عمال المناولة بمطار تونس قرطاج يحتجون    بدرة قعلول : مخيمات ''مهاجرين غير شرعيين''تحولت الى كوارث بيئية    أول بؤرة للحشرة القرمزية في القصرين    حكم الشرع للتداين لشراء الأضحية.. التفاصيل    الهواتف الذكية تتجسس على البشرية وعلى التفاصيل اليومية ماالقصة ؟    فوز التونسي محمد خليل الجندوبي بجائزة افضل لاعب عربي    مجاز الباب: تفكيك وفاق إجرامي.. التفاصيل    الحماية المدنية: تسجيل 15 حالة وفاة و500 إصابة في حوادث مختلفة    أعمارهم بين 13 و16 سنة.. مشتبه بهم في تخريب مدرسة    يهم محبي القطط : آثار ضارة على الصحة العقلية و دراسة على الخط    جدل حول آثار خطيرة للقاح أسترازينيكا مالقصة ؟    حفاظا على توازناته : بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة يرفع رأس ماله الى 69 مليون دينار    الرابطة الأولى: تعيينات حكام مقابلات الجولة الأولى إيابا لمرحلة التتويج    البحيرة: إخلاء محيط مقر مفوضية شؤون اللاجئين من المهاجرين الأفارقة    الرابطة المحترفة الاولى – مرحلة التتويج – الجولة 6: جولة القطع مع الرتابة    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الجمعة 3 ماي 2024    نبيل عمار يستقبل البروفيسور عبد الرزاق بن عبد الله، عميد كلية علوم الكمبيوتر والهندسة بجامعة آيزو اليابانية    تشيلسي يفوز 2-صفر على توتنهام ليقلص آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الاوروبية    البطولة الوطنية : تعيينات حُكّام مباريات الجولة الثانية إياب من مرحلة تفادي النزول    معهد الصحافة يقرر ايقاف التعاون نهائيا مع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية بسبب دعمها للكيان الصهيوني    مقتل 20 شخصا على الأقل جراء حادث سقوط حافلة في واد بهذه المنطقة..#خبر_عاجل    زلزال بقوة 4.2 درجة يضرب إقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان    اليونسكو تمنح جائزة حرية الصحافة للصحافيين الفلسطينيين    حالة الطقس ليوم الجمعة 03 مارس 2024    إيقاف 3 أشخاص من بينهم مفتش عنه من أجل السرقة وحجز 3 قطع أثرية بحوزتهم    طقس اليوم الجمعة    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    عاجل/ الأمن يتدخل لاخلاء محيط مقر مفوضية شؤون اللاجئين في البحيرة من الأفارفة..    بلدية تونس: حملة للتصدي لاستغلال الطريق العام    العمل شرف وعبادة    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    "أنثى السنجاب".. أغنية أطفال مصرية تحصد مليار مشاهدة    إصابة 8 جنود سوريين في غارة صهيونية على مشارف دمشق    بايدن يتحدى احتجاجات الطلبة.. "لن أغير سياستي"    أبناء مارادونا يطلبون نقل رفاته إلى ضريح في بوينس آيرس    الجامعات الغربية تخاطب النظام العالمي الأنغلوصهيوأميركي.. انتهت الخدعة    وفاة الممثل عبد الله الشاهد‬    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان عبد الله الشاهد    صفاقس : غياب برنامج تلفزي وحيد من الجهة فهل دخلت وحدة الانتاج التلفزي مرحلة الموت السريري؟    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    باجة.. تفكيك شبكة ترويج مخدرات وحجز مبلغ مالي هام    قضية التآمر على أمن الدولة: رفض مطالب الافراج واحالة 40 متهما على الدائرة الجنائية المختصة    الترجي يقرّر منع مسؤوليه ولاعبيه من التصريحات الإعلامية    عاجل/ إستقالة هيثم زنّاد من ادارة ديوان التجارة.. ومرصد رقابة يكشف الأسباب    شوقي الطبيب يرفع إضرابه عن الطعام    البنك المركزي يعلن ادراج مؤسستين في قائمة المنخرطين في نظام المقاصة الالكترونية    وزارة التجارة: المواد المدعّمة تتصدّر قائمة المخالفات الاقتصادية    بحّارة جرجيس يقرّرون استئناف نشاط صيد القمبري    هام/ الترفيع في أسعار 320 صنفا من الأدوية.. وهذه قيمة الزيادة    بنزيما يغادر إلى مدريد    إرتفاع أسعار اللحوم البيضاء: غرفة تجّار لحوم الدواجن تعلق وتكشف..    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    يهم التونسيين : حيل منزلية فعالة للتخلص من الناموس    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السوريون في تونس: المأساة المتواصلة
نشر في الصباح نيوز يوم 23 - 10 - 2015

تعود أطفال حي التضامن، أكبر الأحياء الشعبية كثافة سكانية بالعاصمة، على جاريهما شادي (5 سنوات) وريما (4 سنوات)، القادمين من حارات حمص بسوريا قبل نحو عامين، هما يقطنان منزلا متواضعا مازال لم يكتمل بناؤه مع والديهما محمد فواز وساجدة وهو منزل وفره لهم أحد "أهل الخير" على حد قول الزوج محمد فواز.
