ثلث الشعب التونسي سيحدد مصيره حسب مدى معقولية صياغة حقوقه في الدستور ومدى وعي "نواب الشعب" بأهمية البحث في كيفية دسترة هذه الحقوق والآليات الضامنة لتجسيدها على أرض الواقع، هذا الثلث يمثله أطفال تونس جيل المستقبل الذي حددت حقوقه في سطرين عبر مصطلحات فضفاضة غير دقيقة على حد قول العديد من المتابعين للشأن الوطني. فقد تمّ يوم الأربعاء غرة أوت الجاري التصويت على المواد المتعلقة بحقوق الطفل من قبل اللجنة التأسيسية القارة للحقوق والحريات بالمجلس الوطني التأسيسي. وقد كانت نتيجة التصويت 11 صوتا لصالح المقترح الأول مقابل 9 أصوات للمقترح الثاني. فجاء في المقترح الأول أن حق الطفل على أبويه ضمان الكرامة والرعاية والتربية والتعليم والصحة وعلى الدولة توفير الحماية القانونية والاجتماعية والماديّة والمعنوية لجميع الأطفال. أما المقترح الثاني فجاء فيه: "حق الطفل على أبويه وعلى الدولة ضمان الكرامة والرعاية والتربية والتعليم والصحة ولا يجوز بأي شكل من الأشكال استغلال الأطفال وتعنيفه، ولكل طفل الحق في هوية منذ ولادته وتشمل الاسم واللقب العائلي وتاريخ الولادة والجنسية والانتماء إلى عائلة، كما أنه على الدولة توفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بدون تمييز وتفعيل حقوق الطفل في جميع المجالات وفي حالة التعارض مع حقوق أخرى تكون الأولوية لحقوق الطفل. مصطلحات دقيقة التنصيص على المقترح الأول بهذه الصياغة أثار عدة ردود فعل من عدة أطراف ذات الاهتمام خاصة منها مكونات المجتمع المدني التي احتجت على "تقزيم" حقوق الطفل وتغييبها وضبطها في الإطار الأسري فحسب دون التنصيص على تفعيل الدور الحقيقي المنوط بعهدة الدولة ألا وهو جعل تحويل الطفل من مواطن صامت إلى مواطن مشارك وفاعل. مقترح باهت مقترح اللجنة جاء "باهتا" على حد قول الأستاذ حاتم قطران نائب رئيس لجنة الأممالمتحدة لحقوق الطفل حيث أكد في اتصال هاتفي ل"الصباح" "كنا نطمح إلى تعزيز الحقوق الواردة بالقوانين التونسية بمصطلحات راقية ودقيقة كالمساواة، وعدم التمييز، والحق في المشاركة". وقال قطران: "من الأهمية بمكان ونظرا للوضع الراهن بتونس أن تدرج حقوق الطفل في الدستور وكان من اللازم أن يقع تأمين الحد الأدنى من حقوق الطفل والتي يجب أن تتضمن أربعة بنود أساسية أولها أن الأطفال أصحاب حقوق تلتزم الدولة باحترامها، بحمايتها، وبإعمالها بصفة كاملة. ثانيها أن جميع الأطفال أصحاب حقوق دون أي نوع من أنواع التمييز وبأي شكل من الأشكال. ثالثها أن يُولى الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى في جميع القرارات والإجراءات التي تتخذ، ورابعها ضرورة التنصيص على حق الطفل في المشاركة وإبداء الرأي حسب قدراته المتطورة في جميع القرارات التي تهمه". صاحب إحتياجات فالمطلوب، على حد قول حاتم قطران، "الانتقال عبر الدستور من معقولية الحاجة إلى معقولية الحق، فما جاء في مقترح اللجنة التأسيسية القارة للحقوق والحريات هو تناول الطفل على أنه صاحب احتياجات فحسب وكرّس مقولة بأن الطفل مواطن صامت ليس له الحق في المواطنة الفاعلة والتشاركية". ودعا إلى اعادة النظر في المقترح وفي صياغته ومحتواه استئناسا بما وقع اقتراحه من مختلف مكونات المجتمع المدني وأن تكون دسترة حقوق الطفل قائمة على منهج ومصطلحات واضحة وهادفة تخدم مصلحة الطفل من ذلك "إنشاء آلية مستقلة لحماية حقوق الطفل ومراقبة تجسيدها على أرض الواقع وتفيعل القوانين وتطبيقها ومتابعة وضع حقوق الطفل في الدولة". اِستياء في ذات السياق استغرب الدكتور معز الشريف رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل من هذا المقترح مبديا استياءه من عدم استئناس اللجنة التأسيسية القارة للحقوق والحريات بمقترحات مختلف المكونات المجتمع المدني حيث أكد الدكتور شريف أنه تم تنظيم عدة ورشات عمل بمشاركة اليونيسيف ومختصين في القانون الدستوري على غرار الدكتور الصادق بلعيد لتقديم جملة من المقترحات العملية انطلاقا من الوضع الذي يعيشه الطفل التونسي في محيطه العائلي والخارجي، كما تم تقديم العديد من الملفات المفصلة والتي شملت جميع القطاعات التربوية والصحية والاجتماعية وغيرها عله يقع الإلمام بوضع الطفولة وبالتالي الاستئناس بجملة هذه الحقائق عند صياغة حقوق الطفل، ولكن الصدمة كانت كبيرة فور الاطلاع على مقترح اللجنة وكأنه وقع طي كل هذه الملفات وتركها جانبا. أصحاب حقوق ونص مقترح الجمعية على فصلين الأول جاء فيه أن "الأطفال بصفتهم أصحاب حقوق بذاتهم يتمتعون بكامل حقوقهم من دون أي تمييز وعلى كل المؤسسات العمومية كانت أو خاصة الالتزام باحترامها كليا، وتعالج كل شؤونهم على أساس المصلحة الفضلى للطفل وحقه في المشاركة في جميع القرارات التي تهمه" أما الفصل الثاني فجاء فيه "تنشأ مؤسسة عمومية مكلفة بالسهر على تطبيق الأحكام المتعلقة بحقوق الطفل تكون مستقلة وتتمتع بالصلاحيات اللازمة لأداء مهمتها". هذا المقترح يراد به حسب قول الدكتور شريف العمل على تكوين الطفل وعلى تربيته منذ نعومة أظافره بكونه سيكون جيل المستقبل يعي مسؤوليته وحقوقه وواجباته وذلك بتشريكه في أخذ القرارات. من جهته عبر الدكتور وحيد الفرشيشي رئيس جمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية عن استيائه من الصياغة المقترحة وقال "غاب عن اللجنة أن تؤكد صراحة على المبدإ الرئيسي الذي يحكم كل حقوق الطفل وهو مبدأ مصلحة الطفل الفضلى والذي يتوجب أن يكرسه الدستور المرتقب".