ما إن أشيع خبر اغتيال المناضل الشهيد محمد براهمي ظهر أول أمس حتى انتشر في كل جهات البلاد بأسرع وقت ممكن، ومثل صدمة للجميع، لكن زيادة على حركة التنديد الواسعة التي شهدتها العاصمة، تناسى المواطنون في كل جهات البلاد من شمالها إلى جنوبها شهر الصيام واشتداد الحرارة والعطش، وبادروا في كافة الجهات بالخروج إلى الشارع ليعبروا عن رفضهم وسخطهم لاغتيال أحد أبناء تونس البررة الذي رفض أن يوظف صوته في مسار سياسي تريد السلطة أن تفرضه على الجميع. حركة الاحتجاج والتنديد انطلقت من سيدي بوزيد مسقط رأس المناضل الوطني براهي، ثم سرعان اتسعت دائرتها لتشمل معتمديات الولاية ولتصل إلى القصرين وتالة وبنزرت والكاف وقفصة وصفاقس والمهدية وغيرها من الجهات وذلك في ظرف سويعات قليلة، وذلك أمر طبيعي لهول الكارثة ولثقل المصاب الجلل الذي عم كافة سكان البلاد. هذا الغليان الشعبي الرافض لما حدث قد تواصل ليلة أول أمس أيضا في العاصمة وضواحيها إلى حد ساعات متأخرة من الليل، ورفعت فيه شعرات تندد بالحكومة وبأحزاب الترويكا وتدعو لعصيان مدني لجعل حد للسياسة التي يقع انتهاجها والتي لم تعد ترضي جميع المواطنين لما تميزت به من تسيب أمني وفشل اقتصادي وسياسي وسعي محموم باتجاه تأمين تمسك الترويكا بالحكم. فالجهات الداخلية .. كل الجهات الداخلية تناست همومها وفقرها وعطشها وحالة البطالة التي عمت شبانها لتقول كفى تجاوزات وكفى وعودا خاوية ولا بد من الحسم في جملة الإنتظارات التي وقع ترقبها طويلا دون جدوى، ولا بد أيضا من جعل حد لتسويف الحكومة بخصوص عديد القضايا العالقة وفي مقدمتها إماطة اللثام عن الأعمال الإجرامية التي تحصل في البلاد، وفي مقدمتها اغتيال الوجوه السياسية واستباحة حرمة البلاد لما يجري في جبل الشعانبي ولما يكشف عنه بين الحين والآخر من ترويج للأسلحة. هذه جملة الشعارات التي نادى بها المتظاهرون طوال يوم أول أمس في كافة أنحاء البلاد، وهي شعارات عكست حسهم القاعدي بعيدا عن تدخل أي حزب سياسي. فماذا تقول الحكومة بخصوص المطالبة بتنفيذ هذه الشعارات وكيف ستتصرف تجاه هذه المطالب الشعبية الحرقة؟ تلك هي الأسئلة التي سيقع الإجابة عنها في قادم الساعات والأيام القادمة دون شك، والتي نعتقد أنه لا مهرب من الأجابة عنها بكل وضوح.