شادي صغير السن، غير ان ذاكرته ما زالت تستحضر جيدا تفاصيل المشهد الدامي في سوريا، اسر الينا بكل براءة بأنه يحن الى بيته في حمص والى أترابه لكي يواصل معهم لعبة "الدقة" (الملاحقة) وألعاب "الدحل" (التباري على رمي الكرات الزجاجية الصغيرة).
قال "مازال صدى وابل الرصاص يتردد في اذني الى حد الان، أخشى العودة الى بيتنا فلا اجده او اصدقائي في الحارة فلا اعثر عليهم" وتابع "ليش هجموا علينا؟ ليش بعدونا عن بيتنا؟".
اغرورقت عينا ساجدة بالدموع بعد تساؤلات طفلها البريئة وقالت بصوت متهدج "طفلاي شاهدا كل الخراب وعايشا كل لحظات الموت والدمار الذي لحق بحمص، والى الان يستفيقان مذعورين من الكوابيس التي تقض مضجعهما كل ليلة تقريبا".
وتابعت "لقد عشنا اياما عسيرة ذقنا خلالها ويلات الخوف والرعب من ان تهاجمنا العصابات المسلحة، كما عانينا الجوع اياما عندما خرجنا من حمص وبتنا انا وزوجي على الطوى حتى نوفر طعاما لطفلينا ولا نحرمهما لقيمات لسد رمقهما".
" زوجي كان له محل لصنع الحلويات الشعبية في حمص التي تشتهر بمأكولاتها وأهمها التمرية والكنافة...هناك في حمص تركنا املاكنا التي نهبتها هذه العصابات واتينا الى تونس بحثا عن ملاذ آمن لعائلتي وعن ظروف عيش افضل".
وواصل زوجها سرد مزيد تفاصيل هذه المحنة قائلا "لو واصلنا البقاء هناك في حمص، لكنا الآن في عداد الموتى على يد تلك العصابات المسلحة، كانت تهجم على المنازل وتنهب وتقتل بدم بارد ولا تتورع عن اغتصاب نسائنا وبناتنا ولكن لم نذعن لمشيئة الموت وخيرنا النفاذ بجلدنا والمجازفة بالهجرة الى المجهول على البقاء في انتظار الموت ذعرا وغيظا في كل لحظة".
روت ساجدة ان جيرانها التونسيين هبوا لمساعدتها ووفروا لعائلتها المسكن المجاني والاغطية والفرن وحتى ملابس طفليها شادي وريما، بالإضافة الى تكفل بعض الاجوار اسبوعيا بتوفير الضروري من لوزام الاستهلاك، كما تتلقى مساعدة مالية من بعض الجمعيات".
"لم نشعر بالغربة او الحرمان بين التونسيين لكن القلب هناك في سوريا، ويبقى أملنا قائما في العودة اليها ذات يوم".
