افتتح اليوم الخميس كمال الجندوبي وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الانسان أشغال الندوة حول "دستور 2014: أي سلط وأية علاقة بينها" بمشاركة الجمعية التونسية للقانون الدستوري. وقال الجندوبي ان "تونس اليوم إزاء نظام سياسي جديد وأشكال مؤسساتية جديدة وهو ما يتطلب إصلاحات جوهرية للدولة التونسية على رأسها تركيز الهيئات الدستورية المستقلة" وفي ما يلي كلمة الجندوبي: ".. احتفلنا منذ أيام بالذكرى الثانية لصدور دستور الجمهورية الثانية لنفتتح مرحلة جديدة لاستكمال بناء الدولة التونسية في منظورها الجديد. هو منظور جديد ومختلف عن شكل الدولة الذي وضعه الدستور الأول للجمهورية التونسية، فمع دستور سنة 2014 أصبح للسلطة التنفيذية قوام جديد باعتبار استحداث مؤسسة جديدة تتمثل في رئيس الحكومة علاوة على مؤسسة رئيس الجمهورية التي بذاتها لم تعد نفس المؤسسة وأُوكلت لها صلاحيات مختلفة. السلطة القضائية "الجديدة" هي الأخرى أخذت أبعادا تدعم استقلاليتها بإحداث المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستورية. كما عرف المشهد المؤسساتي إحداث صنف جديد من الهياكل وهي الهيئات الدستورية المستقلة التي تعمل أساسا على دعم الديمقراطية وتم منحها الشخصية القانونية والاستقلالية الإدارية والمالية. وتم إحداث سلطة جديدة وهي السلطة المحلية التي تقوم على أساس اللامركزية وتتجسد في جماعات محلية على 3 مستويات وتديرها مجالس منتخبة في الأقاليم والجهات والبلديات. كما أرسى دستور سنة 2014 نظاما سياسيا جديدا مختلطا بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي وهو يختلف جذريا عن النظام الذي ميّز الجمهورية الأولى ويقتضي آليات عمل وميكانيزمات جديدة تساعد على تكريس النظام الجمهوري في بعده التشاركي ويحمي حقوق الانسان. إذا نحن اليوم إزاء نظام سياسي جديد وأشكال مؤسساتية جديدة وهو ما يتطلب إصلاحات جوهرية للدولة التونسية على رأسها تركيز الهيئات الدستورية المستقلة وتفعيل اللامركزية علاوة على تركيز المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء. من دون شك، يعتبر تركيز هذه الهياكل وانطلاق عملها تحدّيا كبيرا من الناحية القانونية والمادية والبشرية واللوجيستية وهو ما يقتضي مجهودا كبيرا لدى كل السلط المتدخلة لكن من الضروري أيضا أن ندرس جميعا مختلف أبعاد العلاقة بين كل السلط المحدثة بالدستور الجديد لسنة 2014. كما أنّه متأكد أن نتبادل الآراء ومختلف الرؤى بخصوص مكونات الإطار المؤسساتي الجديد للدولة التونسية ودراسة شبكة العلاقات بين هذه المؤسسات سواء كنا في مكونات السلط العمومية أو خبراء ومختصين أو مجتمع مدني. وهي فرصة لطرح مختلف التصورات حول الملامح الجديدة التي سيتّخذها مبدأ الفصل بين السلط وتفعيل الآليات الرقابية بينها ولمناقشة استراتيجية بخصوص الهيئات الدستورية المستقلة والتحديات التي ستعترضها عند إنشائها وعند شروعها في عملها بهدف العمل على توفير الآليات القانونية الكفيلة بضمان تفاعل وتعامل سلسين بين هذه الهيئات من جهة وبين هذه الهيئات والسلط التقليدية (التشريعية والتنفيذية والقضائية). تستعد بلادنا لخوض مرحلة جديدة من البناء الديمقراطي والإصلاحات الجوهرية الكبرى لإنجاح مسار الانتقال الديمقراطي ولعل هذا الملتقى الذي يأتي بعد سنتين من صدور الجمهورية الثانية سنة 2014 بمثابة وقفة تأمّل وتفكير في متطلبات تنزيل الدستور على أرض الواقع الذي يقتضي بالضرورة استصدار مجموعة من القوانين والنصوص التطبيقية وكذلك مجهودات كبيرة من الناحية المادية والبشرية واللوجيستية، فإن المرحلة تقتضي أن نهتم بمسألة هامة ومركزية وهي مسألة التوازنات الجديدة بين مختلف سلطات الدولة والعلاقة بين هذه السلطات وأن نضع التصورات اللازمة لتحقيق التناغم والتكامل بين كل هذه السلط وخاصة الجديدة منها وعلى وجه الخصوص الهيئات الدستورية المستقلة والسلطة المحلية دون أن ننسى الدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع المدني كسلطة مضادة. وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الانسان تعمل اليوم على استكمال الإطار التشريعي للهيئات المستقلة وقد بادرت بإعداد مشروع قانون إطاري للهيئات الدستورية المستقلة ينظم الجوانب المشتركة بينها وسيتم إجراء استشارة موسعة بخصوصه يوم 13 فيفري الجاري في هذه القاعة بالذات وهو ما من شأنه أن يسهل استصدار القوانين الخاصة بكل هيئة. كما شرعت الوزارة في تكوين فرق عمل لإعداد الإطار القانوني للهيئات الدستورية المستقلة وقد حدّدت هدفا بإتمام هذه المشاريع قبل موفى سنة 2016 ليتسنى استكمال بقية الإجراءات الدستورية بشأنها."