وزير الداخلية يدعو لانطلاق أشغال اللجنة المشتركة لمراقبة العودة الطوعية للمهاجرين    منزل جميل.. تفكيك شبكة مختصة في سرقة المواشي ومحلات السكنى    ساقية الزيت: حجز مواد غذائية مدعّمة بمخزن عشوائي    العدوان في عيون الصحافة العربية والدولية: قمع الاحتجاجات الأمريكية يصدم العالم    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان عبد الله الشاهد    وفاة الممثل عبد الله الشاهد‬    ماذا في لقاء لطفي الرياحي بمفتي الجمهورية؟    قضية التآمر على أمن الدولة: رفض مطالب الافراج واحالة 40 متهما على الدائرة الجنائية المختصة    باجة.. تفكيك شبكة ترويج مخدرات وحجز مبلغ مالي هام    طقس الليلة    قيس سعيد: الامتحانات خط أحمر ولا تسامح مع من يريد تعطيلها أو المساومة بها    انتخابات جامعة كرة القدم.. قائمة التلمساني تستأنف قرار لجنة الانتخابات    صفاقس : غياب برنامج تلفزي وحيد من الجهة فهل دخلت وحدة الانتاج التلفزي مرحلة الموت السريري؟    النادي الافريقي يراسل الجامعة من أجل تغيير موعد الدربي    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    القبض على مشتبه به في سرقة المصلين بجوامع هذه الجهة    الترجي يقرّر منع مسؤوليه ولاعبيه من التصريحات الإعلامية    إغتصاب ومخدّرات.. الإطاحة بعصابة تستدرج الأطفال على "تيك توك"!!    عاجل : معهد الصحافة يقاطع هذه المؤسسة    رئيس الجمهورية يتسلّم دعوة للمشاركة في القمة العربية    الروائح الكريهة تنتشر في مستشفي قابس بسبب جثث المهاجرين    استقالة هيثم زناد ر.م.ع لديوان التجارة هيثم زناد و السبب لوبيات ؟    شوقي الطبيب يرفع إضرابه عن الطعام    البنك المركزي يعلن ادراج مؤسستين في قائمة المنخرطين في نظام المقاصة الالكترونية    تواصل غلق معبر راس جدير واكتظاظ كبير على مستوى معبر ذهيبة وازن    لاعب سان جيرمان لوكاس هيرنانديز يغيب عن لقاء اياب نصف نهائي ابطال اوروبا    مجددا بعد اسبوعين.. الأمطار تشل الحركة في الإمارات    مدنين: بحّارة جرجيس يقرّرون استئناف نشاط صيد القمبري بعد مراجعة تسعيرة البيع بالجملة    رئيس لجنة الشباب والرياضة : تعديل قانون مكافحة المنشطات ورفع العقوبة وارد جدا    عاجل/ الشرطة الأمريكية تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل أغلب الطلبة المعتصمين    هام/ الترفيع في أسعار 320 صنفا من الأدوية.. وهذه قيمة الزيادة    وزارة التربية على أتم الاستعداد لمختلف الامتحانات الوطنية    صفاقس_ساقية الدائر: إخماد حريق بمصنع نجارة.    بنزيما يغادر إلى مدريد    عبد المجيد القوبنطيني: " ماهوش وقت نتائج في النجم الساحلي .. لأن هذا الخطر يهدد الفريق " (فيديو)    المغازة العامة تتألق وتزيد رقم معاملاتها ب 7.2%    اليوم: جلسة تفاوض بين جامعة الثانوي ووزارة التربية    إرتفاع أسعار اللحوم البيضاء: غرفة تجّار لحوم الدواجن تعلق وتكشف..    وزارة التجارة تنشر حصيلة نشاط المراقبة الاقتصادية خلال الأربعة أشهر الأولى من سنة 2024    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    الحبيب جغام ... وفاء للثقافة والمصدح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    تونس تشهد تنظيم معرضين متخصّصين في "صناعة النفط" و"النقل واللوجستك"    حادث مرور قاتل بسيدي بوزيد..    الحماية المدنية: 9حالة وفاة و341 إصابة خلال 24ساعة.    ''أسترازنيكا'' تعترف بأنّ لقاحها له آثار قاتلة: رياض دغفوس للتونسيين ''ماتخافوش''    يهم التونسيين : حيل منزلية فعالة للتخلص من الناموس    نَذَرْتُ قَلْبِي (ذات يوم أصابته جفوةُ الزّمان فكتب)    مصطفى الفارسي أعطى القصة هوية تونسية    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    تونس:تفاصيل التمديد في سن التقاعد بالقطاع الخاص    بطولة مدريد المفتوحة للتنس: روبليف يقصي ألكاراز    عاجل : سحب عصير تفاح شهير من الأسواق العالمية    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    مندوب روسيا لدى الامم المتحدة يدعو إلى التحقيق في مسألة المقابر الجماعية بغزة    طيران الكيان الصهيوني يشن غارات على جنوب لبنان    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد العجمي (أستاذ في القانون الدستوري) ل«التونسية»: «النهضة» و«النداء» يُريدان قضاء تابعا
نشر في التونسية يوم 07 - 06 - 2015


لهذا نخشى وأد مشروع استقلال القضاء
هكذا تمّ الزجّ بالمحكمة الدستورية في أمر
لا علاقة لها به
السلطة تسعى لمواصلة العمل بعقلية قانون السلطة عوضا عن سلطة القانون
هناك إرادة لمصادرة المضامين بواسطة الشكليات
لا يمكن لمن تخلّف عن استقلالية القضاء الالتحاق باستقلالية المحكمة الدستورية
حاورته: خولة الزتايقي
محمد العجمي، باحث بكلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة ومحام، كتب في الشأن القضائي قبل الثورة وبعدها، له أكثر من ثلاثين مداخلة علمية ومشاركة في ورشات عمل حول إستقلالية السلطة القضائية فضلا عن عديد المقالات العلمية والتقارير الختامية للملتقيات المنجزة من طرف وحدة البحث في القانون الدستوري والجبائي المغاربي بالكلية المذكورة.
