شرع نواب المجلس التأسيسي في جلستهم العامة المنعقدة صباح أمس في النقاش العام لمشروع الدستور، وأكد البعض على ضرورة التنصيص على حق العمل اللائق والحياة الكريمة بكل وضوح وعلى حذف الفصول التي يمكن أن تؤول بهدف ضرب حق الاضراب. في حين طالب البعض الآخر بتحقيق المطلوب بين السلط وحذف التقييدات على حرية الاعلام والتعبير ومراجعة ما كتب عن المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء والنيابة العمومية وهيئة الاعلام والتنصيص صراحة على تجريم التطبيع. وتحدث العديد منهم عن أهمية تحقيق التوافق المنشود في هذه المرحلة الانتقالية الصعبة وخلص أحدهم إلى اقتراح إصدار قانون يمنع نواب المجلس الوطني التأسيسي من الترشح للانتخابات القادمة لضمان ابتعادهم عن التجاذبات السياسية. التشغيل.. استحقاق استنكر العديد من النواب عدم تنصيص مشروع الدستور صراحة على حق العمل اللائق، والحق في الحياة الكريمة والحق في منحة البطالة، وقالوا إن الثورة التي كانت سببا في انشاء المجلس الوطني التأسيسي الذي عهدت له مهمة كتابة دستور قامت من أجل المطالبة بالتشغيل والحياة الكريمة لكن المؤسسين لم يضعوا هذا نصب أعينهم وهم يخطون فصوله. كما عبروا عن رفضهم للفصول الملغومة التي يمكن توظيفها لضرب حق الاضراب. وفي هذا الصدد ذكر النائب محمد الطاهر الهي أن المشروع أغفل تاريخ الثورة، ولم يحمل في طياته روحا ثورية ولم يضمن عدم تكرار تهميش المناطق الداخلية وتأمين الحريات وفرض الواجبات والوصول إلى الكرامة المنشودة والتوزيع العادل للثروة بين الجهات والتمييز الايجابي للمناطق المهمشة والتشغيل وانتشال الفقراء من الخصاصة والحرمان.. وقال النائب ابراهيم القصاص إن ورقات مشروع الدستور لا تعنيه لأن الشعب "الزوالي" يتضور جوعا ولا يجد بماذا يسد الرمق. وأضاف:" بفضل الثورة ودماء الشهداء أتينا نحن النواب لنجلس على هذه الكراسي الوثيرة ولكننا نسينا الشعب الجائع والمريض الذي يعاني الأمرّين وينام على الطوى ولا يجد آذنا صاغية لعذاباته لا من النواب ولا الحكومة " وعند هذا الحد قاطعه الدكتور مصطفى بن جعفر رئيس المجلس لينبهه إلى خروجه عن الموضوع وجدول الأعمال، لكن القصاص أصر على أنه يتكلم في صلب الموضوع وأن أوراق الدستور لا تعنيه في شيء لأنه لا قيمة لها بالنسبة لشعب جائع يعاني من العطش. وبيّن النائب فتحي اللطيف أن مشروع الدستور لا يضمن حق سيادة الشعب على ثرواته، وقال النائب حطاب بركاتي إن الثورة كانت اقتصادية واجتماعية وكان الهدف منها ضمان الكرامة للجميع والحق في الصحة والعمل اللائق لكن مشروع الدستور مخيب للآمال ومؤسف وهو متخلف اقتصاديا واجتماعيا. وذكر النائب صالح شعيب أن الشعار الذي رفع خلال الثورة كان "التشغيل استحقاق يا عصابة السراق" وبالتالي فإن المطالب الأساسية تمحورت حول الكرامة التي لا يمكن ان تتحقق إلا بالتشغيل والتنمية الاقتصادية، ولكن مشروع الدستور غيب ذلك وطالب النائب بالتنصيص فيه على نظام اقتصادي يتكامل فيه القطاع العام والقطاع الخاص والقطاع التعاوني. وأضاف ان حق المواطن لا يتوقف على الماء بل يجب توفير أسس العيش الكريم. وحذر النائب هشام حسني من إصرار كتلة الأغلبية على إصدار دستور يؤسس دكتاتورية جديدة وذكر أن هذه الأغلبية لن تتخلّى عن الحكم إلا بالعنف، فقد سعت سابقا للوصول إليه بالتفجيرات ومحاولة الانقلاب، وبالتالي