غير بعيد عن هذا الحي تعيش بلقيس في العقد الخامس من عمرها مع عائلتها في حي المنيهلة قالت "توفيت والدتي ولم أستطع العودة الى حلب لتوديعها الوداع الاخير لأنه ليس لدي وثائق الاقامة القانونية بتونس، هربت رفقة زوجي احمد وابنائي والعديد من السوريين الى تونس بعد اندلاع المعارك في بلدنا".
اضطرت بلقيس في سوريا الى بيع اثاث بيتها ومصوغها لكي تتمكن من مجابهة مصاريف السفر، في البداية قصدت الاردن ثم قدمت مباشرة منها الى تونس مع زوجها وابنيها واستقرت بهذا الحي نظرا لانخفاض تكاليف الايجار والمعيشة فيه مقارنة بمناطق اخرى من العاصمة.
وعن كيفية مجابهة العائلة للمصاريف اليومية وتوفير قوتهم قالت بلقيس "ابناي أحدهما يعمل في مخبزة الحي وآخر في مطعم بالعاصمة مختص في الاكلات السورية هما من يتوليان الانفاق على الاسرة كما يتوليان دفع معلوم كراء المنزل الذي يبلغ 200 دينار".
ولم تخف مع ذلك صعوبة العيش في تونس بسبب قلة ذات اليد، خاصة وأنها تعاني من امراض مزمنة (السكري وضغط الدم) وتضطر الى اقتناء الادوية من الصيدلية.
احمد الجاسر زوج بلقيس لم يرد الحديث سوى عن مدينة حلب روى ذكريات تحمل في طياتها حنينا وتأثرا للحال الذي اصبحت عليه "الشهباء" كما يحلو له تسميتها، قال "حلب اهدت إلى الفن العربي كبار المطربين، علي درويش، صباح فخري، ميادة الحناوي".
"فيها قلعة حلب الشهيرة التي أمر سيف الدولة الحمداني بتشييدها وعاش في بلاطه اشهر شاعرين عربيين: ابو الطيب المتنبي وابو فراس الحمداني".
"ما زلت اتذكر أصوات الباعة في أسواق حلب التي تقبع الآن تحت القصف وهي التي صنفت من قبل اليونسكو كأطول الاسواق في العالم كما دخلت موسوعة غينيس العالمية فهي تعد 37 سوقا لا يقل طولها عن 15 كلم.
وتابع "في هذه الاسواق بهارات حلب الشهيرة ومحلات العطور وصابون الغار والاقمشة الحلبية الحريرية والسجاد التقليدي...
ثم استدرك "تلك الضجة التي الفناها وتلك الحركة النشيطة احيلت اليوم على الصمت المطبق لا يقطعه سوى اصوات طلقات السلاح والتفجيرات".
وأكد ان هذه "الحرب على سوريا فيها نية مقصودة لتهجير السوريين من بيوتهم، كان الرصاص يطلق عمدا على المنازل، كانوا يقتلون كل من يصادفهم وينهبون البيوت" وتابع بلهجته الحلبية "بس وين ما كنا برا الوطن ...جواه .. رح تبقى سوريا ورح تتعافى".
قصة ابو مصطفى (اسم مستعار) من ادلب لم تختلف كثيرا عن قصص بقية السوريين، سرد مأساته وطلب عدم الكشف عن هويته قائلا "كان مصيرنا يكتنفه الغموض في سوريا ولم يخل طريقنا من المعاناة والمخاطر، تعرضنا الى ابتزاز وسطاء التهريب على الحدود التونسية الجزائرية".
وتابع "قدمت مع عدد من السوريين الى الجزائر بطريقة قانونية سنة 2012 وكانت حينها الدولة الجزائرية لا تفرض تأشيرة دخول على السوريين، وقد لجأ عدد كبير من السوريين في الجزائر الى الهجرة نحو اوروبا عبر ليبيا متسللين من المناطق الحدودية وصولا الى المناطق الساحلية لركوب قوارب المهربين نحو ايطاليا"، مضيفا ان الفرد الواحد كان يدفع نحو 300 دولار للمهربين.