في حوار جمعها به، تطرّقت «التونسية» إلى رأي الدكتور العجمي في قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين التمديد في أجل بتها في الطعن في دستورية مشروع القانون الأساسي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، متحدثا عن الدفع بعدم حيادية رئيس الهيئة وبعدم صحة الطعن منبها إلى الخروقات الدستورية التي حصلت في هذا القانون، متحدثا عن المبادرة التشريعية بخصوص القانون الأساسي المتعلق بالمحكمة الدستورية.
قررت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين التمديد في أجل بتها في الطعن في دستورية مشروع القانون عدد 16 لسنة 2015 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء مدة أسبوع آخر من تاريخ انقضاء الأجل الأول يوم الاثنين 01 / 06 / 2015، ألا ترون أن الأجل الممنوح للهيئة بمقتضى قانون إحداثها للبت في الطعون بعدم الدستورية هو أجل قصير يجعل مهمة الهيئة مهمة شاقة بالنظر لأهمية الطعن المقدم لها؟
- أمام حجم ونوعية الخروقات الدستورية الواردة بمشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء يمكن أن يكون هذا الأجل القانوني غير كاف لما يتطلبه النظر في ذلك من مجهود مضاعف ومتواصل طيلة المدة المعنية،ولكنه لا يمثل عائقا،من الناحية الموضوعية،أمام مراقبة فعلية وذات مصداقية من جانب الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين بالنظر إلى وضوح وخطورة الإخلالات الدستورية التي شابت ذلك المشروع.
والحقيقة أن هناك خشية من تذرع الهيئة الوقتية بقصر الأجل وتعدد المطاعن لإصدار قرار في جوهره سياسي أكثر منه قانوني ولا يستجيب بالتالي لشروط الرقابة الجدية والعميقة ليكون مبنيا على جملة من المغالطات مثلما فعلت لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب في ردها على عريضة الطعن. وما يخشى أكثر، أمام إصطفاف مختلف مكونات السلطة السياسية ومعظم الأحزاب حول المشروع وصمت المجتمع المدني، أن يتم إستغلال الفقرة الأخيرة من الفصل 23 من القانون الأساسي ع14دد لسنة 2014 حول الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين القائلة بأنه «في صورة إنقضاء الأجل المقرر بالفصل 21 دون إصدار الهيئة قرارها تكون ملزمة بإحالة المشروع فورا إلى رئيس الجمهورية» أو أن يحال القرار بعد إنقضاء الأجل إلى رئيس الجمهورية منقوصا من الخوض في بعض المطاعن،ولو حصل ذلك سيمثل بداية النهاية لكل مكونات الفرضية الديمقراطية ولكل أمل في إرساء دولة القانون في تونس.
ما يلاحظه المتتبع لمسألة الطعن في دستورية مشروع القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء من خلال ردود نواب لجنة التشريع العام على ذلك الطعن أنها ردود تعلقت أساسا بالجانب الشكلي بالدفع بعدم حيادية رئيس الهيئة وبعدم صحة الطعن لسحب بعض النواب لإمضائهم على الطعن أو انضمام بعض النواب الآخرين لذلك الطعن . فلماذا هذا التشبث بالجانب الشكلي وإغفال جانب الأصل المتعلق بالمطابقة الدستورية ؟
- التركيز على الجانب الشكلي لا يرجع إلى النواب المعنيين في حد ذاتهم وإنما يعكس موقفا عاما للمدافعين عن المشروع وعن دستوريته الزائفة من السياسيين والحقوقيين الذين إلتقوا حول خيار سياسة عامة قديمة إبتدعها نظام الإستبداد السابق في التعامل مع العلاقة بين القانون والدستور ومع مقتضيات المصلحة العامة، ويبدو أن النظام الحالي يعمل على إتقانها وترسيخها،وهي «مصادرة المضامين بواسطة الشكليات» حتى أن نص الدستور لديهم لا يتجاوز في أهميته قيمة الحبر الذي كتب به.وهذا ما ينم عن إنعدام الإرادة في الديمقراطية أصلا كما يفسر خوف الجهات الرسمية مدعومة بأكاديميين «خبراء جدا» في قانون الديمقراطية،كما حصل في السابق،من إرساء سلطة قضائية مستقلة كفيلة بحماية الحقوق والحريات،ويفرض مبدأ المساواة أمام القانون على الجميع حكاما ومحكومين كما لم يحصل من قبل.