لن تتخلّى عنه اليوم خاصة أنها وصلت إليه عن طريق صناديق الاقتراع. وذكر أن مشروع الدستور خيب الآمال لأنه لم ينص صراحة على الحق في العمل اللائق وتجاهل المعطلين عن العمل الذين لا ذنب لهم سوى أن الدولة لم توفر لهم مواطن شغل واقترح ادراج فصل جديد يمنحهم حق التمتع بمنحة. كما انتقد مغالطات الهيئة المشتركة للتنسيق والصياغة ومحاولات الإيهام بأنها كرست حق الاضراب وبين أنه يمكن التفطن لهذا التلاعب بقراءة الفصول 35 و14 و48 معا. وتجدر الإشارة في هذا الشأن إلى أن الفصل 35 ينص على أن "الحق النقابي بما في ذلك حق الاضراب مضمون". أما الفصل 14 فينص على "الادارة العمومية في خدمة المواطن والصالح العام تنظم وتعمل وفق المبادئ والحياد والمساواة واستمرارية المرفق العام.. ". في حين ينص الفصل 48 على "يقرر القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها ولا يتخذ القانون إلا لحماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العام أو الدفاع الوطني أو الصحة العامة. وتسهر الهيئات القضائية على حماية الحقوق والحريات من أي انتهاك". حق الاعلام والتعبير عبر العديد من النواب عن استيائهم للقيود المفروضة على حرية التعبير والاعلام وطالبوا بالتنصيص على تلك الحريات دون قيود، كما انتقدوا التدخل الفاضح للنائبة الأولى لرئيس المجلس محرزية العبيدي في عمل المخرجين العاملين في التلفزة الوطنية أول أمس، وعن رأيه في الفصل المتعلق بهيئة الاعلام بين النائب صحبي عتيق أنه مع الفصل بين هيئة للإعلام السمعي البصري وأخرى للإعلام المكتوب وغيره. وذكر أن جمع الاعلام في هيئة واحدة غير مناسب. وأكد النائب رابح الخرايفي على ضرورة التنصيص على حرية الاعلام تصريحا وباقتضاب ودون تقييد لان التقييدات لحرية الاعلام والصحافة والطباعة والنشر لا يجب التنصيص عليها في الدستور. أما النائب حطاب بركاتي فقال إن مشروع الدستور يقيد حرية التعبير والاعلام وهذا عانى منه الجميع في عهد بن علي وطالب بالتنصيص على هذه الحقوق بوضوح ودون تقييدات. وقال النائب مراد العمدوني "سمعنا من داخل القاعة من ينعت الاعلام بإعلام العار، والعار مستمر، لكنه في اتجاه هؤلاء." وفي باب الحريات حذر النائب أزاد بادي من التنصيص على حرية الضمير، مفسرا أن هذا سيسمح حتى لعبدة الشيطان بنشر معتقدهم بشتى الوسائل وعاب حذف المبادرة التشريعية وعبر عن التمسك بالتنصيص على المجلس الاعلى للعدالة وعلى استقلالية النيابة العمومية. سعيدة بوهلال
دعوة لفصل الدين عن السياسة وتحييد دور العبادة مسألة أخرى استرعت اهتمام نواب المجلس الوطني التأسيسي خلال النقاش العام لمشروع الدستور تتعلق بمدنية الدولة..إذ حذر النائب صلاح الدين الزحاف من أن الدستور يهيئ لإنشاء دولة دينية، وتحدث عن وجود محاولة لمغالطة الشعب التونسي وايهامه بأن المجلس يؤسس لدولة مدنية لكن النية تتجه إلى أسلمة الدولة التونسية. وطالب زملاءه بالجرأة وكشف هذه الحقيقة وعدم الخوف موضحا لهم أن الديمقراطية وحدها هي التي تمنحهم الشعور بالطمأنينة والسّكينة وطالبهم بالتحلّي بالشجاعة، ورفع الغموض والتنصيص صراحة على دولة مدنية ديمقراطية يكون فيها الفصل واضحا بين الدين والسياسية لأن الثورة قامت من أجل أهداف دنيوية سياسية بحتة لا من أجل أهداف دينية إيديولوجية وهذا يتطلب فصل الدين عن الدولة بصفة واضحة وجليّة. وقال ان