واوضح ابو مصطفى انه منذ جانفي 2015 قامت السلطات الجزائرية بفرض تأشيرة الدخول على السوريين خشية تسلل ارهابيين بينهم، كما شددت الرقابة على المتسللين نحو ليبيا، بالإضافة الى أن اجراءات الاقامة بمراكز الايواء أصبحت أكثر تعقيدا، حينها غير العديد منهم الوجهة وأصبحوا يتسللون عبر تونس التي يرون فيها طريقا مختصرا نحو أوروبا.
وعن دوافع هؤلاء للمخاطرة بأرواحهم وأرواح اطفالهم قال "في سوريا أصبح الوضع قابلا لكل شيء سوى للحياة، لا عمل هناك ولا امان"
وتابع قوله "بعد ان ضاعت سوريا ودمرتها العصابات صار العديد من السوريين يبحثون عن جنسية بلد آخر ويعتبرون ان أوروبا تحترم حق اللاجئين على عكس البلدان العربية و"ما يجبرك على المر الا الامر منه" على حد تعبيره.
هذه العائلات السورية التي لجأت الى تونس بعد الحرب في سوريا، هي عينة من مأساة السوريين الذين وحدهم حب أرض الشام والحنين اليها وفرقتهم الحرب فاختلفت قصة كل واحد فيهم.
فهم بين مقيم بتونس منذ سنوات، او لاجئ نفذ من جحيم الحرب المستعرة في سوريا، ودخل الى تونس قبل قطع العلاقات الديبلوماسية مع سوريا سنة 2012 بطريقة شرعية او بعدها خلسة من الحدود المجاورة، ومنهم من نجح في التسلل الى تونس بمساعدة مهربين وخير عدم ابلاغ السلطات التونسية او المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في انتظار فرصة سانحة للهجرة مجددا وبطريقة غير شرعية نحو اوروبا.
وتقدر جل تقارير المنظمات الانسانية بتونس ان عدد السوريين في تونس يناهز 4 آلاف سوري وما عدا ذلك لا توجد معطيات او احصائيات دقيقة حول اوضاعهم في تونس، ولا عن كيفية قدومهم اليها ولا عن ظروف عيشهم ولا حتى الصعوبات التي يواجهونها في تونس.
وقد كشفت دراسة انجزتها مؤسسة "سيغما كونساي" بالشراكة مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة والهلال الاحمر التونسي والجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل في أفريل 2015 ان ثلاثة ارباع السوريين دخلوا تونس بطريقة شرعية غير ان معظمهم يعيشون بطريقة غير قانونية ناجمة عن انتهاء صلوحية شهادات اقامتهم.
وأفادت نفس الدراسة التي تم تقديمها في أوت المنقضي أن 89 بالمائة من الجالية السورية تعيش في احياء شعبية متاخمة للعاصمة وان 36.6 بالمائة منهم قدموا من العاصمة السورية دمشق و30.1 بالمائة من مدينة حمص و17.6 بالمائة منهم قدموا من مدينة ادلب.
مقيمون.. مع تأجيل التنفيذ
فئة ثانية من السوريين في تونس، قد تبدو وضعيتها أفضل حالا ممن دفعتهم الحرب الى الهجرة، هم المقيمون من السوريين في تونس منذ سنوات.
هؤلاء بدورهم كشفوا عن معاناة من نوع آخر جراء تواصل اغلاق السفارة السورية بتونس منذ سنة 2012 ما أعاق حصولهم على الوثائق الادارية كتجديد جوازات السفر والحصول على شهادة الاقامة في تونس او تجديدها وخلق لهم صعوبات في التنقل والعيش في تونس.
"العديد منا يواجه صعوبات في تجديد جواز سفره وفي تسوية وثائق اقامته في تونس وحتى في استخراج الوثائق المدنية الاخرى كتسجيل المواليد الجدد وحالات الوفيات، السوريون المقيمون في تونس يمرون بصعوبات حقيقية بسبب تواصل اغلاق السفارة السورية بتونس" بحسب رئيس جمعية الجالية السورية بتونس طلال حسن.