لكن وجب التصحيح بأن نواب لجنة التشريع العام في ردهم على عريضة الطعن لم يغفلوا جانب الأصل وإنما همشوه من خلال تناوله بصفة إحتياطية مثلما لم يخل ذلك الرد في جانبه الأهم من مغالطات مفضوحة يمكن حصرها في ثلاث نقاط أساسية:
- عدم الرد على أغلب المطاعن الجوهرية الواردة بعريضة الطعن مثل تلك المتصلة بعدم دستورية التنصيصات المتعلقة بالتركيبة وبشفافية الإنتخابات وبإمكانية إعفاء أو تجميد العضوية داخل المجلس وبالتأديب وكذلك التنصيصات المتعلقة باختصاص الجلسة العامة وإختصاص رئيس المجلس الأعلى للقضاء وإخراج إختصاص الانتداب والتكوين والتفقد والتقييم من مرجع نظر المجلس إضافة إلى عدم دستورية منح المجالس القضائية التداول في كل ما يخص سير العمل القضائي وضبط حاجاتها، علما وأن أهم وأخطر الخروقات الدستورية الواردة بمشروع القانون تسلطت على المسائل المذكورة والتي تم بواسطتها إفراغ مفهومي السلطة القضائية والإستقلالية من كل معنى.
- تحويل وجهة المطاعن المتعلقة بتفتيت معنى السلطة القضائية وبعدم تفرّد المجلس الأعلى للقضاء بما أوكله له الدستور من ضمان حسن سير القضاء وإحترام إستقلاله وذلك من خلال حشو المحكمة الدستورية في الأمر دون موجب قانوني وواقعي ضرورة أن المقصود من وراء تلك المطاعن كان واضحا في تمحوره حول فسح المجال أمام السلطة التنفيذية لمنازعة المجلس الأعلى للقضاء في ممارسة تلك المهام التي جعلها الدستور،نصا وروحا،حكرا على هذا الأخير. وهكذا تم إفتعال إزدواجية الاختصاص بشأن ما ذكر من خلال الزج بالمحكمة الدستورية في أمر لا علاقة لها به أصلا بمقتضى صريح نص الدستور بغاية التمويه فقط والتهرب من جوهر الإشكال المتمثل في السعي المعلن إلى تخريب ما بناه الدستور.
-القول بشأن المطاعن التي لم يتم الرد عليها بكونها تطرح مسائل مرتبطة بجدوى الاختيار الذي ذهب إليه مجلس نواب الشعب وأنه لا صلة لها بالدستورية قول يقوم على خلفية الاستخفاف بالدستور،من ناحية،بحصره في وثيقة مجرد النص الإجرائي وبمجلس نواب الشعب، من ناحية أخرى،بحصره في لجنة التشريع العام،وهو ما يقيم الدليل على مواصلة العمل بعقلية قانون السلطة كموروث إستبدادي عوضا عن سلطة القانون كأحد أهم إستحقاقات ثورة قامت لأجل الديمقراطية التي تقتضي أن يخضع فيها المعطى السياسي للموجب القانوني وليس العكس.
ما هي وجاهة الدفع بعدم حيادية رئيس الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين؟
- إن كان هناك مجال للحديث عن وجاهة في ما ذكر فهي لن تتجاوز، في كل الأحوال، وجاهة وجيه بلا وجه لجملة من الأسباب الرئيسية:
أولها، أن الدفع بعدم حيادية رئيس الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين أثاره نواب لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب في ردهم على عريضة الطعن مطالبين الهيئة أولا بالبت في طلب التجريح في رئيسها في حين أنه لا يحق لمن ذكر إثارة عدم حياد رئيس الهيئة أو أي من أعضائها بناء على أن الفصل 12 من القانون عدد 14 لسنة 2014 حول الهيئة المذكورة حصر صلاحية إثارة الإخلال المفترض من جانب عضو من الهيئة بأحد الواجبات المحمولة عليه بنص اليمين، ومنها الحياد، في طرفين لا ثالث لهما وهما: إما أحد أعضاء الهيئة نفسها أو إثنين من الرؤساء الثلاثة (رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب)، وهكذا أضاف هذا الدفع حلقة جديدة لسلسلة الإستخفاف بالقانون وعدم إحترامه حتى في المستوى الأدنى.
ثانيها، أن الدفع بعدم حيادية رئيس الهيئة يعبر عن مجرد مأرب سياسي ضيق فاقد لكل مصداقية في التعامل مع الدستور والقانون ومؤسسات الدولة مآله قطع الطريق أمام كل إمكانية لوجود سلطة قضائية مستقلة في الواقع وهو الذي عبر عنه نواب لجنة التشريع العام ضمن ردهم على عريضة الطعن بالقول صراحة: «حيث يكون من الأسلم تنحي السيد رئيس الهيئة عن المشاركة في جلسة النظر تفاديا للتشكيك في نزاهة أي قرار».
