أسدل ليلة أمس الستار على انتخابات المجلس الأعلى للقضاء هذا المجلس الذي طالما ناضل من أجله القضاة لتركيز سلطة قضائية مستقلة لا تخضع للسلطة التنفيذية وتكون صلاحياتها كاملة وليست محدودة. نتائج الإنتخابات لئن رآها البعض غير مرضية فإن البعض الآخر اعتبرها عكس ذلك. "الصباح نيوز" استطلعت آراء محامون وقضاة قدموا قراءتهم لهذه النتائج. لا وجود لتحالفات سياسية المحامي سمير بن عمر قال في تصريح ل"الصباح نيوز" أنها لم تحصل تحالفات سياسية باعتبار ان المحامون الذين فازوا في الإنتخابات مستقلون وبعض أزلام النظام السابق ترشحوا لكنهم لم يفوزوا وهذا يعكس وعي ونضج المحامين وإحساسهم بالمسؤولية وأهمية الرهان المطروح. وعبر محدثنا عن ارتياحه لهذه النتائج معتقدا أن المحامين الذين فازوا سيمثلون عنصر توازن داخل المجلس الأعلى للقضاء بالنأي به عن التجاذبات السياسية وهذا من شروط نجاح هذه التجربة الرائدة. وبسؤالنا حول موعد تركيز المجلس الأعلى للقضاء قال بن عمر أنه بمجرد انقضاء آجال الطعون يتم الإعلان عن النتائج النهائية وقتها يتم تركيز المجلس الأعلى للقضاء. مشيرا أن هيئة القضاء العدلي ستسلم بعد ذلك المشعل للمجلس المنتخب وذلك بعد تأدية اليمين القانونية. النتائج عكست إرادة المحامين واعتبر عميد المحامين عامر المحرزي أن المحامين الفائزين في انتخابات المجلس الأعلى للقضاء مرسّمين بالمحاماة وليس لهم سوابق تأديبية مضيفا أن نتائج الإنتخابات عكست ارادة المحامين. مشيرا أن النتائج مرضية. مضيفا في السياق نفسه أن الأسماء التي صعدت سواء من القضاة أو المحامين أسماء متألقة وقادرة على تقديم الإضافة للمجلس الأعلى للقضاء باعتباره مجلسا للقضاء وليس للقضاة بعيدا عن القطاعية والإنتماء للقضاء طالما أنهم يسيّرون مرفق العدالة مع الأعضاء الآخرين الممثلين لكل القطاعات. التناصف أدى الى اختزال نوعي آخر أما المحامي عبد الناصر العويني فقد اعتبر بدوره أن نتائج الإنتخابات طيبة وليست سلبية وأن زملائه الذين فازوا قادرون على تمثيل المهنة داخل المجلس مشيرا أن التناصف أدى الى اختزال نوعي آخر اذ أفضت العملية الإنتخابية الى فوز ست نساء وهذا ناجم عن القصور في العملية الإنتخابية باعتبار أن قلة قليلة من المحاميات ترشحن لهذه الإنتخابات عكس الذكور فقد تضاعف عدد المترشحين وهو ما جعل العنصر النسائي من المحاميات ينتفعون بالأصوات. وتابع بالقول بأن القاعدة الإنتخابية أدت الى انتفاع المحاميات المترشحات من عملية التصويت أكثر من الذكور، وكان من المفروض وفق تصريحه أن التناصف مثلما يقع تكريسه في التصويت يقع تكريسه في النتائج وهذا ليس مشكل حسب رأيه باعتبار أنها عملية أولى يقع انتخاب مجلس أعلى للقضاء. تمسك بالكرسي لكن .. أما القاضي أحمد صواب فقد وصف انتخابات المجلس الأعلى للقضاء بالعرس لأنه جمع جميع رجال القانون من كافة الأجيال مضيفا أن العملية الإنتخابية تمت في جو من الضحك والهدوء. ونوّه أحمد صواب بالدور الذي لعبته الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات وقال أنها سيرت العملية بطريقة جيدة ومنظمة. وتابع قائلا بأن بعض القيادات الثورجية المتمسكة بالكرسي لمدة 15 سنة لا تريد أن تتركه ولكن القواعد قالت لهم لا يمكن ذلك "ارتاحوا قليلا" مضيفا أنه من بين ال18 قاضيا المنتخبين هنالك هياكل نقابية ثلاثة وهم نقابة القضاة، اتحاد القضاة الإداريين واتحاد القضاة الماليين فازوا ب8 مقاعد نضيف لهم بعض المستقلين. وفيما يتردد حول القاضي خالد عباس الذي فاز في هذه الإنتخابات من أنه محسوب على النظام البائد وبأنه كان الذراع الأيمن لبن علي وبشير التكاري قال أحمد صواب أن خالد