وأوضح رئيس الجالية السورية ان هذه الصعوبات تتعلق بالتأخير في الحصول على شهادات الاقامة او في تجديدها من ادارة الحدود والجوازات بوزارة الداخلية في تونس، مشيرا الى ان هذا التعطيل يصل الى أشهر وحتى إلى السنة في بعض الحالات.
وقال "في البداية ارجعنا هذا التأخير الى قطع العلاقات الديبلوماسية بين البلدين لكن الان ازداد الامر سوءا فبعد ان كان تجديد الاقامة لا يتجاوز اسابيع او بضعة أشهر على الاكثر اليوم، أصبح الحصول على الاقامة يتجاوز السنة".
أما نائب رئيس جمعية الجالية السورية بتونس، حسن دياب، وهو في نفس الوقت استاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس المنار، فقد بين انه دون الحصول على شهادة الاقامة فان السوريين يعتبرون بحسب القانون التونسي مقيمين بطريقة غير قانونية مما يجعلهم عرضة للتتبعات التي تصل الى دفع غرامة ب 80 دينارا عن اليوم الواحد بداية من انتهاء تأشيرة الدخول الى تونس او منذ يوم انتهاء شهادة الاقامة حسب القانون التونسي.
وبالنسبة لتجديد جوازات السفر افاد ان السوريين المقيمين في تونس يلجؤون الى السفارة السورية بالجزائر المكلفة حاليا من السلطات السورية بإدارة شؤون الجالية السورية بتونس.
وحتى في هذه الحالة أكد حسن دياب ودون الحصول على شهادة اقامة فان السوري لا يمكنه مغادرة التراب التونسي للذهاب الى الجزائر لتجديد جواز سفره لأنه يعد من وجهة نظر القانون مقيما بطريقة غير شرعية وسيتم القبض عليه بتهمة اجتياز الحدود.
وتابع "السلطات الامنية التونسية تتفهم في غالب الاحيان الوضع الدقيق الذي يمر به السوريون في تونس لكن السوريين أنفسهم أصبحوا مقيدين في تنقلاتهم بسبب غياب هذه الوثائق القانونية كما ان اغلبهم يعملون في التجارة وفيهم من توقفت تجارته بسبب عدم الحصول على هذه الوثائق".
واعتبر ان الحل لهذه المعضلة يتمثل في اعادة التمثيل الديبلوماسي في تونس.
وباتصالنا بوزارة الداخلية نفى الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية وليد الوقيني حصول تأخير او تعطيل في اجراءات منح شهادات الاقامة او في تجديدها بالنسبة للسوريين المقيمين على ارض تونس.
وافاد ان حدوث التأخير بالنسبة لبعض الحالات قد يكون ناجما بالأساس عن نقص في الوثائق بالملفات التي يتقدم بها السوريون وفي حال استكمالها يحصلون على شهادات الاقامة في الآجال القانونية.
غجر سوريا...في تونس
فئة ثالثة من السوريين تسترعي بلهجتها السورية انتباه المارة بعد ان اتخذت من المساجد والفضاءات العامة اماكن تستجدي فيها عطف الناس في ظاهرة انتشرت في تونس بكثرة خلال السنتين الأخيرتين.
هؤلاء لجؤوا للتسول امام المساجد والفضاءات العامة في شوارع تونس مشهرين جوازات سفرهم او هوياتهم لمزيد التأكيد على انهم سوريون ويطلبون المساعدة هم "النور" (بفتح الواو) في سوريا بحسب ما افادنا به كاتب عام جمعية الجالية السورية بتونس شوقي راجح واوضح ان "النور" هو اسم يطلق في سوريا على الغجر وهم الرحل الذين يتنقلون من مكان الى آخر وأغلبهم من ريف حمص وحلب و يمتهنون التسول ابا عن جد في سوريا كما يمتهنون مهنة "طبيب اسنان متنقل" وهي حرفة تتمثل في صناعة الاسنان وابدالها بالمقاهي والفضاءات العامة بطريقة غير مشروعة.
وقال "النور دخلوا تونس عبر الجزائر بعد أن رفضوا العيش داخل المخيمات المخصصة لهم في الجزائر والعديد منهم تمكن من المغادرة الى مصر.