فما معنى المطالبة بتنحي رئيس الهيئة عن المشاركة في النظر ! هل معناه دعوته أو إجباره على عدم الحضور ليتولى أحد نائبيه رئاسة الجلسات وفق الفصل 16 من قانون الهيئة أم الدعوة إلى إعفائه من مهامه كرئيس لمحكمة التعقيب وفق الفصل 12 لتتولى الهيئة النظر في دستورية مشروع القانون برئاسة الرئيس الأول للمحكمة الإدارية وفق الفصل 13 ! الأمر في كل الحالات ينطوي على خطورة بالغة من الناحيتين القانونية والسياسية وهو الذي سوف يؤول إلى التشكيك في أي قرار للهيئة وليس العكس بناء على أنه لا يروم سوى التأثير على قرار الهيئة في إتجاه الإقرار بدستورية مشروع القانون في خياراته الكبرى على الأقل بالرغم من أنها فاقدة لكل الضوابط في الالتزام باحترام الدستور.
ثالثها، أنه يحق التساؤل فعلا عما لو كان رئيس الهيئة أو أحد أعضائها قد أبدى موقفا لصالح دستورية مشروع القانون فهل كان هؤلاء النواب وغيرهم سيثيرون الدفع بعدم الحيادية؟! لعل الإجابة كامنة في السؤال نفسه من قبيل «الأثر يدل على المسير والبعرة تدل على البعير».
رابعها، أنه يظل من باب أولى وأحرى أن يسعى من كان «غيورا» على الحياد والاستقلالية أن يدافع عنهما في المواضيع الصحيحة والحقيقية من خلال إثارة المسألة في مواجهة السياسة العامة للتعيينات والترشحات بمختلف الهيئات العمومية والتي لا تخفى على العموم، أما أن ينحصر الأمر في ما تعلق بمناقشة مشروع قانون حول السلطة القضائية صيغ على قاعدة وكأن الدستور لم يكن فإنه لا مناص في التنبيه إلى خطورة سياسة التشريع وخيارات الدولة الأساسية في القطع مع الإرادة العامة في الديمقراطية التي تمر حتما عبر وجود سلطة قضائية مستقلة أصبحت حقا عاما مكتسبا بموجب الثورة ودستورها.
وطبعا آخرها، أن مطالبة رئيس الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين وهو في نفس الوقت بمقتضى القانون رئيس الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي والرئيس الأول لمحكمة التعقيب بكتم أنفاسه بشأن عدم دستورية مشروع قانون يدخل في صميم إصلاح المنظومة القضائية هي في النهاية مطالبة للقاضي بألا يكون قاضيا وألا يكون معنيا بالشأن القضائي كمطالبة القانون بألا يكون قانونا وملزما للكافة.
ما رأيكم في الدفع بعدم صحة الطعن لسحب نائبين لإمضائهما ولانضمام نائبين آخرين للطعن؟
- في البداية لا بد من الإشارة إلى الإجحاف في اشتراط ثلاثين نائبا للطعن بعدم الدستورية والذي تبين أنه أضحى عائقا جديا أمام مراقبة دستورية القوانين بأن تحولت من مبدأ عام إلى مجرد إستثناء في ظل ظروف سياسية لا مكان فيها لأيّة إرادة سياسية في الديمقراطية ودولة القانون.وأكبر دليل على ذلك ما حظيت به مسألة سحب نائبين لإمضائهما بعد إيداع عريضة الطعن بكتابة الهيئة وإنضمام نائبين آخرين للعريضة من أهمية لا تستحقها بل إنها هامشية من زاوية القانون والمصلحة العامة إذ أن القانون ع14دد لسنة 2014 لم يتضمن أيّة إشارة إلى إمكانية سحب الإمضاءات مثلما تعرض للطعن في صيغة الملف الذي يتضمن عديد المحتويات تكون العبرة فيه بالتعليل والإمضاء ولم يشترط صيغة معينة لأيّة منها على عكس ما أثير ضمن الرد على عريضة الطعن من التعامل مع ملف الطعن على أساس أنه مجرد ورقة أحادية وموحدة تحتوي كل شيء في آن واحد، وهو تعامل شكلاني مع القانون لا تتوفر فيه أبسط شروط إحترام معاني وأبعاد مراقبة دستورية القوانين.ثم إن الطعن بعدم الدستورية ليس حقا شخصيا أو ملكا خاصّا بشخص الطاعن أو الطاعنين حتى يتسنى سحب الإمضاء إثر وقوع الطعن لأن هذا الأخير من أهم وأوكد مقتضيات المصلحة العامة طالما توقفت عليه الوظيفة الأساسية لدولة القانون متمثلة في ضمان إحترام علوية الدستور وربط مفهوم الدستور بالغرض الديمقراطي الذي وجب أن يخضع فيه القرار السياسي للمطلب المجتمعي.
فأيّة مصلحة عامة يمكن إدعاء الدفاع عنها من وراء الإستماتة في تمرير مشروع قانون يستهدف العدالة والحقوق والحريات في الصميم !
