اتفق الخبراء المشاركون في فعاليات منتدى "وات"، السبت، حول قانون المالية لسنة 2016 على ان هذا الاخير تضمن اجراءات جريئة في اتجاه الاصلاح، بيد انها تبقى غير كافية لتمكين الاقتصاد من رفع التحديات التي يواجهها. وأكد الخبير الإقتصادي معز الجودي، أن نسبة الضغط الجبائي في تونس، المقدرة بنحو 21 بالمائة، "من بين النسب الأعلى في العالم" موضحا أن هذه النسبة من شأنها أن "تحد من الإستهلاك وتعوق الإستثمار". واعتبر أن الدولة تجد نفسها مرغمة، مع وجود هذا الضغط الجبائي المرتفع، على الزيادة في النفقات والتي تستحوذفيها كتلة الأجور على حوالي 13 مليار دينار من ميزانية لا تتجاوز 29 مليار دينار. وبين المتحدث، في نفس الإطار، أن كتلة الأجور تمثل 13.6 بالمائة من الناتج الداخلي الخام و70 بالمائة من ميزانيةالنفقات، وهي ليست متأتية فقط من الزيادة في الأجور بل، خاصة، من ارتفاع الانتدابات في الوظيفة العمومية مشيرا إلى أن عدد موظفي القطاع العمومي بلغ 750 ألف موظف مقابل 800 ألف بألمانيا التي يعد سكانها 80 مليون نسمة.. وأشار إلى أن المبلغ المتبقي من الميزانية، عدا كتلة الأجور، "لا يكفي لدفع الاستثمار وانجاز مشاريع تنموية فيالجهات ناهيك عن تحقيق نسبة نمو تم ضبطها في حدود 2.5 بالمائة في 2016". وأوصى الجودي بضرورة ترشيد النفقات العمومية وإعداد برنامج لهذا الغرض داعيا الحكومة الى فتح حوار وطني مع شركائها الإجتماعيين (لاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والمجتمع المدني والخبراء) لمناقشة ملف الوظيفة العمومية من زاوية معادلة "النفقات والإنتاجية". واقترح الخبير، في ما يتعلق بالمؤسسات العمومية التي تعاني الإفلاس وتضخ فيها الحكومة سنويا 2.5 مليار دينار، أن تتم خوصصتها جزئيا أو كليا (على غرار اتصالات تونس أو المغازة العامة) ونادى بأهمية التنويع في مصادر التمويل، إذا ما ثبت أن بعضها قد يمس بالسيادة الوطنية ويفرض طلبات مجحفة من الممول على غرار الصكوك الإسلامية. وبين الجودي، في ما يهم إجراء التخفيض من سعر المحروقات ب-20 و50 مليما، أن الفائدة ستعود على المستهلك بطريقة مباشرة وأخرى غير مباشرة. وقال، في ذات الصدد، أن هذا التخفيض سيؤثر إيجايبا على كلفة الإنتاج لدى المصانع والمؤسسات وبالتالي يمكن لأسعار المنتوجات أن تشهد، بدورها، تراجعا. وأبدى المتحدث تخوفه الكبير من بلوغ العجز في الميزانية مستويات قصوى تتراوح بين 7 و8 بالمائة فيما ينص المعيار الدولي أن لا يتخطى هذا العجز 3 بالمائة. وأكد أن التمشي المتوخى في مشروع قانون المالية لسنة 2016 والمتثمل في النزول بهذه النسبة إلى مستوى 5 بالمائة، أو أقل، يعد "إنجازا إذا ما تم تنفيذه واقعيا". وذهب الجودي إلى القول بأن ميزانية التنمية التي يتم رصدها منذ أربع سنوات (5.2مليار دينار لسنة 2016) لا يتحقق منها سوى نسب تتراوح بين 20 و30 بالمائة وهو ما يجعل منها مجرد رقم "إذا لم تقترن بإنجاز المشاريع التنموية على أرض الواقع". ولفت الخبير في المخاطر المالية مراد الحطاب، من جهته، الى أن الفرضيات التي قام عليها مشروع ميزانية الدولة لسنة 2016 "كانت واقعية وقابلة للتحقيق". وبين أن ضبط نمو بنسبة 2.5 بالمائة كهدف "يمكن بلوغه بالاعتماد على جملة الاصلاحات التي يجري تنفيذها على مختلف الأصعدة. ولاحظ أن اعتماد سعر برميل البترول عند مستوى 55 دولار "صائب" لأن كل "المؤشرات الجيوستراتيجية تشير إلى أن السعر لن ينخفض إلى ما دون هذا المستوى". وأوضح الحطاب أن اعتماد سعر الصرف في حدود1.970دينار للدولار الواحد "معقول" مبينا أن المدخرات الوطنية من العملة الصعبة يمكن ان تنخفض وهو "ما سيؤثر على أسعار الصرف التي ستكون متقلبة مما سينعكس على أسعار المواد الأولية". وفي ما يرتبط بخدمة الدين التي ستكون في حدود 8000 مليون دينار خلال 2017 مقابل 5130 مليون دينار في سنة 2016، اعتبر الخبير أنها "مجحفة" خاصة وأن نسبة التداين الإجمالي تناهز، حاليا، 54.8بالمائة من الناتج الداخلي الخام. ولاحظ أن الفرضيات التي اعتمد عليها قانون مالية 2016 "تضمن حدا أدنى من التناغم بين القطاعات" داعيا إلى إعادة العمل بميزانية المواطنة، التي تم اعتمادها سنة واحدة فقط، بغاية تبسيط المعلومة لفائدة المواطن وترسيخ الشفافية.(وات)