بقلم: حنان عباس - يعد انتخاب مجلس وطني تأسيسي من بين الأساليب الديمقراطية في وضع الدستورفالشعب صاحب السيادة الأصلية يفوض ممثلين عنه عبرآلية الانتخاب تكون مهمتهم الاساسية وضع دستور للبلاد، وهو ما حصل يوم 23 أكتوبر 2011 عندما انتخب الشعب التونسي ممثلين عنه بالمجلس الوطني التأسيسي لصياغة دستور الجمهورية الثانية للبلاد التونسية وذلك بدعوة من الأمر عدد 1086 لسنة 2011 المؤرخ في 3 أوت 2011 والمتعلق بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي والصادرعن رئيس الجمهورية المؤقت السيد فؤاد المبزع ؛ حيث جاء بالفصل السادس من الأمرالمذكورأعلاه ما يلي" يجتمع المجلس الوطني التأسيسي بعد تصريح الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالنتائج النهائية للاقتراع ويتولى إعداد دستورللبلاد في أجل أقصاه سنة من تاريخ انتخابه". و حيث انه عملا بهذا الفصل، يكون المواطن قد ذهب للانتخاب يوم 23 أكتوبر وهو على اعتقاد أنه سينتخب ممثلا عنه لمدة سنة مهمته الأساسية صياغة دستور للبلاد، وهو ما جعل البعض يصف هذا الوضع بأنه نوع من التعاقد الذي تم بين الناخب والمُنتخب. بالإضافة إلى ذلك تعهد 11 حزبا، والتزموا باحترام أجل السنة من خلال إمضائهم لوثيقة صادرة عن الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي، وهنا نتحدث عن التزام أخلاقي أكثر منه قانوني. غيرأنه بعد انتخابات 23 أكتوبر لم يحدد أعضاء المجلس الوطني التأسيسي أجلا معينا للانتهاء من صياغة الدستور و تنظيم الانتخابات المقبلة إذ صدر القانون التأسيسي عدد 16 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية بتاريخ 16-12 - 2011 والذي يعد بمثابة الدستورالصغير للبلاد بعد تعليق العمل بدستور 1959، خاليا من أجل معين لوضع دستورللبلاد. و أمام هذا الغموض وتعمد عدم تحديد أجل محدد لكتابة دستور الجمهورية الثانية واقتراب يوم 23 اكتوبرظهر الإشكال حول شرعية المجلس الوطني التأسيسي من عدمها بعد 23 أكتوبر. فالإشكال القانوني المطروح يتمثل فيما يلي: في صورة تعارض القانون التأسيسي المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية مع الفصل 6 من الأمر عدد 1086 المذكور آنفا أيُّ من النصين يُمكن اعتماده من الناحية القانونية؟ للجواب عن هذه الأسئلة وجب التطرق أولا إلى جملة من التأويلات و النظريات القانونية التي تطرح اليوم. هناك تأويل قانوني يعتبر أن الأمر عدد 1086 هو الذي دعا التونسيين للانتخاب وبموجبه تمت الانتخابات لذا وجب احترام أجل السنة المنصوص عليها صلب هذا الأمر. بالإضافة إلى ذلك فإن الناخب عندما توجه يوم 23 أكتوبر إلى صندوق الاقتراع كان قد أدلى بصوته لمن سيمثله في المجلس الوطني التأسيسي لوضع دستور للبلاد في أجل أقصاه سنة كما جاء بالفصل السادس من أمر 1086. زيادة على تعهد 11 حزب و التزامهم في وثيقة مُمضاة منهم وصادرة عن الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي، بوضع دستور للبلاد في أجل سنة. لذا فإن الأمر عدد 1086 المتعلق بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي والذي بموجبه تمت عملية الانتخاب يعد النص القانوني الذي وجب اعتماده و بذلك تزول الشرعية عن المجلس الوطني التأسيسي بعد 23 أكتوبرو يصبح بذلك سلطة فرعيّة لا أصليّة. و هناك تأويل ثان