كما أن الإستئناس بفقه القضاء الدستوري في الأنظمة الديمقراطية مفاده التأكيد على مبدأ عدم إمكانية سحب عريضة الطعن بعدم الدستورية أو الإمضاءات المضمنة بالملف ما لم يثبت المساس بجدية ونزاهة الطعن من خلال الغش أو الخطأ المادي أو عيب في الرضا.والواقع أنه حتى هذه الشروط الإستثنائية لا تجد مبررها في التعدد إلا ضمن نظام يحظى بتجربة ديمقراطية راسخة،أما في ظل نظام يشهد إنتقالا أو عملية بناء ديمقراطي مبتدئة في ظل تشريع ألف مخالفة الدستور فإن المصلحة العامة وإعتبارات النظام العام في علاقتها بالمطلب الديمقراطي تقتضي أن تكون الشروط الإستثنائية المخولة للتراجع في الطعن بعدم الدستورية منحصرة في حالة الغش لكون الغش يفسد كل شيء وذلك حتى يتم التضييق بأكبر قدر ممكن في إمكانية إفلات مشاريع القوانين من رقابة دستوريتها وإلا إنعدم الحديث عن الفرضية الديمقراطية قبل الحديث عن الفرض الديمقراطي.وهنا تكمن المسؤولية التاريخية للقاضي الدستوري في تونس سواء كان وقتيا أم مرتقبا،والتاريخ لا يرحم.
في عديد التجارب الديمقراطية نلاحظ أن نوابا ممن يصوتون داخل البرلمانات لفائدة مشاريع قوانين يقومون بأنفسهم بالطعن فيها لدى المحكمة الدستورية حتى تجرى عليها عملية التنقية La cristalisation من شوائب عدم الدستورية وحتى تتحصل تلك القوانين على أكبر قدر من الدستورية وتكتسب ثقة بذلك . لماذا حصل العكس في بلادنا ؟ إذ وجدت مسألة الطعن في دستورية هذا القانون صعوبة كبيرة ولم يمكن الحصول على عدد الإمضاءات الدنيا أي 30 إمضاء لتعهيد الهيئة الوقتية للرقابة على دستورية مشاريع القوانين إلا بشق الأنفس وهل لذلك علاقة بالتوازنات السياسية التي افرزتها الانتخابات الأخيرة؟
- أكيد أنّه للحصول على الحد الأدنى من الإمضاءات علاقة وطيدة بالتوازنات السياسية التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة والتي جعلت من حزبي «النهضة» و«النداء» متحكمين في العملية السياسية برمتها وقد إلتقيا،منذ البداية، وبلا قيد أو شرط على نظرة استراتيجية قديمة للقضاء تبقيه في دائرة التبعية للسلطة السياسية حتى يظل الحاكم الواحد متحكما في كل دواليب الدولة وحتى تظل السلطة في الدولة لغير القانون، وبين الأمس واليوم كل ما تغير في هرم السلطة مجرد إنتقال من تسلط الفرد إلى تسلط الجماعة.
إن العقلية السياسية الحاكمة اليوم في تونس تواصل إستخدام القانون كمجرد أداة للسلطة في معنى التسلط وهو ما تطلب لديها إخراج القضاء من دائرة السلطة طالما أنه لا سلطة للقانون خارج وجود سلطة قضائية مستقلة عن السلطة السياسية، لهذا الغرض لم يشهد الصراع بين حزبي «النداء» و«النهضة» في أيّة مرحلة من مراحله أي إختلاف حول النظرة للقضاء مما يفسر مواصلة النداء وهو في هرم السلطة لنفس السياسة التي توختها «النهضة» في التعامل مع القضاء حين كانت هناك. واليوم لولا بعض الإمضاءات على عريضة الطعن بعدم دستورية مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء والتي عدت من قبيل «الإنفلاتات» غير المتوقعة وغير المحسوبة لدى «الوجهاء» و«الخبراء» لسقط كل أمل في إنقاذ ما وجب إنقاذه في بلد عاش ثورة لأجل الديمقراطية،لأجل إرادة الحرية وليس إرادة السلطة.
هل تعتقدون أن عدم القيام بالطعن بعدم دستورية مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء من قبل السلطة التنفيذية برأسيها التي تملك صلاحية ذلك الطعن إنما يدل على وعيها بجدية الخروقات الدستورية التي حصلت في هذا القانون وخشيتها من سقوطه في حالة الطعن فيه؟
- طالما كان خيار القضاء التابع خيارا استراتيجيّا لا رجعة فيه لدى السلطة التنفيذية فمن البديهي أن تكون لديها خشية واضحة إن لم يكن خوفا شديدا من سقوط المشروع لعدم دستوريته، وأعتقد أن ذلك إزداد تأكيدا بعد إطلاعها على عريضة الطعن، إنما الأهم من ذلك أن عدم طعن رأسي السلطة التنفيذية في دستورية المشروع يثير الغرابة والخطورة في آن واحد للأسباب التالية:
أولا، إن عدم قيام رئيس الحكومة بالطعن في ظل إستبدال لجنة التشريع العام للمشروع الذي تقدمت به وزارة العدل بمشروع مغاير ومختلف تماما في مضامينه وأبعاده وفي ظل تصريح وزير العدل بعدم دستورية مشروع القانون ذاك ،أمر يدفع إلى التساؤل عما إذا كان معنى ذلك أن وزارة العدل تغرد خارج سرب الحكومة أم أن المشروع المقدم من وزارة العدل كان مشروع الوزير ولم يكن مشروع الوزارة ومن ورائها الحكومة !
