كما في عهد الجاهلية الغابرة و في أحلك فترات الجهل المقدس تعود مظاهر الاقتتال الوحشي لتغزو المنابر وتصدم العالم وتصيبنا بالقرف و الغثيان أمام هول المشهد وما بلغه الحال في سوريا الغارقة في دماء أبنائها , اكل لحم البشر في حرب الاخوة الأعداء لا يتحرج و لا يرتعش و لا ينزعج من تسجيل تلك المشاهد بعد أن أصيب مقترفها بعماء البصر و البصيرة و انسلخ عن صفوف البشر والادميين ووقف يغرس أنيابه في كبد ضحيته. الامر لا يتعلق بصراعات الهوتو و التوتسي في افريقيا و ما ال اليه الصراع العرقي في رواندا و لا أيضا بجرائم بوكاسا أكل لحم الأطفال امبراطور افريقيا الوسطى الذي كان يحلم بأن يصبح نابوليون افريقيا و لكن بمن تصدروا جزء من المشهد في سوريا متدثرين برداء الدين و هو منهم براء في سعيهم للسلطة و منها لاقامة دولة الخلافة في بلاد الشام وإقامة الحد على معارضيهم .الفيديو لا يعفي النظام السوري من المسؤولية و هو الذي فشل في حماية شعبه ودفع بسوريا بسبب قصر نظره و إصراره على التفرد بالرأي على السقوط في متاهات الحرب الاهلية و استنزاف قدرات البلاد للدفاع عن بقاء النظام و استمراره... جنون الحرب والرغبة في الانتقام و الحقد الاعمى بات يدفع بصاحبه الى تجاوز كل حدود المعقول ان كان للحرب لغة من منطق , مجلة تايم تؤكد أن المشاهد حقيقية و أن الفيديو ليس مركبا و هو يعود الى الثاني عشر من ماي الماضي عندما أقدم أحد عناصر جبهة النصرة الملقب بابي صخر على غرس أنيابه في رئتي ضحيته وهو جندي من الجيش السوري ليعبث به بوحشية قد تعجز كل الحروف و الكلمات عن وصفها , أما المشهد الثاني المسجل الذي وقع تناقله على مختلف المواقع الاجتماعية فقد ارتبط باعلان قرار المحكمة الشرعية لجبهة النصرة في المنطقة الشرقية بدير الزور "بالقتل لاحد عشر من العسكريين المرتدين لما قاموا به من مجازر ضد أهلنا واخواننا في سوريا " .على حد تعبير الصوت في الشريط دون مساءلة أو محاكمة في عملية اعدام جماعي تؤشر للاسوإ... مشاهد أعادت الى الإذهان ما كانت أقدمت عليه هند بنت عتبة عندما شقت صدر حمزة انتقاما منه في معركة أحد و استخراج كبده لتلوكه قبل أن تلفظه كارهة لفعلتها التي أعلنت بعدها توبتها و اسلامها. ربما كان فيما أقدمت عليه هند في تلك المرحلة من الصراع بين الإسلام و الجاهلية مبرراته و هي المرأة المنكوبة و ربما لم يكن ما أقدمت عليه في زمن الجاهلية بالامر الغريب في مرحلة كان الإسلام و المسلمون يواجهون العداء و المكر و المؤامرات . و لكن ما يحدث اليوم في سوريا من عودة لممارسات الجاهلية والظلامية الاولى لا يمكن أن يجد له تفسيرا أو تبريرا في كتب الاولين أو الاخرين بل ان في تلك الفيديوهات القادمة من المعارك الغبية الطاحنة الا يمكن ان تعكس عمق المأساة الحاصلة في ظل الجهل المقدس المتمدد امتداد الوباء في بلاد الشام .مشهد المقاتل في صفوف جبهة النصرة خالد الحمد الملف ب"أبو صخر" ليس سوى تجسيد للعبث القاتل في سوريا بعد أن اتخذت الحرب بين النظام السوري وجبهة النصرة أحد فلول تنظيم القاعدة منحى تجاوز كل المحرمات و الممنوعات في خضم بشاعة و فظاعة اللعبة الانتقامية الحاصلة. طبعا لايمكن لمفهوم الحرب أن يتحول الى نزهة و لا يمكن لاي قوى متصارعة مهما كان احترامها و تمسكها بالقيم والمبادئ الإنسانية ألا تسقط في التجاوزات و الانتهاكات ولكن ما يسجل اليوم في حرب الاستنزاف الدائرة في سوريا لا يقبل أكثر من تفسير و هو أن هذه الجماعات بلغت من الوحشية و الفظاعة و اللا إنسانية ما يجعلها خارج تصنيف البشر و أقرب منها الى تصنيف الوحوش ,صحيح أنه لا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها و لكن للميت حرمة وحرمته حتى وان اعدم دون محاكمة ألا ينكل به أو يشوه جسده ما يحدث اليوم في سوريا تشريع لقانون الغاب و منطق العين بالعين والسن بالسن و ربما يكون القادم أبشع , و الامر لم يعد يتوقف عند قطع الأطراف والرؤوس (و هو ما خبرناه في تونس في جريمة قتل عون الامن الذي نكل به و حظي قاتله بفتوى و حماية امام ...) بل أيضا القلوب و الاكباد و الالسن و الاذان, ان ما يجري ليس عاديا في شيئ و هو مؤشر على انهيار إنسانية الانسان و ادميته .و في انتظار مؤتمر دولي قد يحدث و قد لا يحدث حول سوريا في قادم الأيام برعاية أمريكية روسية فعلينا ربما توقع ما لا يمكن لعاقل تصوره...