بعد نقاش مطول، رفض نواب لجنة الحقوق والحريات بالمجلس الوطني التأسيسي في اجتماعهم الملتئم أمس بقصر باردو والمخصص للتداول حول الفصول الخاصة بالباب الثاني من مشروع الدستور مقترحا يتعلق بعدم اسقاط جريمة التهرب الجبائي بالتقاضي. وكان من المفترض أن يضاف هذا المقترح للفصل الخامس والثلاثين من باب الحقوق والحريات الذي أصبح ينص على ما يلي: " أداء الضريبة والتكاليف العامة واجب على كل شخص وتضبط حسب نظام عادل ومنصف. تضع الدولة الآليات الكفيلة لفرض استخلاص الضريبة والتكاليف العامة وحسن استعمال المال العمومي ومقاومة الفساد والتهرب الجبائي". وذكر النائب مراد العمدوني صاحب هذا المقترح المرفوض أن أي مواطن من واجبه دفع المعاليم الجبائية، ومن الضروري أن يدرك أولا ثم يقتنع بأن أداء الضريبة واجب عليه، وأن هذا الواجب لا يسقط بالتقادم. وأضاف النائب أنه يعتبر التهرب الجبائي جريمة كبرى لأن موارد الدولة المخصصة لمد الطرقات وتشييد المدارس والمؤسسات الصحية هي متأتية أساسا من الجباية. وطالب بأن يضمن الدستور الجديد ظروف حياتية مريحة للمواطن وهذا لا يتحقق إلا بتحسين الموارد الجبائية. وفسر أن هناك من لا يدفع الضرائب قصدا لأنه يدرك مسبقا أن هناك مصالحات جبائية في الأفق ولكنه إذا وقعت دسترة عدم سقوط جريمة التهرب الجبائي بمرور الوقت فإنه لن يكون هناك أمامه من خيار غير الاستجابة لنداء الواجب. وبين أن هناك رجال أعمال لا يدفعون الضرائب مقابل رشاوى يقدمونها إلى الساسة، وإذا لم يقع ادراج مثل هذا المقترح في الدستور فهذا يعني أنه لا شيء تغير عن عهد بن علي.. فرجال الأعمال كانوا يستغلون اليد العاملة ويدفعون أجورا زهيدة للعمال ولكنهم يدفعون أموالا طائلة للمتنفذين سياسيا وبالتالي يجب وضع حد لمثل هذه الظواهر المؤسفة وعدم كتابة دستور يضرب مصالح الطبقة الشغيلة المهمشين والمفقرين. أداء الضريبة واجب وفي نفس الصدد اعتبرت النائبة وفاء المرزوقي أن أداء الضريبة واجب على كل شخص، ولكن تونس مازالت للأسف إلى الآن تعاني من المشاكل المنجرّة عن التهرب الجبائي. أما النائب نجيب مراد فيرى أن رجال الأعمال كانوا مرتبطين بالتجمع المحلول ويستفيدون من علاقتهم بالمتنفذين فيه ولا يدفعون الضرائب لذلك جمعوا أموالا طائلة.. ولا يعقل أن يستمر الوضع كما كان عليه في السابق ومن الضروري عدم اسقاط جريمة التهرب الجبائي بمرور الوقت ومن يريدون الدفاع عن ال 400 رجل اعمال المتورطين في الفساد فعليهم أن يعلموا أنه يوجد آلاف رجال الاعمال الصغار من غير الفاسدين.. وإذا أراد الفاسدون الخروج من البلاد فيمكنهم ذلك ولا خوف على تونس لأنه بالإمكان أن تصبح مثل سنغفورة في صورة الحد من الفساد وخاصة في الصفقات العمومية. وأضاف النائب :"انا لا أتسامح مع من اجرموا في حق البلاد ويجب حماية البلاد من الأفاعي". وقالت النائبة حسناء مرسيط إن رؤساء الأموال كانت لهم علاقة وطيدة مع أصحاب السلطة وكانوا يصرفون الأموال التي كان من المفروض ان تكون في شكل ضريبة مباشرة إلى الساسة "تحت الطاولة". لذلك من مصلحة المواطن عدم اسقاط الضرائب بمرور الزمن كما أن المديونية استفحلت وبلغت نحو 41 بالمائة لذلك يجب محاسبة رؤوس الأموال. وبين النائب محمد كراي الجربي ان قانون 72 كان كارثة على تونس لذلك هو يشاطر فكرة أن يدفع المواطن نصيبه من الضرائب. وبين النائب عبد القادر بن خميس أنه يجب الحد من الفوضى لأنه لا يمكن فتح الابواب امام مستثمرين أجانب أو تونسيين لا يدفعون الضرائب. وعبر عن رغبته في عدم اسقاط جريمة التهرب من الجباية بمرور الزمن. وبين النائب محمد العلوش أن هذا الفصل هو من بين أهم الفصول في الدستور ويجب وضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار. وفسّر أن أداء الضريبة عقلية وثقافة لا يمكن أن تصنع إلا بإرسائها في الدستور والقانون، نظرا للفساد الذي وقع ولتراكماته طيلة خمسين سنة فيجب عدم اسقاط الاداء على الضريبة بالتقادم ومعاقبة كل المتهربين. وبينت النائبة سلمى سرسوط أنها ترغب في التأكيد على العدالة الجبائية والحد من التهرب الجبائي. وهي ترى الجرائم الاقتصادية أكثر خطورة من الجرائم الأخلاقية. مخاطر التجريم لئن ساند بعض النواب مقترح عدم اسقاط جريمة التهرب الجبائي بالتقادم، فقد فسر أغلب نواب لجنة الحقوق والحريات خطر دسترة مثل هذا الإجراء على الاقتصاد الوطني مستقبلا. ونصح النائب محمد التليلي بتجنب الدخول عند سن الدستور في التفاصيل لأن الدستور لا يهم فترة وجيزة بل عقودا من الزمن. وذكر أن سقوط الدين بالتقادم يمكن أن يكون مسألة مفيدة. وكان النائب اياد الدهماني من أشد النواب المعارضين للمقترح وحذر أن هناك نحو ثلاثة آلاف مطلب لرجال أعمال مودعة لدى البنك المركزي وهم يريدون تحويل أموالهم للاستثمار في المغرب وإن مشاكلهم ليست أمنية فحسب بل تتعلق بغياب الحوافز الجبائية، ودعا لوضع مصلحة الاقتصاد الوطني فوق كل اعتبار وبين أنه في صورة دسترة مثل ذلك المقترح سيستحيل تطبيق مصالحات جبائية في المستقبل وهي عملية تلجأ إليها الدولة من فترة إلى أخرى لتدوير عجلة الاقتصاد. وطالب الدهماني بالتحفيز الجبائي للمستثمرين لان المستثمر الخاص له دور مهم جدا في تنمية المناطق الداخلية. فالدولة دون حوافز لا تستطيع ضمان توجه المستثمر إلى سليانة أو القصرين وغيرها من المناطق الداخلية. وفي نفس السياق يعتبر النائب محمود قويعة أن صياغة الدستور يجب أن تراعي مصلحة الدولة وأوضح أن الدستور ليس هو الذي سيرسي عدالة بين الجهات بين يوم وليلة ومن يتحدث عن صفقات تجري "تحت الطاولة" مع رجال أعمال فاسدين فعليه تقديم شكاوى للمحكمة للحد من تلك الظاهرة.