لئن تعدّدت وتنوّعت مطالب الجهات الداخلية بخصوص مجالات التنمية وتوفير ما يلزمها من استحقاقات أساسية أخرى، فإن بعض الجهات مثل مدينة قابس تبقى مطالبها ذات أولوية ولا تتطلّب التأخير، خاصة وأن هذه المطالب ذات قيمة وأهمّية لا يمكن التغافل عنها أو تأجيلها لوقت لاحق ولو كان قصيرا. هذه المطالب تتصل بالبعد التنموي والاقتصادي باعتبار أن المدينة تمثل قطبا صناعيا هامّا لا يمكن الاستهانة به، كما أنها تعيش وضعا بيئيا صعبا طالما تراكمت مشاكله وتأجّلت حلوله ونتجت عنه صعوبات وأمراض بلغت حّدا خطيرا في ظل عدم إيجاد الحلول الملائمة لذلك والتراخي في معالجة ما نتج عن ذلك من مخاطر جمّة يشهد بأضرارها القاصي والداني وتبدو ظاهرة للعيان خاصة من خلال تفشي بعض الأمراض الخطيرة التي بلغ مداها حتى الأطفال الصغار والرضع، علاوة على التدهور البيئي الخطير الذي مسّت أضراره البحر والواحة التي طالما مثلت بعدا فلاحيا قلما وجد في بقية جهات البلاد. ففي باب أول تقف القوى العمالية في قابس وإطاراتها اليوم في حيرة من أمر ما يجري بعد أن تعطّلت عملية مدّ القطاع الصناعي هناك بمادة الفسفاط التي تصل من الحوض المنجمي بقفصة، وهو ما سيؤدي إلى تعطل النشاط وتوقفه خاصة بعد أن أشير إلى أن الاحتياطي من هذه المادة المتوفر لا يمكنه أن يدير عجلة المؤسّسات إلا لبضعة أيام. هذا الوضع الخطير الذي لم تبادر الحكومة بإيجاد حلول له سيمثل خطرا جسيما على الدورة الاقتصادية وسيحيل أكثر من 12 ألف عامل على البطالة، علاوة على تداعياته الاقتصادية الخطيرة التي سيتعطل من خلالها أكبر قطب صناعي في البلاد، ولا يزال العمود الفقري الذي تستند عليه مجالات التنمية في البلاد. أما الباب الثاني الذي يبقى هو الآخر أحد أبرز المشاكل التي تعاني منها مدينة قابس وضواحيها وكافة سكان الجهة فهو ما تعلق بالوضع البيئي الخطير الذي تدهور بشكل حادّ نتيجة غياب الحلول التي يمكنها أن تقاوم مظاهر التلوث الناتج عن القطاع الصناعي المنتصب هناك منذ عشرات السنين. فلا البحر قد سلم من أضراره ولا النسيج الواحي والغابي ولا أيضا السكان قد سلموا منه. هذا الملف الخطير الذي تراكمت مشاكله كان قد طرحته السلط الجهوية بقابس وقوى المجتمع المدني هناك وطالبت الحكومة بإيجاد حل له، لكن لا آذان صاغية لهم ولا تفاعل حقيقيّ وجدّي مع مطالبهم. فإلى متى يتواصل هذا التجاهل لمطالب مدينة قابس ولسكان الحوض المنجمي رغم ما للموضوع من أهمية قصوى وما له من تداعيات خطيرة على أوجه التنمية والاقتصاد الوطني؟ ذلك هو السؤال الذي لا يمكن إلا للحكومة أن تجيب عنه وان تبادر بفتح حوار جدي مع سكان الحوض المنجمي الذي تعطل فيه نشاط استخراج الفسفاط منذ شهور، وسينتج عنه شلل صناعي بمدينة قابس عما قريب إذا ما تواصل الوضع على ما هو عليه الآن.