ونفى ان يكون المتسولون من اللاجئين السوريين معتبرا ان "هذه الصورة مسيئة للسوريين في تونس وبسببها صار البعض يتحدث عن انتشار تسول السوريين في تونس بناء على لهجتهم السورية".
واضاف انه "من غير المنطقي ان يقطع كل هذه المسافة من سوريا وعبر عدة دول ليصل الى تونس وما يتطلبه ذلك من تكلفة مادية باهظة من اجل التسول في تونس، فالأحرى منطقيا ان تبقى هذه الفئة في الدول الاقرب دون تكبد عناء السفر او دفع اموال طائلة من اجل المجيء الى تونس للتسول."
وافاد ان المقيمين السوريين في تونس لا يتجاوز عددهم ألف سوري وبالنسبة للوافدين على تونس بطريقة غير شرعية فقال انه لا توجد احصائيات رسمية ولكن المعطيات تشير الى ان عددهم يتراوح بين 3 و4 آلاف، مرجحا عدم ابلاغهم السلطات التونسية عن وجودهم خوفا من اعادة ترحيلهم، كما ان المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أكدت ان عدد اللاجئين السوريين المسجلين لديها يفوق 600 لاجئ .
واضاف ان المتسللين دخلوا مقابل مبالغ تتراوح بين 300 و500 دينار للفرد الواحد عبر الحدود الجزائرية اما الاخرون فدخلوا الى تونس بجوازات سفرهم وبطريقة شرعية قبل ان تقطع تونس علاقاتها الديبلوماسية مع سوريا.
وقال الدكتور شوقي راجح ان المهجرين إلى أروربا ليسوا جميعهم من السوريين كما يتم الترويج له، مؤكدا أن هذه النسبة لا تتجاوز حاليا 35 بالمائة، وفق تقديره كما كشف عن وجود كميات كبيرة من جوازات السفر والوثائق المدنية السورية المزورة تمكن أصحابها من الوصول الى اوروبا والى عديد الدول ومنها تونس التي يعتبرونها بالأساس منطقة عبور الى أوروبا.
ومن جهته، افاد ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تونس، مازن ابو شنب، ان عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية هم في حدود 650 لاجئ، مرجحا ان يكون عددهم اعلى بكثير.
وأكد ان المسجلين يتمتعون بمنح واعانات من المفوضية وشركائها، موضحا ان المفوضية تقوم عند كل طلب لجوء على الاراضي التونسية ببحث للتأكد من أسباب اللجوء ومن استجابة طالب اللجوء الى الشروط المنصوص عليها ومنها ان يعيش في بلده الام حروبا او اوضاعا غير مستقرة.
وشدد ابو شنب على ان المفوضية لا تمنح شهادات الاقامة في تونس، مبينا ان شهادة اللجوء المسلمة من قبل المفوضية تثبت ان حامل الوثيقة "لاجئ" ويتمتع بحقوق اللاجئ.
وينص دستور تونس الجديد على حق اللجوء، علما وان تونس اعدت مشروع قانون خاص بحق اللجوء مازال في انتظار عرضه ومناقشته على مجلس نواب الشعب.
وتقوم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بتونس حاليا بقبول مطالب اللجوء ودراستها وتحديد وضعيات اصحابها وتسلم مطالب اللجوء الى شريك المفوضية الهلال الاحمر التونسي المتواجد في كل من ولايات تونس ومدنين وصفاقس وتطاوين واضاف ان المفوضية تقوم بمعية الهلال الاحمر بزيارات ميدانية لضبط حاجيات اللاجئين السوريين وتقديم المساعدات لهم، مشيرا الى ان هذه المساعدات تكون ظرفية وفقا لتقييم الحالات.
وتحدث الكاتب العام لجمعية الهلال الاحمر التونسي الطاهر الشنيتي عن التجربة التي اكتسبتها تونس في مجال استقبال اللاجئين قائلا "هذه التجربة كانت محل تقدير العالم لما استقبلت تونس سنة 2011 آلاف الليبيين مما جعلنا نعالج الاوضاع الانسانية حاليا بأكثر حرفية وثقة".
