تونس الصباح الأسبوعي - يعيش الاقتصاد الوطني في تونس على وقع أزمة سياسية زادت من حالته تعقيدا وجعلت من الخبراء الاقتصاديين والمنظمات المهنية والاتحادات وحتى هياكل رسمية تحذر من تردي الوضع إلى الأسوإ ومن بين هؤلاء ما ذهب إليه محافظ البنك المركزي الشادلي العياري الذي أشار إلى أن تونس قد تصل مع نهاية سنة 2013 إلى وضع كارثي بسبب التضخّم المالي غير المعهود الذي بلغ 6% وهي نسبة لم تصلها تونس منذ السبعينات حسب قوله، داعيا إلى اتباع سنتين من التقشف حتى يستعيد الاقتصاد جزءا من عافيته. وعوض الاقتراض لسداد أجور 700 ألف موظف أو ما يزيد أو انتظار هبة من دولة عربية أو أوروبية ألم يكن من الأجدى استغلال ما تمت مصادرته من أملاك بن علي وأصهاره أو ضخ ما سيتم بيعه في ميزانية السنة الحالية أو القادمة؟ هل هناك سوء تصرف في ملف المصادرة منذ استصدار المرسوم عدد 13 لسنة 2011 المؤرخ في 14 مارس 2011 المنظم للمسألة؟ هل وقع تسييس هذا الملف حسب رأي عدد من الخبراء- أم غياب الحنكة في التعاطي معه جعله يفقد قيمته كملف؟ وما سرّ ما اعتبره البعض غموضا في عمليّة التفويت في ما تمت مصادرته من أملاك؟. قدم القاضي نجيب هنانة رئيس لجنة المصادرة منذ أيام في جلسة الاستماع باللجنة التأسيسية للإصلاح الإداري ومكافحة الفساد بالمجلس التأسيسي، تقريرا تحدث فيه عن آخر جرد قامت به لجنته لحصر الأملاك المصادرة، حيث بين أن مجموع ما تمت مصادرته للرئيس المخلوع وعائلته وأصهاره البالغ عددهم 114 شخصا وصل إلى حدّ 15 أوت الماضى 600 شركة و514 عقارا وأكثر من 120 ألف مليون دينار و188 سيارة و11 يختا من بينها 4 مسروقة وعشرات الآلاف من المنقولات التابعة لأثاث المنازل وبعض وسائل الترفيه. لا يختلف اثنان في أن القيمة المالية لما تمت مصادرته من املاك قد تفوق ما تبحث عنه الحكومة لدى البنك الدولي او دول عربية وأوروبية من قروض وهبات لإنقاذ الاقتصاد. كما ان حسن التصرف في هذه الأملاك من شركات وعقارات ومنقولات وبيعها وفق ما تقتضيه الحاجة سيقفل امام تونس ولو لفترة لا بأس بها باب سياسة التقشف التي ارتأت الحكومة انتهاجها كحل للحيلولة دون دخول الى منطقة اللاعودة والتي تكون خاتمتها عادة الإفلاس. غياب الشروط.. عجزت حكومة حمادي الجبالي المستقيلة عن تأمين 1200 مليار مدرجة في الميزانية التكميلية لسنة 2012، وحتى الحكومة الحالية لم تقدر على توفير هذا المبلغ، فما بالك بما هو مطروح أمامها للتصرف وعرضه للبيع من عقارات ومئات الشركات والعدد الهائل من المنقولات وغير ذلك..؟ تتميز عملية التفويت في الأملاك بشيء من الغموض وبعدم تحديد إجراءات واضحة ودقيقة لكيفيّة التصرّف والمراقبة والتفويت والمقاييس المعتمدة في تحديد الثمن، على نحو جعل خبراء في المجال يتساءلون عن مصلحة تونس كدولة من هذا التعاطي؟ وهو سؤال أجاب عنه معز الجودي الخبير الاقتصادي ورئيس جمعية الحوكمة في حديثه ل»الصباح الأسبوعي» عندما شدّد على ان «ملف الشركات المصادرة وقع التلاعب به وتسييسه». ويذكر ان الاتحاد العام التونسي للشغل قد طالب سابقا بإبقاء هذه الشّركات ملكا عموميّا خدمة للاقتصاد الوطني والصالح العام حيث أكد الأمين العام المساعد سامي الطاهري في حديث صحفي انه «بهذا التمشي ستكون الدولة المستثمر الرئيسيّ لها وبذلك سيتم توجيه عائدات الشركات المصادرة لمقاومة البطالة والفقر. فقدان القيمة.. تعدّ كل الأرقام والتقارير الاقتصادية والبيانات المالية أنّ مساهمة الشركات المصادرة من الناتج الدّاخلي الخام تبلغ نحو 22 %، إذ تضمّ أكبر المؤسّسات وأهمّها مساهمة في الاقتصاد التونسي من حيث رقم المعاملات لكن وكما يقول معز الجودي «فان حكومات ما بعد انتخابات 23 اكتوبر كانت مطالبة بالاعتناء بهذا الملف للحيلولة دون المحافظة على مؤسسات اقتصادية قوية حينها لكن وبسبب سوء الادارة والتسيير تراجع سعرها لخسارتها لجزء هام من قوتها». لقد تمّ توظيف هذا الملف كغيره من الملفات سياسيا في بلد سيست نخبته كل المواضيع حيث قال الجودي في هذا السياق «إن بيع عدد من الشركات والاملاك المصارة تم وفق مصالح سياسية تنضوي في اطار تمويل للاحزاب». فالملف وكما أكده محدثنا «اتخذ منحى سياسيا بامتياز على حدّ تعبيره واصبح موضوعا للمقايضة وبالتالي كان سببا لتمعش البعض واستثرائهم» على حدّ تعبيره. بالتوازي مع تراجع القيمة المالية لهذه الشركات عند بيعها فقد خسرت تونس معها كفاءات وطنية من أفضل الخبرات على المستوى الوطني. غياب.. غابت مساهمة الموارد المالية المتأتية من بيع الأملاك المصارة في ميزانية الدولة للسنة الحالية فيما ستسجل حضورها بالغياب في ميزانية 2014 التي أعطيت لها إشارة الانطلاق في تعبئة الموارد لها، ولعل السبب واضح فالحكومة السابقة عجزت الى الآن عن توفير جزء بسيط من مجموع ما تمّت مصادرته. ويذكر انه تمّ التفريط في مجموعة من الشركات والسيارات وبعض المنقولات فيما سيتم التفويت في بعض الشركات قبل نهاية سنة 2013 على غرار شركة «سيتي كار» للسيارات (كيا)، و»تونيزيانا» للاتصالات، والمدرسة الدولية بقرطاج، و»بي بي أ» (Princess Private Aviation) :(50)، وإسمنت قرطاج، وشركة «ستافيم» للسيارات (بيجو)، وشركة «ألفا فورد» للسيارات، وشركة «ألفا الدولية»، وشركة «ألفا هونداي»، وشركة «إيفي» (رينو تراكس). يبقى هذا الملف شأنا وطنيا بامتيازسيجعل من القائمين عليه أمام مسؤولية جسيمة لأنه بحسن التصرف فيه يمكن لتونس الخروج من مأزقها الحالي، لكن ومثلما أكده محافظ البنك المركزي الشادلي العياري الذي دق ناقوس الخطر في أكثر من مرة: «الحل بيد النخبة السياسية».