صيحات فزع و تحذيرات شديدة اللهجة من مخاطر إنهيار عدد من قطاعات الإنتاج وعلى رأسها قطاع تربية الماشية أطلقتها أمس النقابة التونسية للفلاحين خلال لقاء إعلامي انتظم لتقييم الموسم المنقضي واستشراف القادم. و في عرض بدا في مجمله قاتما للمشهد الفلاحي زاده ثقل تصاعد كلفة الإنتاج المستنزفة لطاقة تحمل المنتجين تأزما لوّح بعض المتدخلين من الفلاحين الناشطين بالأساس في مجال تربية الماشية بالتفريط عن مضض في رؤوس أبقارهم للتخفيف ولإمتصاص وقع الأزمة. وأجمع المتدخلون على أن التأخر غير المبرر والمفهوم في الإعلان الرسمي عن الترفيع في السعر المرجعي رغم دقة الوضع زاد في تأجيج معاناة المربين وتراكم خسائرهم اليومية التي تقدر ب200مي في اللتر الواحد مستنكرين المماطلة في إتحاذ القرار رغم نسبة الإرتفاع في أسعار الأعلاف المقدرة ب45 بالمائة المسجلة منذ 2011. و كان قد تداول على الكلمة عدد من أعضاء المكتب الوطني للنقابة ومن الفلاحين للإستدلال بالأرقام ولتحليل مدى تردي الوضع بمنظومة الألبان واللحوم الحمراء ما ينذر بقرب إنهيار القطاع برمته على حد تعبيرهم .وهدّد البعض بمرارة باللجوء إلى التصعيد في التحركات القادمة إحتجاجا على ما آلت إليه الأوضاع علما أن الحل الأنسب الذي دعا إليه المتدخلون هو تحرير القطاع وغيره من "الأقلام" الفلاحية. و"بدل توجيه الدعم إلى المنتج الأجنبي عبر التوريد يفترض دعم المنتج التونسي و مساندته للمحافظة على استدامة الإنتاج وحماية أمننا الغذائي كما ورد على لسان ممثلي النقابة . المديونية إلى أين؟ وكالعادة كان ملف المديونية حاضرا بقوة في الحوار حيث دعا الحضور إلى ضرورة إيجاد حلول عملية ناجعة وفاعلة تقطع مع ما ألفوه من جدولة وإعادة جدولة ما جعل المشكلة تتفاقم وتتعمق على مر العقود وألقوا باللائمة على السياسات المتعاقبة في المجال ما زاد في تكبيل المنتجين وإخراجهم عن دائرة التمويل البنكي. في جانب آخر من اللقاء الإعلامي عرّج رئيس عام النقابة ليث بن بشر على مسألة لخبطة الأرقام المسجلة في قطاع الحبوب على مستوى تقييم صابة 2012. مستغربا التصريحات الرسمية التي تتحدث عن محاصيل ب22,5مليون قنطار فيما أن ما يتوفر من معطيات يؤكد أن الكميات المجمعة لم تتجاوز11مليون قنطار. "فأين ذهب الفارق؟" تساءل في استنكار المتحدث. في سياق متصل بقطاع الزراعات الكبرى لفت ذات المصدر الإنتباه إلى كثرة ما يشوب القطاع من إخلالات ومن تهميش وما يتهدده من مخاطر داعيا إلى تشريك كافة الأطراف في إصلاحها وتنظيم مسالكها وتوفير مستلزمات الإنتاج. إشكالات بالجملة لم تتوقف المشاكل المثارة في الندوة الصحفية عند هذا الحد بل طالت كذلك قطاع الطماطم ومنظومة الري وما سجل هذه السنة من إرباك حاد في عملية الري جراء الإضطرابات القائمة في التزويد بالمياه والتي تتستوجب معالجة هيكلية شاملة لكامل المنظومة المائية إلى جانب إجراءات عاجلة وآنية لإعادة إحياء مساحات شاسعة أضرت بها تعطل التزويد بمياه الري. على أن بصيص الأمل الوحيد الذي يمثل بداية مخرج للإشكاليات القائمة يرتكز على مشروع مجلة المياه الذي يرى فيه رئيس النقابة إصلاحا لعدد من مواطن الخلل في المنظومة المائية. هذا ووجه الحضور إنتقاداتهم إلى سياسة التمويل التي ساهمت في إرباك القطاع الفلاحي وتكبيله وتحولت من حافز على التقدم بالإنتاج وتطويره إلى عائق ما يستوجب في نظر المهنة مراجعة جذرية لسياسات التمويل والإستثمار وتفعيل جاد للحوافز والإمتيازات. كما مثلت الأوضاع العقارية الشائكة والنقائص المسجلة على مستوى التكوين والبحث العلمي مصدر مآخذ عديدة. التعددية النقابية تجدر الإشارة إلى أن المتدخلين لم يتوقفوا عند حد استعراض النقائص وتشخيص واقع القطاع بل قدموا مؤشرات لحلول جذرية لها .وأفاد عزالدين بن مصطفى عضو النقابة أن المهنة قادرة على الإسهام الفاعل بالرأي والمقترح في حال مزيد دعم حضورها وإتاحة الفرصة لها لتكون طرفا فاعلا في عديد اللقاءات والإجتماعات ذات العلاقة بالشأن الفلاحي تكريسا للتعددية النقابية واستئناسا بخبرات وكفاءات عديد الفلاحين المنتمين للنقابة. واعتبر تشريك النقابة متفاوتا من إدارة لأخرى لكنه شدد على توفر النقابة على تصورات بديلة لحلحلة الأوضاع المتردية في عديد القطاعات ولمزيد استقطاب اليد العاملة الشابة بدل عزوفها المتفاقم راهنا عن العمل بالقطاع. على صعيد آخر تم الإعلان عن تنظيم المؤتمر الوطني الأول لنقابة الفلاحين قبل منتصف ديسمبر 2012. كما تم استعراض بعض الأنشطة والتظاهرات التي سيشرف عليها هذا الهيكل المهني أو التي ستسجل مشاركته فيها.