وقال ان الحكومة التونسية والسلط الجهوية ملتزمة بحماية اللاجئين السوريين وهي توفر كل التسهيلات للمنظمات الانسانية لإنجاح هذا العمل الانساني. كما تعتبر انه لا فرق بين التونسيين واللاجئين السوريين وتعاملهم نفس المعاملة وأكبر دليل على ذلك هو احتضان ابناء العائلات السورية والليبية وتيسير التحاقهم وتسجيلهم في المدارس العمومية التونسية.
وفي هذا الصدد افاد مدير عام المرحلة الابتدائية بوزارة التربية كمال الحجام ان عدد التلاميذ السوريين في المدارس الابتدائية التونسية بلغ أكثر من 40 تلميذا في السنة الدراسية الحالية موزعين على المندوبيات الجهوية للتربية بكل من مدنين وصفاقس 1 وقابس وقبلي وقفصة واريانة وتونس 2 وبنزرت ونابل والمهدية وسيدي بوزيد
وأضاف ان من شروط التسجيل توفر الشغور بالمدرسة المطلوبة وفي حال عدم توفر الشغور فانه يتم توجيه الولي نحو مدرسة اخرى كما يشترط تقديم الوثائق الخاصة بالطفل ومنها مضمون الولادة وشهادة تثبت المستوى التعليمي الذي بلغه في المدارس السورية وشهادة اقامة للوالدين وفي صورة تعذر توفر هذه الوثائق فانه يتم اعتماد وثيقة التصريح على الشرف من الولي بشأن سن التلميذ ومستواه الدراسي في سوريا.
واشار كمال الحجام الى انه يتم بالإضافة الى ذلك تشخيص مستوى التلميذ من خلال اختبار كتابي في المندوبية الجهوية للتربية ثم يتم على ضوء ذلك تحديد القسم المناسب الذي يمكنه الالتحاق به.
وافاد ان العديد من التلاميذ السوريين تلقوا دروسا في اللغة الفرنسية طيلة العطلة الصيفية المنقضية بهدف تسهيل ادماجهم بشكل أكبر نظرا لان مناهج الدراسة في سوريا تعتمد على اللغتين العربية والانقليزية على عكس ما هو معمول به في تونس التي ترتكز مناهجها بالأساس على اللغتين العربية والفرنسية.
مأساة السوريين متواصلة
مأساتهم ما زالت متواصلة، وبرزت أكثر للعيان خلال الفترة الاخيرة بعد أربع سنوات ونصف من الحرب في سوريا، وذلك لما انفطرت قلوب ملايين البشر لصورة الطفل "ايلان" الملقى على وجهه وقد وصل الى شاطئ الرحيل دون تأشيرة عبور، لتطفو على سطح الاحداث محنة الشعب السوري، ويصدم العالم بحجم معاناة الشعب السوري المهجر والمشرد داخل وخارج اراضيه.
وتحدثت معظم التقارير الدولية عن غرق اكثر من 2300 شخص في حوض المتوسط خلال السبعة اشهر الاولى من سنة 2015 (المنظمة الدولية للهجرة) وذلك اثناء سعيهم الى الوصول الى اوروبا عن طريق شمال افريقيا وتركيا بينهم مئات الاطفال السوريين وافادت منظمة الامم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" مؤخرا ان عدد الاطفال السوريين الذين عبروا المتوسط باتجاه اوروبا منذ بداية السنة الحالية قد بلغ مائة ألف طفل كما تحدثت مفوضية اللاجئين بالأمم المتحدة عن وجود 4 ملايين لاجئ سوري في العالم وتزايد توافد السوريين خلال الفترة الاخيرة بأعداد كبيرة على بلدان اوروبية طالبين اللجوء والامان بعد ان عم الدمار والاقتتال عديد المناطق السورية بعضهم لا يرى جدوى في العودة الى سوريا ولكن اغلبهم يحيا على امل استعادة سوريا امنها واستقرارها ذات يوم.(وات)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.