يعتبرأن المجلس الوطني التأسيسي هو السلطة التأسيسية الأصلية لأنه السلطة المنتخبة والسلطة المُعبرة عن سيادة الشعب فالأمر عدد 1086 حسب هذا التأويل هو قرارأحادي الجانب صادر عن رئيس جمهورية مؤقت ولا يمكن تنزيله منزلة العقد بل إن القانون التأسيسي عدد 6 والمتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية هو الذي يمكن تنزيله منزلة العقد، لذا فإن أمر 1086 يكون أمرا غير شرعيّ تكمن شرعيته فقط في الدعوى إلى الانتخابات. تأويل قانوني ثالث يرى أن القانون يقوم على تحديد الآجال وأن الحقوق تكتسب بالآجال فلا يمكن ترك مهمة كتابة الدستور مفتوحة دون تحديد أجل معين لها فالمجلس الوطني التأسيسي يكون بذلك قد أخطأ في عدم تحديد أجل لانتهاء مهمته الأساسية و تنظيم موعد للانتخابات القادمة. تأويل قانوني آخر وليس أخيرا يعتبرأن الأمر عدد 1086 هو مُلغى و ذلك للأسباب التالية: أولا إن الأمر 1086 و إن كان قد حدد أجلا لإنهاء مهمة صياغة دستور للبلاد يكون أقصاه سنة إلا أنه لم يذكر بداية سريان هذا الأجل. فهل تحتسب السنة من تاريخ الانتخابات أي من تاريخ 23 أكتوبر 2011 ؟ أم من تاريخ 22 نوفمبر 2011 تاريخ إنعقاد الجلسة الافتتاحية للمجلس الوطني التأسيسي؟ أم من تاريخ 28 نوفمبر 2011 تاريخ المصادقة على النظام الداخلي بالمجلس الوطني التأسيسي؟ ثانيا إن الأمر1086 لم يحدد أجلا لجزاء عدم احترام مدة السنة المنصوص عليها بالفصل 6 والأمرالذي لم يحدد أجلا للجزاء لا قيمة له قانونا. و يضيف هذا التأويل أنه مقارنة مع القانون التأسيسي عدد 6 سالف الذكر فإنه قد تم إلغاء الأمر عدد 1086 وذلك في عدة مناسبات والإلغاء هنا قد جاء ضمنيا وصريحا. أما الإلغاء الضمني فيبرز في توطئة القانون التأسيسي عدد 6 التي جاء فيها ما يلي: " ...و باعتبار المجلس الوطني التأسيسي السلطة الشرعية الأصلية والمكلفة من الشعب التونسي بإعداد دستور يحقق أهداف الثورة التونسية و بالإشراف على إدارة شؤون البلاد إلى حين إقرارالدستور وإرساء مؤسسات دائمة". فمهمة المجلس الوطني التأسيسي حسب التوطئة تنتهي بإعداد دستور للبلاد وإرساء مؤسسات دائمة دون تحديد أجل لذلك. كما جاء الإلغاء ضمنيا في الفصول 1 و2 و3 من القانون التأسيسي سالف الذكرحيث نص الفصل 1 على أن السلط العمومية بالجمهورية التونسية تنظم " ... تنظيما مؤقتا وفقا لأحكام هذا القانون إلى حين وضع دستور جديد و دخوله حيزالتنفيذ ومباشرة المؤسسات المنبثقة عنه لمهامها ". و يذكر الفصل 2 مهام المجلس الوطني التأسيسي الذي " يتولى بصفة أصلية وضع دستور للجمهورية التونسية، كما يتولى أيضا بالخصوص المهام التالية: 1 - ممارسة السلطة التشريعية. 2 - انتخاب رئيس المجلس الوطني التأسيسي. 3 - انتخاب رئيس الجمهورية 4 - الرقابة على عمل الحكومة". كما يضيف الفصل 3 من القانون التأسيسي سالف الذكر أن المجلس الوطني التأسيسي يصادق على "مشروع الدستور فصلا فصلا بالأغلبية المطلقة من أعضائه, ثم تتم بعد ذلك المصادقة عليه برمته بأغلبية الثلثين من أعضاء المجلس ، وإن تعذر ذلك فبذات الأغلبية في قراءة ثانية في أجل لا يزيد عن شهر من حصول القراءة الأولى، و إن تعذر ذلك مجددا يتم عرض مشروع الدستور برمته على الاستفتاء العام للمصادقة الإجمالية عليه و ذلك بأغلبية المقترعين". جامعية و باحثة في القانون العام