ثانيا، إن عدم قيام رئيس الجمهورية بالطعن يثير التساؤل حول حقيقة دوره في ظل تنصيص الفصل 72 من الدستور على أن «رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدتها،يضمن إستقلالها وإستمراريتها ويسهر على إحترام الدستور» !
فهل يعقل أن يبقى رئيس جمهورية في سبات عميق أمام التداعيات الخطيرة لمشروع قانون أساسي تعامل مع الدستور تعاملا فوقيا ! ربما كان ل«الخبث التأسيسي» المفترض في إستعمال عبارة «السهر» عوض عبارة «الضمان» في الحديث عن إحترام الدستور كمهمة موكولة لرئيس الجمهورية، ضمن الفصل 72 من الدستور، دور واضح في مساعدته على عدم الإهتمام بالموضوع!
عبرت منظمات دولية حقوقية عريقة كمنظمة هيومن رايس وتش واللجنة الدولية للحقوقيين على قلقها إزاء مشروع القانون الأساسي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء وتحدثت عن أوجه قصور عديدة في هذا القانون لا تجعل منه قانونا يؤسس لقضاء مستقل وطالبت بمراجعته، فلماذا يصمت المجتمع المدني التونسي في نظركم إزاء هذا القانون؟
- صمت المجتمع المدني إزاء ذلك يعود في نظري إلى جملة من الأسباب الموضوعية، حيث أنه لم يقم الدليل قاطعا،إلى حد الآن،في تونس على وجود فصل بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي من حيث معظم وأهم مكونات كل منهما فضلا عن غياب وعي عام بالطابع المصيري لدور الإستقلالية الفعلية والكاملة للقضاء في حماية الحقوق والحريات وإرساء نظام الديمقراطية التشاركية الذي إبتغاه الدستور، وهو ما يتوقف عليه المطلب الديمقراطي وجودا ودعما بالضرورة، مثلما عرفه الفقه القانوني والسياسي وعرفته التجارب الديمقراطية سواء منها العريقة أو المستحدثة،على أن القضية في ذلك ليست قضية جزئيات وتفاصيل وإنما في الأصل قضية خيارات وإرادات.
كما أن المختصّين في القانون في تونس وخاصة منهم الأكثر شهرة وظهورا بايعوا منذ زمن الطرح السلطوي بأن لا سلطة في الدولة غير السلطة السياسية وأن القضاء مجرد مرفق عام من مشمولات السلطة التنفيذية وفق نفس المنطق القديم لشخصنة وأحادية ومركزية السلطة الذي تم بواسطته وأد المشروع الريادي لإستقلالية السلطة القضائية ضمن العملية التأسيسية الأولى،وتحديدا ضمن مشروع الدستور الذي تقدم به المجلس القومي التأسيسي مؤرخا في 30 / 01 / 1958، ليحصل تخلف عن إرادة آباءنا المؤسسين بأكثر من نصف قرن كامل، بل أكثر من ذلك ساهم أغلب أولئك المختصين بشيء من الهراء والإستبلاه في بث الرعب لدى العامة من وجود سلطة قضائية في معنى حكومة قضاة وتغول القضاء وما إليها من الخرافات، وهم أنفسهم الذين شرعوا بالتوازي لذلك في هدم ما يمكن إعتباره منارة الدستور الجديد حول السلطة المحلية وذلك وفق نفس المغالطات والخطاب القانوني المتخلف ديمقراطيا.هذا وقد لعب الإعلام وخصوصا الإعلام المرئي دورا أساسيا في رسم هذا المشهد وترسيخه لدى الرأي العام من خلال خدمته لأجندات سياسية بل حزبية أصبحت لا تخفى حتى على العوام والتركيز في ذلك على إبراز رؤية أحادية لإشكالية السلطة القضائية تلتقي مع رؤية السلطة السياسية في الجوهر حتى وإن كانت تختلف معها أحيانا في الجزئيات.وهذا ما يطرح مشكلا يمثل إحدى أهم معوقات البناء الديمقراطي في بلادنا إلى حد الآن يتعلق بدور الإعلام العمومي والخاص في خدمة أغراض المصلحة العامة تركيزا على ترسيخ عقلية حق المجتمع والدولة في التقدم.
في رأيكم ما هي أخطر الخروقات الدستورية في مشروع القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء ؟
- تتمثل أخطر الخروقات في ما سبق أن أثرناه ضمن الإجابة عن السؤال الثاني بشأن المطاعن المثارة ضمن عريضة الطعن بعدم دستورية مشروع القانون والتي لم يتولى نواب لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب الرد عليها وأساسها مثل مآلها ضرب إستقلالية القضاء عن السلطة السياسية وإفراغ مفهوم السلطة القضائية من محتواه.
