على خطى الفتاة التونسية أمينة فوجئ يوم الأربعاء الماضي مرتادو الصفحات الإجتماعية على الأنترنات بفتاة تونسية أخرى تنشر صورتها على موقع"فيمن" الفرنسي وتقوم بتعرية نصفها العلوي وتكتب على جسدها "جسمي ملكي وليس مصدر شرف لأحد" وذلك كطريقة منها للتعبير عن وضعية المرأة في تونس، وقد تم تداول الصورة بشكل كبير على موقع التواصل الإجتماعي"الفايس بوك"، ومن المنتظر أن تثير النيابة العمومية من تلقاء نفسها قضية في الغرض. وتأتي تصرفات التعري هذه تبعا لما تطرحه منظمة''فيمن'' العالمية للنساء المحتجات بالصدور العارية والمنظمة هي عبارة عن جماعة احتجاجية تدافع عن حقوق المرأة الأوكرانية مقرها في"كييف" وتأسست سنة 2008 وأصبحت المنظمة معروفة دوليا بتنظيم احتجاجات عارية ضد وكالات الزيجات المرتبة حيث تتم طريقة الإحتجاج بعرض المرأة نفسها في صور خليعة على الإنترنات أو في غيرها من الوسائل ليتم اختيارها للزواج. ومن بين أهداف المنظمة تطوير الصفة القيادية والفكرية والأخلاقية للشابات الأوكرانيات وبناء صورة لأوكرانيا بأنه بلد يقدم فرصا كبيرة للمرأة قبل أن تتأسس فروعا في بعض دول العالم. "الصباح" اتصلت بالأستاذ أحمد بن حسانة المحامي لمعرفة رأي القانون في التجاهر بما ينافي الحياء والتعري أمام العامة فأفادنا بأن"القانون الجنائي في العصور القديمة شديد الالتصاق بالقواعد الأخلاقية ذلك أن الأفعال التي كان يعاقب عليها القانون هي الأفعال المنافية للأخلاق والقيم الدينية، فالفعل الجنائي لا يعد في نظر الضمير الإنساني خارقا للقانون إلا إذا استنكرته الأخلاق." مضيفا أن"حرص التشريعات الوضعية الحديثة على كفالة الحريات الشخصية وعدم التدخل في شؤون الأفراد الخاصة تكريسا لمبادئ حقوق الإنسان، هو ما أدى إلى جعل دائرة القانون أضيق بكثير من دائرة الأخلاق، فالقانون لا يعاقب على كل ما تستهجنه مبادئ الأخلاق وإنما ينتقي بعض الأفعال الأخلاقية التي تتميز عن غيرها بإضهارها على نحو جسيم بالنظام الاجتماعي ويفرض العقوبات الملائمة لردع مرتكبيها." معاقبة المتعريات ب6 أشهر سجنا أولى المشرع التونسي أهمية للجريمة الأخلاقية من خلال تجريم الأفعال المنافية للأخلاق وتكريس جملة من العقوبات في العديد من النصوص القانونية وأساسا في المجلة الجزائية وفي بعض النصوص الخاصة من أبرزها أمر أفريل1940 المتعلق بالاعتداء على الأخلاق الحميدة ، فقد اعتبر المشرع التونسي أن الشخص الذي تصدر عنه أفعال من شأنها أن تمثل اعتداءات على الحياء، مرتكبا لجريمة التجاهر بما ينافي الحياء وتجب تبعا لذلك مساءلته جزائيا طبقا لمقتضيات الفصل 226 من المجلة الجزائية الذي ورد فيه أن"التجاهر عمدا بفحش يعاقب مرتكبه بالسجن مدة ستة اشهر وبخطية قدرها مائة فرنك" وقد ورد هذا الفصل صلب القسم الثالث من المجلة الجزائية تحت عنوان"في الاعتداء بالفواحش" والفرع الأول "في الاعتداءات على الأخلاق الحميدة والتحرش الجنسي". تعريف التجاهر بما ينافي الحياء لم يعرف المشرع هذه الجريمة بل حدد عقابها المستوجب في الفصل 226 م ج ويرجع سبب عدم تعريفها إلى أن ما ينافي الحياء يتغير من زمن إلى آخر ومن إطار مكاني إلى آخر لهذا السبب خيّر المشرع عدم تعريف هذه الجريمة وترك هذه المهمة منوطة بعهدة فقه القضاء الذي يمكن أن يقرر في كل حالة على حدة إن كانت الأفعال المرتكبة تعتبر قبيل التجاهر بفحش أم لا. عدم الاعتداد بالباعث الإجرامي وحول هذه الجريمة أفادنا الأستاذ بن حسانة أن جريمة "التجاهر عمدا" بما ينافي الحياء جنحة قصدية تستلزم تعمد المتهم ارتكاب الفعل المخل بالحياء. لكن هذا الرأي على وضوحه يثير إشكاليات وكان محل جدل بين شراح القانون ويطرح بالخصوص بعض الصعوبات فيما يتعلق بالإثبات. فهل يكفي صدور الفعل المخل بالحياء أو الوضع أو الإشارة المنافية له لكي تتوفر الجريمة مع إدراك الجاني بأن مثل ذلك الفعل من شأنه أن يخدش حياء من شاهده أم يجب أن يثبت أن المتهم قصد بالذات خدش الحياء أي لا بد من وجود قصد جنائي خاص؟ لقد كرس فقه القضاء التونسي مبادئ المدرسة التقليدية في عدم اعتداده بالباعث الإجرامي في جريمة التجاهر بما ينافي الحياء وهو مبدأ صارم اعتمدته أغلب التشريعات و قد جاء في قرار محكمة التعقيب التونسية عدد 288 المؤرخ في 18اوت 1976 انه "لا لزوم للبحث هل أن الجاني قد ارتكب فعلته عن شهوة أو على سبيل الانتقام أو بسبب الانحطاط الخلقي بل يكفي أن يكون على بينة من أن فعله هو ما تأباه الأخلاق الفاضلة..." كما لا يمكن الاعتداد بالباعث الإجرامي ولو كانت الغاية نبيلة ذلك مثل الشخص الذي تعمد تقبيل فتاة و احتضانها لإظهار حبه ومودته وتم ذلك بشكل علني.