المعني بالدولة المدنية هو أنه ليس للدولة التونسية دين لأن الدين هو دين الناس والشعب وليس دين الدولة، كما أن القول بأن الدولة راعية للدّين في غير محلّه لأن الدولة يجب أن تكون راعية للأديان والمعتقدات وتحميها دون أن تكون دولة دينية. واكد النائب رابح الخرايفي على ضرورة الاستفادة من إرادة الشعب لتكريس الصفة المدنية للدولة التي عمادها الفكر الجمهوري والحريات الأساسية فهذا اللفظ هو الأشمل للحريات العامة، والاقرار بهذا يقتضي مراجعة وحذف بعض الفصول في الدستور منها الفصل 141 (لا يمكن لأي تعديل دستوري أن ينال من الاسلام باعتباره دين الدولة) لتناقضه مع الفصل الأول (تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الاسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها) واعادة صياغة الفصل 6 لتصبح الدولة راعية للأديان بدلا عن الدين. أما الفكر الجمهوري فيجب إبرازه بكل وضوح وهذا يترتب عنه تنقيح عديد الفصول (تحتكر الدولة انشاء القوات المسلحة وقوات الأمن الوطني وأي قوات أخرى..) بحذف وأي قوات أخرى حتى لا يقع إنشاء مليشيات قد تتصارع مع القوات النظامية المسلّحة مع التنصيص على أن الأمن جمهوري. أما النائب حطّاب بركاتي، فأكد أن مسودة الدستور تراجعت عن مدنية الدولة، ولم تنص عليها في فصل واضح وبترت حقوق الانسان، فهي حقل تشريعي في الظاهر يحتوي كل الحقوق والحريات والمظاهر المدنية والنظام الجمهوري لكن زرعت فيه ألغام مستعدة لنسف أي حق أو حرية أو مبدإ وهو ما لا يستجيب لتطلعات الشعب وآماله، كما أنه ضعيف الصياغة وبعض فصوله غير دقيقة وجاء ذلك بصورة متعمدة كما أنه لا يحول دون التوظيف السياسي للدين وطالب بتحييد دور العبادة عن التوظيف السياسي والحزبي. وأوصى النائب عبد الرزاق الخلولي بضرورة الابتعاد عن جعل الدستور سجين الماضي أو رهين الحاضر بل يجب التركيز على انه يكتب للمستقبل وللأجيال القادمة. وذكر أن الجانب الحداثي فيه لا يعني الابتعاد عن الهوية أو عادات الشعب وتقاليده بل هو تفكير في كيفية استطلاع حاجيات المواطن في المستقبل. وبين النائب مراد العمدوني أن محمود درويش يقول إن القتلى هم الذين يتجددون يولدون كل يوم وحين يحاولون النوم يأخذهم القتل من نعاسهم الى نوم بلا أحلام.. فلا قيمة للعدد لان القيمة القصوى التي نريدها هي قيمة الانسان فالثورة لم ينجزها من الشعب الا أقل من الربع لكنها أسست للجميع والى ما هو أبعد من تونس وما نريده هو دولة مدنية تعطى معنى للإنسان وقيمة وتحفظ كرامته بضمان شروط العيش الكريم والعدالة الاجتماعية. وخلافا لما ذهب إليه أغلب النواب،أكد النائب الصحبي عتيق أن مدنية الدولة مضمونة في مشروع الدستور وقال إنه من المهم التأكيد على مدنية الدولة وبين أن الإسلاميين يؤكدون على مدنية الدولة وهي فكرة مركزية لديهم وضمانة وهناك قناعة في كتلة حركة النهضة هي أنه لا وجود للدولة التيوقراطية في الإسلام ولا يوجد رجال دين في الاسلام ولا توجد سلطة فوق سلطة الشعب وأضاف:"نريد دستورا متجذرا في الهوية العربية الاسلامية، ومن يخاف على الاسلام فالإسلام لا خوف عليه في بلد مسلم. ومن يخاف من الاسلام فليدخل الاسلام..ولا اكراه في الدين كما لا يمكن اكراه أي شخص في لباسه وحياته ونمط مجتمعه ونحن نريد دستورا يجمع بين القيم الأصيلة وقيم الحداثة". ودعا للابتعاد عن المزايدات في الاسلام والوطنية.