هل لكم أن تبسطوا للقارئ أهمية أن تخرج تفقدية الشؤون القضائية عن إشراف وزارة العدل وتكون تحت إشراف المجلس الأعلى للقضاء؟
- التفقد والتقييم القضائي يندرجان في صميم مهمة ضمان حسن سير القضاء وإحترام إستقلاله التي أفرد بها الفصل 114 من الدستور المجلس الأعلى للقضاء وبالتالي فإنه لم يعد هناك مجال للإبقاء على وظيفتي التفقد والتقييم في دائرة إختصاص وزارة العدل بأي شكل من الأشكال وإلا أصبح الدستور واقعا في قاع السلم الهرمي لمصادر القواعد القانونية،بل وحتى أقل من ذلك ليتدنى إلى ما هو أقل من المناشير الإدارية مثلما حصل في ظل نظام الإستبداد السابق.ثم إن الحاجة الملحة إلى التغيير،من خلال الخروج من منطق التعامل الإداري والسياسي مع جودة العمل القضائي وحماية الحقوق والحريات وضمان علوية القانون،يمر حتما عبر إنهاء إلحاق تفقدية الشؤون القضائية بوزارة العدل كممثل للسلطة السياسية وهو ما يقتضيه أصلا مفهوم السلطة القضائية المستقلة الوارد بالدستور وإلا بقيت المؤسسة القضائية مجرد إدارة عمومية وإن كانت ذات خصوصية،خاضعة في ذلك لمنطق السلطة الرئاسية التي تباشرها الوزارات على مختلف هياكل الإدارة العمومية وهو ما يبقي على العمل القضائي في جوهره خاضعا لإدارة السلطة السياسية والإدارية بما يكبله بالضرورة عن أداء مهامه في التكفل بحماية الحقوق والحريات من أي إنتهاك بصريح الفصل 49 من الدستور وضمان إقامة العدل وعلوية الدستور وسيادة القانون وفق الفصل 102 منه كضمان مجلسه الأعلى لحسن سير القضاء وإحترام إستقلاله بموجب الفصل 114. لذلك فإن إدراج مهام التفقد والتقييم القضائي ضمن الإختصاصات الرئيسية والجوهرية للمجلس الأعلى للقضاء يجب أن يظل خارج الجدل القانوني وبعيدا عن المساومات السياسية وإلا سقط مفهوم السلطة القضائية المستقلة وسقط معه الدستور برمته لنجد أنفسنا في النهاية في مربع جديد للإستبداد قديم بجديده.
لماذا يعتبر خروج انتداب القضاة وتكوينهم عن صلاحيات السلطة التنفيذية ورجوعه إلى صلاحيات المجالس العليا للقضاء من أفضل الممارسات لتحقيق استقلال القضاء فهل أن انتداب القضاة وتكوينهم هما مسألتان تحملان مخاطر التوظيف والتسييس؟
- تكوين وإنتداب القضاة يمثل المدخل الرئيسي إلى نظام إستقلالية القضاء وصمام الأمان داخله وفق الممارسات والمعايير الدولية بناء على أن تلك الإستقلالية،في الواقع ،أكبر وأهم من مجرد نصوص وقواعد وآليات وإنما هي بالأساس عقلية وثقافة لدى القاضي وجب أن ينشأ ويتكون على هديها حتى يتسنى له إكتساب المؤهلات الموضوعية والذاتية التي تجعله في مستوى المهمة المصيرية والخطيرة التي أوكلت له ضمن نظام دولة القانون. وهنا تكون الحاجة ملحة إلى إخراج تكوين القضاة وإنتدابهم من دائرة تدخل السلطة التنفيذية التي عملت في تونس، قبل الثورة وبعدها،بواسطة المعهد الأعلى للقضاء على تكوين جيل من القضاة وفق عقلية الموظف العمومي مستجيبا بطبعه لواجب الطاعة وفاقدا للشروط الدنيا للمعرفة القانونية والكفاءة المهنية وفي أحسن الحالات مجرد قضاء تطبيقي آلي للنصوص في المادة المدنية ومجرد قضاء إدانة في المادة الجزائية، وهو ما ساهم فيه التكوين القانوني المغلب للشكل على الأصل ضمن كليات الحقوق الأمر الذي لا بد أن يتحول معه تكوين وإنتداب القضاة إلى المجلس الأعلى للقضاء حتى لا يبقى القاضي مختزنا في زيه المهني: السواد أعظم والبياض في الأطراف.
ما رأيكم في القول بأن مشروع القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء قد همش كثيرا المجلس الأعلى للقضاء العدلي؟
- من البديهي أن يكون أصحاب مثل ذلك المشروع واعين تماما بأن ضرب إستقلالية القضاء في المهد تتوقف على ضرب إستقلالية مجلس القضاء العدلي ضمن المجلس الأعلى للقضاء بالنظر إلى أن القضاء العدلي يمثل مركز الثقل داخل الجسم القضائي وهو بحكم وزنه وإختصاصاته يحظى بالأهمية الأكثر في حماية الحقوق والحريات من الإنتهاكات وضمان علوية القانون على الحاكم مثل المحكوم،فضلا عن أن الصراع بين القضاء والسلطة السياسية ظل في الماضي ويظل مستقبلا رهين الدور الذي يلعبه القضاء العدلي في الدفاع عن القضاء بكل مكوناته.