عباس هو الذي فصل جمعية القضاة عن النظام من 2002 الى 2005، مضيفا أن خالد عبّاس ساهم بالفعل في الإنقلاب عن الجمعية ولكن بعد ذلك انقلب عليه النظام وبأنه بالفعل قام بخطأ تقديري كبير ولكنه لم يكن أبدا زلما مؤكدا أنه يعرفه جيّدا. وتابع أحمد صواب بالقول بأنه في جميع الحالات فجمعية القضاة هي التي تواطأت في صائفة 2011 عندما أمسكت عن اجتثاث القضاة الفاسدين من منظومة القضاء وهي التي "خدمت" بالإنقلابيين في الجلسة العامة التي جمعت أكثر عدد من القضاة ( أكثر من 1000 قاضي) في نزل بالعاصمة في 13 مارس 2011 مضيفا أن من انقلبوا على الجمعية صوتوا لها وأن هذه الأخيرة كانت تريد تأجيل المؤتمر الى ما لا نهاية له. ولكن ما تم تداوله ليلة أمس في الكواليس كان عكس ما صرح به لنا أحمد صواب اذ يتردد من أن أوامر صدرت من أطراف كي لا تفوز كلثوم كنو ويفوز خالد عباس لأن تلك الأطراف لا تريد وفق ما تردد أن يكون القضاء مستقل، وهناك من اعتبر أن هذه الإنتخابات كانت صراعا بين جمعية القضاة وأغلب القضاة وأنه وقع تشتت في الأصوات خاصة في الرتبة الأولى والثانية وهذا التشتت إستفاد منه المترشحين عن الجمعية، أما بالنسبة للرتبة الثالثة وبأنه على عكس ما يروج له من أن خالد عباس قام بانقلاب على جمعية القضاة فإنه كان رئيسا للجمعية قبل 2005 ودخل في صدام مع بن علي وهدد بعقد ندوة صحفية ثم انسحب بعد ذلك من الجمعية، وبأن الجمعية عرفت أكثر التفافا في فترة ترأسه لها، وتردد أيضا من أن جمعية القضاة هي من تتهم خالد عباس بأنه من أزلام النظام السابق. واعتبرت أطراف حقوقية أخرى أن انتخابات المجلس الأعلى للقضاء كانت شفافة ونزيهة وليس مثلما يروج له بأن هنالك توصيات بانتخاب خالد عباس. فيما اعتبر رئيس الجمعية التونسية للقضاة الشبان مراد المسعودي في تصريح ل"الصباح نيوز" ان امتعاض جمعية القضاة التونسيين من نتيجة الانتخابات فيما يخص الرتبة الثالثة امر غير مقبول ويجافي المنطق والقانون والاخلاق اذ يجب على هذه الجمعية ان تحترم ارادة الناخبين وارادة منخرطيها فالقاضي الفاضل خالد عباس مشهود له بحسن السيرة والسلوك وهو شخص محبوب من زملائه وقد برهنوا له على هذه المحبة من خلال التصويت له واعتبر أن رميه بتهمة الولاء السياسي وان وراء وصوله أحزابا وتيارات سياسية امر لا وجود له في الواقع باعتبار ان من قام بانتخابه هو 156قاضيا من الرتبة الثالثة التي حظيت بأكبر نسبة مشاركة في الانتخابات تجاوزت السبعين بالمائة و ليست الأحزاب السياسية أو منخرطيها وارجع رئيس الجمعية غضب جمعية القضاة الى أسباب تاريخية تعود الى سنة 2005 اذ اعتبر بعض رموز الجمعية انه قد قاد انقلابا ضدهم في حين ان اغلب القضاة يرى ان وجوده على رأس جمعية القضاة التونسيين آنذاك كان نتيجة عملية سحب ثقة قانونية وأضاف بأنه يوجد بالجمعية من امضي على سحب الثقة وقد حصل على "صك غفران"ومن العادل ان يتم تمتيع خالد عباس بهذا الصك ايضا خصوصا وقد تم انتخابه من القضاة جمعيّة القضاة زكّت بعض الأسماء وأضاف محدثنا بان جمعية القضاة زكت بعض الأسماء وروجت لها في حملة انتخابية سخرت لها كل إمكانياتها المادية واللوجيستية دون استشارة منخرطيها وكان من الطبيعي ألا يصل الى عضوية المجلس الا من اختارته ارادة الناخبين وهو ما يخالف موقف جمعية القضاة الشبان التي أصدرت بيانا توجيهيا دعت فيه إلى انتخاب قضاة مستقلين ويتسمون بقدر كبير من الجرأة والتوازن والعلم ولم تفضل قاضيا على حساب آخر وهي ستقوم بمتابعة أعمال المجلس ونقد أدائه بصفة مستمرة وشدّد محدّثنا على ضرورة تجرد القضاة المنتخبين منذ اليوم من انتماءاتهم الهيكلية لتمثيل القضاة دون تمييز.