تأجل أمس الحسم في تكليف حركة النهضة احد قيادييها لتولي منصب رئاسة الحكومة الذي سيعمل بدوره على تشكيل الحكومة المقبلة، الى اليوم او غدا حسب ما صرح به كل من الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية عدنان منصر والقيادي في حركة النهضة عبد اللطيف المكي. ويبدو ان تأجيل حركة النهضة الحسم في اختيار مرشح لها لرئاسة الحكومة يعود اساسا الى فشل المشاورات مع رئيس الحكومة المستقيل حمادي الجبالي خاصة بعد تقديمه أول امس في اعلان الاستقالة لمجموعة من الشروط لعل أهمها اقتناعه بأن مبادرته بحكومة كفاءات وطنية هي السبيل الأوحد للخروج من الأزمة، كما تعهد بعدم الانخراط في تجربة حكومية اخرى الا بعد تحديد تاريخ نهائي للانتخابات والانتهاء من وضع دستور للبلاد، وتحمل الحكومة لمسؤوليتها في توفير الأمن وحرية المواطنين في النشاط والاجتماع.. مجددا تاكيده بانه لن يترشح للانتخابات القادمة ولن يسعى الى اي موقع مهما كان. وكان حمادي الجبالي رئيس الحكومة المستقيل قد قدم اول امس استقالته الى رئيس الجمهورية بعد ان أجهضت مبادرته في تكوين حكومة كفاءات غير "متحزبة"، وبعد هذا القرار المتوقع يبقى السؤال المطروح، هل ستزكي النهضة امينها العام من جديد ام ستشرح وجها سياسيا اخر من بين قياداتها لتولي رئاسة الحكومة المقبلة؟ وبالعودة الى تصريحات بعض قيادي حركة النهضة عقب قرار الجبالي مباشرة فانها ابدت تمسكها باعادة ترشيح الجبالي لتولي رئاسة الحكومة المقبلة. لكن يبدو ان المشاورات التي جرت امس لم يتم التوصل فيها الى قرار نهائي مما يحيل على ان الحركة لم تتنازل وتقبل شروط رئيس الحكومة المستقيل. وكانت تصريحات رئيس مجلس الشورى لحركة النهضة فتحي العيادي بشان تنازل حركته عن حقيبتي الخارجية والعدل في اطار مزيد تشريك الاحزاب في الحكومة المقبلة مستبعدا انه تم الاتفاق بشان تحييد وزارة الداخلية قد اثار جدلا واسعا خاصة بعد اشتراط النهضة دخول الحزب الجمهوري في الائتلاف الحكومي المقبل مقابل تحييد وزارة الداخلية. فقد أكّد رئيس مجلس الشورى لحركة النهضة فتحي العيّادي أنّ مسألة تحييد وزارة الداخليّة كانت مطروحة أثناء المفاوضات مع الحزب الجمهوري الذي طالب بذلك للدّخول إلى الحكومة المقبلة معتبرا أنّ رفض الجمهوري الإنتماء إلى التشكيلة الحكوميّة القادمة جعل الحديث عن تحييد الداخليّة مجرّد حديث نظري على حدّ تعبيره. مناورات.. هذا الشرط اعتبره المنسق العام للتحالف الديمقراطي محمد الحامدي في تصريح ل"الصباح" شرطا سياسيا غير معقول ولا توجد ضرورة موضوعية له قائلا "الحزب الجمهوري ليس اهم من رغبات الشعب التونسي، كما ان المشكل الاصلي يتمثل في انه لا توجد الى الان مبادرة سياسية جادة بل كلها مناورات للتخلص من مبادرة الجبالي وللأسف قد نجحت هذه المناورات وافشلت مقترح رئيس الحكومة المستقيل". وقال الحامدي انه من السابق لاوانه الحديث عن دخول التحالف في الحكومة المقلبة مؤكدا ان المهم الان هو صياغة مبادرة سياسية قادرة على انقاذ البلاد. الشابي.. ينفي ومن جانبه نفى احمد نجيب الشابي رئيس الهيئة التنسيقية للحزب الجمهوري علمه بشرط حركة النهضة دخول الحزب الجمهوري الى الائتلاف الحكومي المقبل مقابل تحييد وزارة العدل مشيرا الى ان المشاورات التي جرت مع الحركة كانت قد افضت الى اتفاق بشان تحييد وزارات السيادة. واعتبر الشابي ان"المهم في المرحلة المقبلة ان تساند كل الاحزاب الحكومة الجديدة وليس مشاركة كل الاحزاب فيها باعتبارها مسالة ثانوية لان التهدئة باتت ضرورة وطنية وليس شرط يقدمه اي طرف لان من حق الشعب التهدئة ومن واجب النخب السياسية الابتعاد بالبلاد عن اي منزلق خطير". المسار يدعو الى القطع مع المحاصصة فيما حمل المسار الديمقراطي في تصريح صحفي عقب انتهائهم من المشاورات امس مع رئيس الجمهورية المسؤولية الكاملة للاطراف التي أفشلت مبادرة الجبالي وفوتت على الشعب التونسي فرصة للخروج من حالة العنف والاحتقان واعتبر ان حركة النهضة "قد غلبت المنطق الحزبي على المصلحة