سمير ديلو: كل شعب أدرى بظروفه والوضع بتونس يقتضي الحوار والتوافق حذّر خبراء وحقوقيون من أن سنّ أي قانون للعدالة الانتقالية دون احترام مقتضيات الدستور قد يؤول لاحقا للتصريح بعدم دستوريته من قبل المحكمة الدستورية وما قد ينتج عن ذلك من نتائج وخيمة قد تؤدي بدورها إلى نتائج عكسية لما يأمله واضعوا القانون وهو ما حصل في عديد التجارب الدولية على غرار التجربة الأندونيسية. وحذر سمير ديلو وزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية لدى افتتاحه أمس أشغال مائدة مستديرة حول "دسترة العدالة الانتقالية" بمقر الوزارة بباردو، من أن الحديث عن "دسترة العدالة الإنتقالية"، حديث استباقي ومن "حسن الحظ أم المداولات حول مشروع الدستور متواصلة" حتى يتمكن مختلف الفاعلين في المجال من إدراج مقترحاتهم وتوصياتهم اذ اعتبر محمد كمال الغربي رئيس الشبكة التونسية للعدالة الانتقالية أن "قانون العدالة الانتقالية يأتي في مرتبة ثانية بعد الدستور من حيث عدد الفصول ومن حيث الأهمية فهو من القوانين الضخمة والدسمة تستوجب الحوار والتمعن في النقاش". ما أثير أمس حول موضوع "دسترة العدالة الانتقالية" في غاية من الأهمية بحسب المتدخلين. وبالرغم من تساؤل العديد كيف يمكن "دسترة" ماهو انتقالي وظرفي من حيث الزمن والأهداف، غير أن الإجابة عن هذه التساؤلات كانت بالحجة والبرهان من خلال التطرق إلى الإشكاليات الدستورية التي يمكن أن تخلفها جملة التناقضات بين مشروع الدستور وبين مشروع القانون الأساسي للعدالة الانتقالية. تحذير في هذا السياق حذّر المتدخلون من أن سنّ أي قانون للعدالة الانتقالية دون احترام مقتضيات الدستور قد يؤول لاحقا للتصريح بعدم دستوريته من قبل المحكمة الدستورية وما قد ينتج عن ذلك من نتائج وخيمة قد تؤدي بدورها إلى نتائج عكسية لما يأمله واضعو القانون وهو ما حصل في عديد التجارب الدولية على غرار التجربة الأندونيسية حيث صادق مجلس النواب بأندونيسيا في سبتمبر 2004 على قانون متعلق بإحداث لجنة الحقيقة والمصالحة من أجل التصدي لإرث قرابة ستة عقود من انتهاكات حقوق الإنسان غير أن المحكمة الدستورية الأندونيسية انتهت في ديسمبر 2006 إلى اعتبار أن ثلاثة فصول من القانون المذكور تشكل خرقا لضمانات حقوق الإنسان التي ينصّ عليها الدستور الأندونيسي، فترتب عن ذلك العيب إلغاء القانون برمته. الاحتجاج بالقانون يتّضح من خلال الإطّلاع على مشروع الدستور الجديد خلوّه من أيّة تنصيصات تتعلّق بالعدالة الانتقالية، فدافع البعض عن هذا التوجّه بمقولة أنّ الصبغة الظرفية لقانون العدالة الانتقالية قد تتعارض مع أحكام الدستور الذي سيوضع ليعمل به بصفة دائمة دون تحديد مدّة زمنية له حتّى تأتي الحاجة لتعديله أو إلغائه. غير أنه في مقابل هذا الموقف يساند العديد ضرورة دسترة العدالة الانتقالية نظرا لأهميتها ذلك أنه ستفتح في إطارها ملفات انتهاكات حقوق الإنسان الماضية ويحال مقترفوها على المساءلة والمحاسبة وستشمل حقبة زمنية قد تعود إلى سنة 1955, كما سيمنع في إطار العدالة الانتقالية الاحتجاج بالقانون الأرفق بالمتهم وبتقادم الجرائم وبالانتفاع بعفو سابق وعدم جواز المحاكمة على الجرم مرتين وبحجية الأمر المقضي به وهي مبادئ ستطرح العديد من الإشكاليات على مستوى التطبيق. واقترح البعض في هذا السياق إضافة فصل دستوري ضمن الباب الأوّل ( المبادئ العامّة) خاص بالعدالة الانتقالية ينصّ على ما يلي:" تلتزم الدولة بضمان متطلّبات العدالة الانتقالية من كشف لحقيقة انتهاكات حقوق الإنسان الماضية ومنع الإفلات من العقاب وجبر لضرر الضحايا والاعتذار لهم وحفظ للذاكرة وإصلاح مؤسسات الدولة بما يمنع تكرّر الانتهاكات ويحقّق مصالحة عادلة ودائمة". كما طالب البعض الآخر بالتنصيص ضمن توطئة الدستور على العدالة الانتقالية بتونس بوصفها اختيارا يهدف إلى القطيعة التاريخية مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتأصيلا لبناء دولة الحق والقانون، والتكريس الدستوري لحفظ الذاكرة، ومواصلة الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية المرجعية في مجال حقوق الإنسان، وجبر ضرر ضحايا الانتهاكات وردّ الاعتبار لهم .ومبررات هذا الرأي تنصيصات الفصل 143 من مشروع الدستور الجديد التي تضمنت أن"توطئة هذا الدستور جزء لا يتجزّأ منه". كل شعب ادرى بظروفه وفي سياق آخر اعتبر سمير ديلو وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية أن "كل شعب أعلم بظروفه " تعليقا على ما يجري بمصر. معقبا بأن "الوضع في تونس يقتضي من الجميع في هذه الظروف العصيبة الجلوس إلى طاولة الحوار والبحث عن التوافق". وحول الدعوات المتصاعدة لاستنساخ حركة التمرد المصرية وسحبها على تونس أكد ديلو أنه " لا يجرم ولا يخون أحدا" غير أنه يجدر التساؤل " ما هو المنتج الذي نريد استراده عن التجربة المصرية هل هو إزاحة رئيس بصفات معينة أو استيراد سيل من الدماء والمصادمات". فما يرسخ الثورة -على حد قوله- هو "إنجاز ثوري في بدايته كان عنيفا ولكن في مراحله اللاحقة يستوجب التوافق والحوار، وفي هذه المرحلة الانتقالية هناك تقدم ملحوظ في كتابة الدستور، فمن يدافع عن الديمقراطية عليه أن يعي مفاهيمها ومن يدافع عن الشرعية عليه أيضا أن يفهم مقتضياتها، فنحن مع الشعب المصري لا مع شق أو آخر".