لا يمكن أن نعتبر أن ما جدّ في سهرة الخميس بمهرجان قرطاج الدولي بمناسبة عرض الحضرة للفاضل الجزيري حادث عابر الإكتظاظ أمام المسرح وجمهور غاضب اقتنى تذاكره ولم يعثر على موضع قدم بمدارج المسرح الأثري بقرطاج وتجمهر كبير فاق بكثير طاقة استيعاب المسرح ومعاناة كبيرة مر ّبها جانب من الجمهور خاب أمله في الدخول رغم أنه يحمل تذاكره وكثيرون من بينهم لم يتمكنوا من كتم الغضب وعبروا عن ذلك. كلها أمور لا ينبغي التقليل من أهميتها. فهي تعكس حالة الفوضى التي أصبحت تقريبا تسيطر على كل القطاعات في البلاد. وكاد أن يتحول حفل فني من المفروض هو مناسبة للفرح والترفيه إلى ما لا نتمناه. الحادث يقدم دليلا آخر على أن المهرجان رغم عراقته ورغم صيته الوطني والعالمي ورغم الإقبال الجماهيري يعاني من مشكل مزمن اسمه التنظيم إدارة الدورة التاسعة والأربعين للمهرجان أعلنت عن اجراءات تنظيمية جديدة قررت بموجبها فتح أبواب المسرح بداية من ليلة أمس منذ الثامنة مساء تجنّبا للإكتظاظ كما قررت أنّ يتم دخول حاملي شارات هيئة التنظيم والتقنيين وحاملي شارات الصحافة والإعلام والفنانين وشارات الشخصيات الرسمية وحاملي تذاكر ودعوات "كراسي" ابتداء من ليلة أمس من مدخل الشخصيات الرسمية المشكل أعمق من تحديد البوابات ; هناك مشكل مزمن اسمه التنظيم لكن المشكل ربما أعمق من مسألة تنظيم الدخول وتحديد البوابات. مشكل مهرجان قرطاج الدولي لا يختزل كذلك في رفض دخول مسؤول سام برئاسة الجمهورية وحصول جدل بينه وبين مدير المهرجان على خلفية احترام القانون. مهرجان قرطاج الدولي يحتاج إلى تنظيم كامل وإلى تقنين وجوده. مهرجان قرطاج الدولي من المفروض أن يتحول إلى مؤسسة مستقلة وأن تكون له إدارة قارة ونظام داخلي وميزانية إلخ... كان من المفروض أن تكون البرمجة جاهزة في كل مرة فترة طويلة قبل انطلاق المهرجان وكان من المفروض أن مشكل التذاكر والدعوات والشارات يكون محسوما قبل فترة من بداية التظاهرة. ومن المهم كذلك أن يقع التثبت في قائمة الإعلاميين المكلفين بالتغطية كما هو معمول به في العالم وأن يقع الترشح للحصول على بطاقات الإعتماد مبكرا ووفق مقاييس معروفة مسبقا. فمهرجان قرطاج الدولي ليس فقط تظاهرة ثقافية فنية ولا هو مناسبة لكسب الأموال فهو ليس مؤسسة تجارية ربحية, مهرجان قرطاج الدّولي وجه من وجوه البلاد ومن المهم أن نسعى إلى الحفاظ على نقاوته وأن نحفظه من كل ما من شأنه أن يسيء إليه. لقد ارتقى إلى مرتبة مؤسسة ذات نفع للوطن ويجب أن يصنف كذلك رسميا. الدولة مطالبة بأن توفر له الإمكانيات وان تيسر العمل به. ولعلّه يجب التذكير أنه ليس من باب المنّ على الإعلاميين المختصّين في الشأن الثقافي أن يمنحوا بطاقات الدخول إلى المهرجان وأن يقع السهر على تيسير عملهم لأن المهرجان مكسب وطني ومن واجب الإعلامي أن يساهم في التعبير عنه سواء بالتغطية أو بالنقد النوايا الطيبة وفي انتظار ذلك تبقى كل دورة جديدة للمهرجان رهينة المبادرات الخاصة والنوايا التي لا نشكك في طيبتها لكن ليس بالنوايا الطيبة فقط نحفظ مكانة هذا المهرجان العريق الذي يقفل السنة المقبلة عامه الخمسين وإذا ما عدنا إلى الدورة الحالية, الدورة التاسعة والأربعين التي يديرها الموسيقي مراد الصقلي الذي تناولت عدة مواقع ما لوّح به من إمكانية الإستقالة على خلفية أحداث سهرة الخميس وكان قد نشر كلمة على حسابه بموقع التواصل الإجتماعي فايسبوك منذ صباح يوم أمس باكرا جدا (حوالي الثالثة صباحا) اعتذر فيها للجماهير التي لم تستطع الدخول والجماهير التي عانت من طول الإنتظار وتشنجت وأعلن عن استعداده لتحمل مسؤوليته مشيرا إلى انه لم يقع بيع تذاكر بما يفوق طاقة استيعاب المهرجان, إذا ما عدنا إلى الدورة الحالية يمكن القول أن هناك جدية في محاولة الإصلاح خاصة على مستوى التنظيم. لكن ذلك لم يحل دون وجود اخلالات كثيرة. مازلنا لم نفهم مثلا ما هي المقاييس التي على أساسها تم توزيع أو اهداء بطاقات الشخصيات المهمة. على مستوى الإعلام الذي نعتقد أننا نعرفه جيدا لم نفهم هذه المقاييس ولم نفهم لماذا تم اعتبار بعض المؤسسات الإعلامية أهلا لبطاقات تيّسر ظروف العمل ومؤسسات أخرى ليست أهلا لذلك. لم نفهم الكثير من الممنوعات حتى لا ندخل في التفاصيل ولكن نكتفي بالإشارة إلى انها مهمة جدا بالنسبة لآداء الإعلامي. المعلومة لا تصل بشكل آلي وأحيانا تقع في عناوين غير مهتمة بالثقافة. الإجراءات كانت صارمة جدا في الدخول وبالتالي لا نفهم كيف بقي الكثيرون ممن يحملون تذاكرهم بالشارع في سهرة الخميس على مستوى العروض لم يقع الإلتزام دائما بالتوقيت المعلن عنه أي العاشرة والنصف ليلا. العرض المسرحي تسونامي للفاضل الجعايبي مثلا بدأ بعد الحادية عشر ليلا. هناك اخلالات واضحة في التنظيم وربما كانت طموحات الإدارة الحالية أكبر من امكانياتها أو الإمكانيات المتاحة لها ومع ذلك نعتبر أن استقالة مدير المهرجان خطوة متسرعة ولا تخدم المهرجان. الهروب ليس حلا خاصة بعد قبول المسؤولية. تسليم المنديل دليل ضعف مهما كانت الأسباب منطقية. وترك مهرجان في حجم مهرجان قرطاج الدولي وسط الطريق هو من منظورنا تخل عن المسؤولية وتعريض هذه التظاهرة الثقافية الكبرى إلى الخطر. خطر التلاعب بها أو إضعافها. التغيير في تونس صعب جدا فما بالك بالمجال الثقافي الذي يعاني أضعاف أضعاف مشاكل القطاعات الأخرى