الوطنية". وجدد المسار الديمقراطي تمسك بتشكيل حكومة كفاءات غير متحزبة للقطع من المحاصصة الحزبية الضيقة. فشل الحكومة من فشل الجبالي فيما اعتبر ازاد بادي عضو الهيئة التأسيسية لحركة وفاء في تصريح ل"الصباح" ان "فشل الحكومة لا يعني فشل مجموعة الوزراء وانما ايضا من كان يقود الحكومة" في اشارة الى الجبالي. وراى بادي ان الجبالي "قد اعترف صراحة بفشله ولم يتمكن من وضع برنامج يتماهى مع متطلبات المرحلة مما جعل الاوضاع تتازم على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية". وخلص المتحدث الى ان تشكيل حكومة جديدة "يقتضي تغيير كل من ساهم في فشل الحكومة السابقة". النهضة تتمسك بالداخلية وكان محمد بنور الناطق الرسمي باسم حزب التكتل من أجل العمل والحريات قد صرح أول امس الثلاثاء أنّ الأحزاب طالبت حركة النهضة بتحييد كلّ وزارات السيادة بما فيها الداخليّة. وأضاف بالنور أن حركة النهضة "وافقت على تحييد وزارتي العدل والخارجية فيما تمسّكت بعلي لعريض وزيرا للداخلية، لأن المؤسسة الأمنية لا تحتمل أي هزات في الوضع الحالي، حسب ما صرّح به فتحي العيادي رئيس مجلس شورى حركة النهضة". وأضاف أنه قد تم الاتفاق أيضا على أن "لا يترشح أي وزير في الحكومة القادمة للانتخابات وأن لا يشارك في الاجتماعات الشعبية والعامّة، وأن لا يدافع عن أي حزب وكذلك على عدم استغلال منصبه الوزاري لأي غرض كان...". 5 مرشحين اما حركة النهضة فلم تتوصل الى ضبط الاسماء المرشحة لرئاسة الحكومة حسب تصريح رئيسها راشد الغنوشي مضيفا ان المشاورات لازالت جارية مع امينها العام الذي قد يكون من بين مرشحيها لتولي رئاسة الحكومة المقبلة. ويبدو أن عدد المرشحين لتولي منصب رئيس الحكومة المقبلة ارتفع إلى خمسة من بينهم حمادي الجبالي، محمد بن سالم، عبد اللطيف المكي، عبد الكريم الهاروني، وعلي العريض. جدل قانوني جدير بالذكر أن القانون المؤقت للسلط العمومية او ما يطلق عليه ب"الدستور الصغير" لم ينص صراحة على صيغة قانونية واضحة في صورة استقالة رئيس الحكومة دون توجيه لائحة لوم، وبالتالي برز تباين قانوني وجدل بشأن اي الفصول يتم تطبيقها في هذه الحالة من أجل تكيلف رئيس الحكومة الجديد، هل يتم تطبيق مقتضيات الفصل 15ام الفصل19؟ وقد ذهب مثلا خبير القانون الدستوري قيس سعيد إلى ترجيح تطبيق الفصل 15، في حين دعا الخبير امين محفوظ إلى تطبيق الفصل 19. وينص الفصل 15 على أن "يكلف رئيس الجمهورية بعد اجراء ما يراه من مشاورات مرشح الحزب الحاصل على أكبر عدد من المقاعد في المجلس التأسيسي بتشكيل حكومة،.. ويقوم رئيس الحكومة المكلف بتشكيل الحكومة في اجل لا يتجاوز 15 يوما من تاريخ تكليفه وينهي نتيجة اعماله الى رئيس الجمهورية ويتضمن الملف تركيبة الحكومة وبيانا موجزا حول برنامجها..ثم يحيل رئيس الجمهورية ملف تشكيل الحكومة على رئيس المجلس التأسيسي فور بلوغه اليه. يتولى رئيس المجلس الدعوة إلى جلسة عامة في اجل قصاه 3 ايام من من تاريخ توصله بملف تشكيل الحكومة لمنحه الثقة بالأغلبية المطلقة. وعند تجاوز أجل 15 يوما دون تشكيل الحكومة او في حالة عدم الحصول على ثقة المجلس التاسيسي يقوم رئيس الجمهورية بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف شخصية الأقدر على تشكيل حكومة بنفس الإجراءت وبنفس الاجال." أما الفصل 19 فينص في الفقرة الأخيرة منه :" عند حصول شغور في منصب رئيس الحكومة لعجز تام او لوفاة بتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح الحزب الحاصل على اكبر عدد من المقاعد في المجلس التأسيسي للقيام برئيس الحكومة طبقا لأحكام الفصل 15.." يذكر ان الناطق الرسمي بآسم رئاسة الجمهوريّة عدنان منصر اعتبر أن تحييد وزارات السيادة "يبقى خاضعا للتوافق بين الأطراف السياسيّة بما وسّع قاعدة الحكم ويمكن من تشكيل حكومة تحظى بدعم سياسي". وشدّد منصر على أنّ "الإشكال في تشكيل الحكومة هو سياسي بالأساس و ليس قانونيّا رغم أنّ القانون المنظّم للسلط العموميّة يبقي إمكانيّة الإجتهاد مفتوحة..".