احتفال تونس اليوم الثالث والعشرون من افريل 2013 مع بقية الشعوب باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف يؤكد ان الكتاب مازال أفضل وأروع اختراع ابتكره الإنسان لتبادل الأفكار صمد على مر الزمان وجنح ضد حدود المكان وظل بفضله الفكر البشري مستمراً في تطوره وتنوعه وثرائه. في هذا اليوم بالذات قد يتذكر البعض ويليام شكسبير الشاعر والكاتب المسرحي العالمي الذي يشكك البعض وخاصة من أبناء جلدته في كتابته لما صدر باسمه من أعمال أدبية ومسرحية بقيت قمة الأدب الانقليزي والعالمي على مدى التاريخ... وهناك من يتذكر ميغيل دي وسرفانتس الكاتب الاسباني الذي عاش في الجزائر وكتب عن مغامراته وسنوات سجنه الخمس فيها أفضل إبداعاته ك"دون كيشوت" التي تعتبر واحدة من روائع الأدب العالمي. اما نحن العرب فلا بد لنا من ان نتذكر ما تعرضت له الكتب عندنا من حرق وإتلاف وتقطيع وتخزيق واغراق وغسل بالماء وحتى الدفن تحت الأرض على عمق يتجاوز عمق القبور وما تعرض له كتابها من تعذيب وتنكيل وإهدار للدم إما بسبب التعصب والتشبث بالفكر الواحد والرأي الواحد كإحراق كتب ابن سينا واحراق أبو حيان التوحيدي لكتبه وتعذيب وإحراق كتب أبي بكر بن مقسم وهو مؤلف الكثير من الكتب في تفسير القرآن الكريم والنحو وحادثة حرق الخليفة الأندلسي أبو يوسف المنصور لكتب الفيلسوف ابن رشد وغيرها كثير.. او عند التعرض للحروب والاعتداءات كاجتياح التتار للبلدان الإسلامية وإحراقهم لأهم الكتب والمكتبات فيها كإحراق "بيت الحكمة" في بغداد وإغراق كتبها في نهر دجلة وإحراق مكتبة الإسكندرية سنة391 م. لا بد لنا ان نتذكر أيضا انه لنا كتب تدعو إلى ترسيخ مشاعر الكراهية إزاء كل ما هو حديث ومتضمنة للعقلية "الأصولية المتزمتة" التي تعتبر المرأة من جملة المتاع وأسباب الغواية الشيطانية فيسعون بكل الطرق لفصلها عن الحركة الاقتصادية والسياسية في المجتمعات العربية. في مثل هذا اليوم لا بد لنا من ان نحذّر من الكتب التي توزع مجانا وتسمم عقلية التونسي في جوامعنا ومساجدنا ككتاب "خطر مشاركة المرأة للرجال في ميدان العمل" وهو "للشيخ" عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية، هذا الكتاب يرى صاحبه في عمل المرأة خطرا كبيرا ومصادمة مع النصوص الشرعية وانه سبيل مباشر إلى الزنا ويقول: "ومعلوم ان خروج المرأة من بيتها إلى العمل يختلف تماما عن الحالة التي خرجن بها مع رسول الله عليه الصلاة والسلام في الغزو، فقياس هذه على تلك يعتبر قياسا مع الفارق." كما يرى هذا المفتي ان أعظم أسباب الانحطاط والانهيار الواقع بأهم الحضارات هو خروج المرأة من ميدانها الخاص إلى ميدان الرجال مستشهدا بأحاديث نستغرب ان تصدر عن رسول الله -وقد عرف عنه حبه للمرأة واحترامه للسيدة خديجة زوجته الأولى- وببعض أقوال من سماهم رجال الغرب والشرق- والتي أخرجت من سياقاتها- عن مضار خروج المرأة للعمل وكأننا لا نعلم ان عدد الذين يحملون ألقاب أمهاتهم موجود بكثرة في المجتمعات التي عاشت منغلقة -وبعضها مازال- وان اللواط والسحاق من أهم صفات المجتمعات التي لا تخرج فيها المرأة لا للعمل ولا حتى للحمّام. كان بودنا ان نشارك في الاحتفال باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف مع بقية شعوب العالم التي قبلت شعار اليونسكو "نحن نحتفل بقراءة الكتب" واختيارها لمدينة بانكوك بتايلندا، عاصمة عالمية للكتاب لعام 2013، هذا اليوم الذي نقف فيه جميعا للتأمل في وضع الكتاب بوصفه وسيلة للتعبير عن القيم الإنسانية واكتشاف أسرار العالم وواسطة لنقل المعارف وحافظ لتراثنا ووعاء مستوعب لمختلف الثقافات وثرائها تنطلق منه الحوارات والنقاشات ويزدهر بفضله الفكر وتتنور العقول ويلمّ شملنا وأحلامنا بمستقبل أفضل على جميع المستويات. كان بودنا ان نشارك في البحث عن إمكانيات جديدة لحماية الكتاب وتحسين فرص نشر ثقافة النص المكتوب لينتفع بها اكبر عدد ممكن من البشر ونحرص على ان ينال المؤلف حقه في مؤلفه لا يسرق ولا "يستلهم" منه بغباء ولا يسند ريعه لغير من تعب عليه ولكن للأسف نحن اليوم نبحث عن حلول تمنع عنا أذى الكتب التي تسعى لنفينا من الوجود. ◗ علياء بن نحيلة