ثلاثة أسباب على الاقل من شانها وللاسف ان تؤشر الى ان الذكرى الثالثة لاغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري التي تحل اليوم ستكون فرصة اخرى تهدر لتؤجل الخروج من الازمة السياسية الخانقة التي تجاوزت انعكاساتها الخطيرة جدران المؤسسات السياسية المعطلة للحكومة اللبنانية لتلقي بظلالها على الاقتصاد وعلى الحياة اليومية للمواطن اللبناني الذي بات رهينة بين مطرقة الخوف من امتداد مظاهر الانفلات الامني والفوضى وخطر التفكك والسقوط في براثن حرب اهلية جديدة لا تبقي ولاتذر وبين سندان البطالة المتفاقمة والغلاء الفاحش وغيرها من مصاعب الحياة. ولاشك انه بين عودة الحرب الكلامية بين شقي المعارضة والموالاة وتطورها في الساعات القليلة الماضية الى حد الاشتباكات الميدانية من جهة اولى وبين رسالة واشنطن العلنية بالامس تجديد دعمها وتاييدها المطلق للموالاة من جهة ثانية وبين عملية الاغتيال التي استهدفت احد الوجوه القيادية في «حزب الله» في العاصمة السورية دمشق ما يؤكد ان رحلة لبنان مع الغموض ليست على وشك الانتهاء وان المتطوعين الذين نذروا انفسهم وجهودهم لاذكاء نار الفتنة وتاجيج لهيبها مصرون على مواصلة اللعبة والدفع بلبنان نحو المجهول. والحقيقة انه اذا كانت تلك الاصوات التي ارتفعت داخل الساحة اللبنانية عشية احياء ذكرى الحريري للترحيب والتهليل على طريقتها بقدوم الحرب الى لبنان تشكو من قصر نظر لا حد له متجاهلة بذلك كل التضحيات والخسائر التي تكبدها الشعب اللبناني خلال الحرب الاهلية المدمرة التي اتت على الاخضر واليابس في بلد الارز فان الاكيد ان الرسالة الامريكية بدورها تبقى الرسالة الخطا في الوقت الخطا وفيها اصرار على الاستفزاز ودق اسفين الانقسامات داخل لبنان الذي يعيش فراغا سياسيا خطيرا بعد التاجيل الرابع عشر للانتخابات الرئاسية التي ما انفكت تؤجل الى اجل غير مسمى في غياب التوافق المطلوب بين المتناحرين من انصار حكومة السنيورة وانصار المعارضة الذين ينسون انهم وان اختلفوا في الآراء والمواقف فانهم يجتمعون في انتمائهم الى البلد الذي يحتضنهم جميعا والذي طالما اتسع لكل الاحزاب والانتماءات السياسية والدينية فيه. وفي المقابل فان في امتداد يد الموساد الاسرائيلي الى قلب العاصمة السورية دمشق لاستهداف احد الوجوه القيادية ل«حزب الله» من شانه ان يؤكد اعتزام اسرائيل تنفيذ التهديدات التي اطلقتها لتصفية وجوه قيادية في صفوف المقاومة اللبنانية او في صفوف حركة «حماس» وفي ذلك اكثر من رسالة باستعداد اسرائيل لاستباحة كل الحدود وكل الخطوط الحمراء لتحقيق اهدافها تماما كما فعلت دوما في مختلف الاغتيالات التي اقدمت على تنفيذها لتصفية اسماء فلسطينية في عواصم اوروبية وعربية طوال السبعينات. صحيح ان ظهور نتائج التحقيق في اغتيال الحريري وحده من شانه ان يخرج لبنان من وضعه الحالي ولكن مثل هذا التحقيق قد لا يكتمل قبل مضي وقت طويل فقد مرت اكثر من اربعين عاما على اغتيال الرئيس الامريكي كينيدي ولا يزال اللغز المحيط بتلك الجريمة قائما حتى اليوم. ولعل في هذه الاسباب وفي غيرها ايضا ما يدعو الى ضرورة سحب البساط امام كل المراهنين على سقوط لبنان في حرب اهلية مدمرة والحرص على ان تكون ذكرى اغتيال الحريري فرصة لتغليب منطق الحكمة واعلاء المصلحة الوطنية والتعويل على اللبنانيين وحدهم دون غيرهم لحل قضاياهم بعيدا عن كل التاثيرات والتدخلات الخارجية والاستفادة من كل دروس المرحلة الماضية التي تؤكد في كل مرة ان اسرائيل وحدها تبقى المستفيد الوحيد من حالة الارتباك والانقسام التي تهدد لبنان واللبنانيين...