تعززت الساحة السياسية في تونس بطرف دستوري جديد وهي فرصة تأتي لتجميع جزء آخر من الدساترة ولا سيما الذين رفضوا الالتحاق بمبادرة نداء تونس للباجي قائد السبسي او لمبادرة الجبهة الدستورية والتي يترأسها كل من كمال مرجان ومحمد جغام وسامي شبراك. وإذ تبدو الساحة مستوعبة لكل الاطياف الفكرية الا ان الواقع يؤكد سعي الدساترة العودة الى العمل السياسي بقوة وبعناوين مختلفة للتاكيد على انه لم يبق أيّ دستوري خارج الهياكل. ورغم العناوين المتباينة للأحزاب المشكلة للطيف الدستوري فان تحالفها غير وارد في هذه المرحلة على الاقل وذلك بالنظر الى عدد من الاشكاليات أهمها الكم الهائل من "نجوم" السياسة الموزعين هنا وهناك. كما ان واقع التحالف قد يتوّج بمعركة اخرى حول "المالك الأصلي" للرؤى البورقيبية والدستورية "إذ ان كل طرف يقدم نفسه وحزبه على اساس انه الوريث الشرعي للفكر البورقيبي. وكان "بورقيبة" محور صراع بين مختلف الأطياف الفكرية المنتمية الى هذه المدرسة وهو ما يبرر حالة التنافس الشديد بينهم وكان آخرهم ما اعلن عنه رئيس الحركة الدستورية الاصلاحية عمر صحابو والذي اعلن عن ميلاد حركة الدستوريين الاحرار والتي تضم 6 أحزاب (حزب الوطن والحركة الدستوريّة الإصلاحيّة وحزب اتحاد البورقيبيين الجُدد والتحالف من أجل تونس والحزب الحرّ الدستوري الديمقراطي وحزب الحريّة والعدالة). وبالعودة الى واقع تلك الأحزاب فقد أوضح بأن التعاطي السياسي للدساترة مع القضايا الراهنة فيه اختلافات عميقة تصل في بعض الأحيان الى حدّ التناقض رغم إيمان تلك المجموعات بمنهج فكري موحد. فقد أبدى حزب المبادرة مثلا، والذي يقود الجبهة الدستورية، تعاطفا مع حكومة علي العريض حيث صوت أبناء الحزب لفائدة الحكومة على عكس المجموعة المنتمية لنداء تونس والتي صوتت برفض الحكومة الجديدة بل ان رئيسها الباجي قائد السبسي ذهب إلى حدّ المطالبة بإسقاط المجلس التأسيس على خلفية اغتيال السياسي شكري بالعيد. وتبدو العلاقة بين النداء ومجموعة الدستوريين الاحرار اقرب الى بعضهما البعض على الاقل في مستوى رفضهما لأيّ شكل من أشكال التعاون او العمل مع حركة النهضة بالاضافة إلى حديثهما المتواتر عن سعيهما للمحافظة على الهوية الوطنية ومكتسبات الحداثة التي رسخها الحبيب بورقيبة. ورغم التوافق الفكري ل"الأحرار" و"النداء" فان الممارسة السياسية لهما تبقى بعيدة عن تحقيق توافق تام بينهما في ظل رفض اليساريين داخل نداء تونس لأيّ عمل مشترك مع ما يعتبرونهم بقايا التجمع هذا ما فهمه عمر صحابو الذي اكد خلال ندوته الصحفية اول امس ان نداء تونس ليس بالحزب الدستوري الاصيل في ظل وجود يساريين هناك. وعن علاقة "الأحرار" بالجبهة الدستورية فقد رفض صحابو امس ومن خلال برنامج "ميدي شو" على إذاعة موزاييك اي تعامل مع كمال مرجان "الذي وضع يده بيد النهضاويين اثناء التصويت على حكومة العريض" على حدّ وصفه وهو أمر يؤكد غياب أيّ نافذة للحوار بين هذا وذاك0 وإذ تشير كل المعطيات الى العزلة السياسية التي تعيشها الجبهة الدستورية والأحرار، فان نداء تونس بات أكثر الأحزاب الدستورية انفتاحا على الساحة وذلك بالنظر الى حجم العلاقة بينه وبين مكونات مشروع الاتحاد من أجل تونس.