قالت حركة النهضة إن أي دعوة للمصالحة الوطنية يجب أن تركز أساسا على مبدأ العدالة الانتقالية وليس على حسابه، مشيرة إلى أن تصريحات الرئيس التونسي حول هذا الأمر "تحمل بعض الغموض". وكان الرئيس الباجي قائد السبسي دعا خلال خطابه في عيد الاستقلال إلى إرساء "مصالحة وطنية تشمل الجميع"، داعيا إلى رفع كافة القيود عن رجال الأعمال المعنيين بعد صدور الأحكام القضائية في شأنهم، وإيجاد إطار قانوني لهذا الصلح من أجل غلق الملف نهائيا. وقال لصحيفة "القدس العربي" النائب والقيادي البارز في حركة النهضة عبد اللطيف المكي إن تحقيق المصالحة الوطنية يجب أن يأتي بعد "إظهار الحقيقة والمحاسبة في كل ما وقع من جرائم وذلك ضمن قانون العدالة الانتقالية الذي يقوم على المصارحة (الاعتراف) والمحاسبة ومن ثم المصالحة، وهذا ما اتفق عليه التونسيون جميعا في وقت سابق". وأضاف "ما طرحه رئيس الدولة أمر غامض، فنحن على مستوى المبدأ نرحب بكل جهد لدعم المصالحة الوطنية، ولكن على مستوى التنفيذ والتفصيل فأي دعوة للمصالحة الوطنية يجب أن لا تمس العدالة الانتقالية بل يجب أن تدعمها، وسننتظر لنرى إن كانت دعوة رئيس الجمهورية هي مبادرة تحوي مضمونا وتفصيلا ينتظر التوضيح، أم أنها مجرد دعوة على مستوى المبدأ، وفي الحالة الأخيرة نحن نساندها، رغم أننا نعتقد أن العدالة الانتقالية ستحقق هذه المصالحة". وكان المستشار السياسي لرئيس الجمهورية، محسن مرزوق، أكد في تصريح إذاعي أن ما أشار إليه قائد السبسي هو «مشروع قانون العفو والمصالحة الوطنية» الذي يتم العمل عليه حاليا، ويهدف إلى "إحداث إصلاحات هيكلية وجوهرية مؤلمة بهدف العفو والمصالحة السياسية الشاملة". كما أكد أن المشروع يهدف أيضا إلى المصالحة الاقتصادية من خلال "النظر في ملف رجال الأعمال والعفو عن الأموال بالخارج»، فضلا عن "إصلاح القطاع البنكي ومجلة (قانون) الاستثمار بشكل أكثر جرأة لتحرير الاقتصاد من سيطرة الامور السياسية والإجراءات الإدارية". ويعلق المكي على هذا الأمر بقوله «ما تم تداوله حتى الآن حول هذا الموضوع هو مجرد حديث، وإذا كان ثمة قانون فيجب أن يُعرض على البرلمان، وأعود للتأكيد بأن قانون العدالة الانتقالية يتضمن أيضا الجانب الاقتصادي". ويضيف "المصالحة الوطنية هي مبدأ أخلاقي سامٍ المقصود منه هو توحيد جهود تونس لتمضي للأمام في تحقيق العدالة الانتقالية ودعم الحرية، وأي مبادرة لدعم هذه المصالحة يجب أن لا تلغي مبدأ أخلاقيا آخر اسمه: إقامة العدالة ومعرفة الحقيقة". وكان بعض المراقبين حذروا من أن يؤدي القانون الجديد إلى إلغاء أو تعطيل عمل هيئة «الحقيقة والكرامة» المكلفة أساسا بملف العدالة الانتقالية. ويقول "أعتقد أن مخاوف الناس من المس بالعدالة الانتقالية في محلها، وقد لاحظنا خلال الحملة الانتخابية بعض الهمز من طرف حزب رئيس الجمهورية (نداء تونس) ضد العدالة الانتقالية، رغم أن الأخيرة هي عبارة عن صيغة وفاقية ومتحضرة وتعلن المصالحة مسبقا بعد المرور بمسألة المصارحة والمحاسبة، لأن هناك الكثير ممن أساءوا لهذا الوطن ولا يريدون حتى الاعتراف بأنهم اقترفوا جرائم سياسية أو اقتصادية ضد المجتمع». ويضيف "كيف يمكن الحديث عن مصالحة دون أن يعترف هؤلاء بما اقترفوه؟ وهذه هي أهمية مرحلة المصارحة في منظومة العدالة الانتقالية، بمعنى: اعترف بما قمت به ثم نتحاسب لتظهر الحقيقة، وربما تتكفل الدولة بإصلاح الضرر للناس وتعويض المتضررين، ثم تأتي المصالحة". وكان المكي عبّر قبل أيام عن خشيته في أن تدخل مبادرة قائد السبسي للمصالحة الوطنية في إطار «تبادل المصالح بين نداء تونس وبعض رجال الأعمال الّذي مولوا اعتصام باردو (الذي أدى لاحقا لاستقالة حكومة علي العريض)». ويوضح هذا الأمر بقوله «قدمت نصيحة لأحد قياديي نداء تونس خلال حوار إذاعي، حيث قلت له: إن مسؤوليتكم الأخلاقية تتجلى في ألا تقعوا بفخ تسديد فاتورة من موّل اعتصام باردو، بمعنى ربما يُقدم لهم هذا المشروع (المصالحة) على أنه دعم للاستثمار على اعتبار وجود رجال أعمال معطلون عن الاستثمار بسبب منعهم من السفر». ويضيف "هذا الأمر حاول البعض أن يفعله مع حكومتنا نحن (النهضة) سابقا، وعندما نظرنا بالأمر لم نجد من الممنوعين من السفر إلا عددا قليلا جدا من رجال الأعمال الحقيقيين الذين يستثمرون ولهم مشاريع ومصانع ويصدرون ويشغّلون، والبقية هم مضاربون ومهربون، والذي قام بمنعهم من السفر هو القضاء وليس السلطة التنفيذية، وتم ذلك استنادا إلى قوانين البلاد"