وقد وصل مشروع القانون في سد طريق الإستقلالية أمام القضاء العدلي إلى حد الإهانة من خلال إدراج تمثيل المحاكم العسكرية ضمن المجلس الأعلى للقضاء العدلي في عملية تجاوز صارخ للدستور ولكل مقومات مفهوم القضاء والإستقلالية، فالمحاكم العسكرية ليست مندرجة ضمن مفهوم القضاء وليست مكونا من مكونات القضاء العدلي، مثلما أنها ليست مستقلة بالمرة عن وزارة الدفاع حتى تحظى بذلك التمثيل «الرعواني» من وجه نظر دستورية.
لقد طرحت يوم 02 / 06 / 2015 مبادرة تشريعية من قبل عدد من النواب بخصوص قانون أساسي يتعلّق بالمحكمة الدستورية. ألا ترون أنه سيكون التحكّم المسبق في استقلالية المجلس الأعلى للقضاء أثر على استقلالية هذه المحكمة؟
- أكيد أنه سيكون للتحكّم المسبق في إستقلالية المجلس الأعلى للقضاء تأثير مباشر وحتميا على المساس باستقلالية المحكمة الدستورية لعدة إعتبارات منها وجود خلفية سياسية عامة تحرك عملية التشريع ككل قائمة على عدم ترك المجال لخضوع السلطة السياسية للقانون بدليل أنه من غير المجدي والمعقول أن يهتم بعلوية القانون من وضع نصا حول القضاء خارج سياق الدستور ومن امتنع عن الطعن في دستوريته وكأن الأمر لا يعنيه، إلى جانب أن أصحاب مشروع المجلس الأعلى للقضاء وهم أكثر وأكبر من نواب لجنة التشريع العام بالبرلمان قد أقاموا الرابط في ردهم على عريضة الطعن بين تصورهم الحالي للمجلس الأعلى للقضاء وتصورهم المرتقب للمحكمة الدستورية على أساس أنهما يكونان معا السلطة القضائية وفق الدستور،فمن تخلف عن إستقلالية القضاء لا يمكن أن يلتحق باستقلالية المحكمة الدستورية وإلا ما كانت كل تلك السطحية في الرد على عدم دستورية المشروع الماثل.
كما تجدر الإشارة إلى وجود ما يمكن أن نسميه بعقدة الدستورية لدى رجل السلطة في تونس رسخها الإخوان المؤسسون في وضعهم لدستور 27 / 01 / 2014 من خلال منع مختلف المحاكم من مراقبة دستورية القوانين ولو عن طريق الدفع سواء في مرحلة وجود الهيئة الوقتية أو بعد إحداث المحكمة الدستورية وذلك في إطار عملية إجهاض للنجاعة والمصداقية التي أثبتها القضاءان الإداري والعدلي من حين لآخر حول هذا الموضوع وتحصين القوانين النافذة، التي أفلتت من مراقبة الدستورية وخصوصا منها تلك الخارقة للحقوق والحريات ،ضد كل أشكال الرقابة القضائية.
لكن ربما كان لمبادرة تشريعية مختلفة لبعض النواب حول المحكمة الدستورية الفضل في تصحيح الوضع نوعا ما بقطع الطريق أمام مشاريع حول نفس الموضوع تعدها لجان من داخل المجلس التشريعي ومن خارجه ستكون أتعس لا محالة من مشروع المجلس الأعلى للقضاء بناء على أن كل إناء بما فيه يرشح وفاقد الشيء لا يعطيه.
هناك من يعتبرون أنّ مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء قد سقط سياسيا حتى قبل إن يقع الطعن فيه بعدم الدستورية لحجم الخروقات التي نسبت اليه ولإحجام الأطراف التنفيذية ذات الصلاحية عن الطعن وتصدي بعض الأطراف الأخرى لممارسة الطعن سواء من داخل المجلس التشريعي أو من خارجه ما رأيكم في ذلك؟
أخيرا أستاذ هل مازال ممكنا الحديث عن مشروع استقلال في تونس ما بعد الثورة كشعار ومطمح قابل للانجاز على ارض الواقع؟
- في الحقيقة لا يمكن الحديث عن سقوط سياسي للمشروع إلا بالمعنى الديمقراطي للعبارة والحال أن جميع الأطراف المذكورة متفقة ومتكاتفة حول نفس المأرب السياسي الذي لا علاقة له بالمطلب الديمقراطي وبالتالي يصبح السقوط السياسي غير ذي موضوع وغير مؤثر بالنسبة لسلطة لا تهتم ولا تسأل جديا عن سياستها العامة وخياراتها الكبرى من زاوية الحق في الديمقراطية .
يبقى أن السقوط السياسي لذات المشروع وفق المعنى المشار إليه أعلاه يمكن أن يكون حاسما اليوم وغدا إذا تمكنت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين من إجراء رقابة على المشروع تعيد من خلالها الاعتبار للدستور في إتجاه الدفع نحوى ممارسة جديدة للسلطة قائمة على وجوب الالتزام السياسي التلقائي بمبدأ الحرية وبعلوية المصلحة العامة كمطلب مجتمعي تتوقف عليه مشروعية القرار السياسي المجسد في نصوص قانونية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.