتخابات الرئاسة والثانية بمناسبة حلول شهر رمضان. ** عرفت جماعة "الإخوان" المسلمين على مر تاريخها السياسي بعدائها لإسرائيل ورفضها للسياسة المصرية الانبطاحية تجاه الكيان الصهيوني، فما السر إذن في هذه التحول المفاجئ؟ - هو في الحقيقة ليس بتحول مفاجئ، بل كان منتظرا نظرا لما تقتضيه لعبة العلاقات الدولية التي تنبني أساسا على المصالح، ف"الإخوان" المسلمين الذين طالما تبجحوا بعدائهم لإسرائيل ورفضهم للسياسة المصرية تجاه هذا الكيان وجدوا أنفسهم اليوم بعد اعتلائهم سدة الرئاسة سجناء معادلات وتوازنات دولية، اضافة إلى الضغوط المسلطة من قبل الولاياتالمتحدة التي كثفت اتصالاتها بالجماعة للدفع نحو أخذ وعود بالحفاظ على معاهدة السلام وحماية المصالح الأمريكية في المنطقة، ليس بمجرد فوز مرسي بانتخابات الرئاسة وإنما منذ الاطاحة بالنظام السابق لأن واشنطن كانت متأكدة أن "الإخوان" هو التنظيم السياسي الوحيد الذي يحظى بالشعبية الكافية التي تخول له أن يكون سيد المرحلة المقبلة. وقد سبق أن جمع لقاء سري بين أعضاء من حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي للجماعة بأعضاء من الكنيست الإسرائيلي في نيويورك تمحور أساسا حول مد تل أبيب بتطمينات حيال معاهدة السلام، كان ذلك بوساطة أمريكية غداة الزيارة التي أداها أعضاء البرلمان المصري إلى الكونغرس الأمريكي. ** هل باتت إسرائيل اليوم مطمئنة حيال أمنها مع جارتها مصر؟ - بالتأكيد فتل أبيب قد تلقت الكثير من التطمينات حيال السياسة المصرية الخارجية تجاهها عبر الوسيط الأمريكي الذي اضطلع بمهمة التأثير على "الإخوان" المسلمين من حيث الحفاظ على أمن إسرائيل. فواشنطن تعلم جيدا أن مصر تمر اليوم بظروف اقتصادية واجتماعية صعبة تجعلها أكثر تمسكا بالمعونة الأمريكية، كما أن التحديات الداخلية كالبطالة والفقر وتدهور الأوضاع الاجتماعية التي تنتظر الرئيس المصري أهم بكثير من ملف العلاقات الخارجية التي تعد مؤجلة نوعا ما إلى مرحلة أخرى. وقد حرصت الولاياتالمتحدة على أن يبقى ملف العلاقات المصرية الإسرائيلية بيد المؤسسة العسكرية التي تربطها علاقات وطيدة بواشنطن. كما تجدر الإشارة إلى أن مصر في غنى اليوم عن دخول في مناوشات سياسية أو عسكرية مع إسرائيل في مثل هذه الظروف الانتقالية الصعبة التي تمر بها البلاد.