يتضمن "تنازلات".. تفاصيل مقترح الإحتلال لوقف الحرب    اكتشاف أحد أقدم النجوم خارج مجرة درب التبانة    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    جماهير الترجي : فرحتنا لن تكتمل إلاّ بهزم الأهلي ورفع اللقب    كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    وزارة السياحة أعطت إشارة انطلاق اعداد دراسة استراتيجية لتأهيل المحطة السياحية المندمجة بمرسى القنطاوي -بلحسين-    وزير الخارجية يواصل سلسلة لقاءاته مع مسؤولين بالكامرون    عمار يدعو في ختام اشغال اللجنة المشتركة التونسية الكاميرونية الى اهمية متابعة مخرجات هذه الدورة وتفعيل القرارات المنبثقة عنها    رئيس البرلمان يحذّر من مخاطر الاستعمال المفرط وغير السليم للذكاء الاصطناعي    سجنان: للمطالبة بتسوية وضعية النواب خارج الاتفاقية ... نقابة الأساسي تحتجّ وتهدّد بمقاطعة الامتحانات والعمل    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    الرابطة 2: نتائج الدفعة الأولى من مباريات الجولة 20    الترجي الرياضي يفوز على الزمالك المصري. 30-25 ويتوج باللقب القاري للمرة الرابعة    بطولة مدريد للماسترز: أنس جابر تتأهل الى الدور ثمن النهائي    زيادة ب 4.5 ٪ في إيرادات الخطوط التونسية    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    توزر: الندوة الفكرية آليات حماية التراث من خلال النصوص والمواثيق الدولية تخلص الى وجود فراغ تشريعي وضرورة مراجعة مجلة حماية التراث    تعاون مشترك مع بريطانيا    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    تامر حسني يعتذر من فنانة    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    الرابطة الثانية : نتائج الدفعة الأولى لمباريات الجولة السابعة إياب    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو إلى تنظيم تظاهرات طلابية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الثقافة الإيطالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    عاجل/ عالم الزلازل الهولندي يحذر من نشاط زلزالي خلال يومين القادمين..    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    قفصة: ضبط الاستعدادات لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق خلال الصّيف    تونس : أنس جابر تتعرّف على منافستها في الدّور السادس عشر لبطولة مدريد للتنس    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    انطلاق أشغال بعثة اقتصادية تقودها كونكت في معرض "اكسبو نواكشوط للبناء والأشغال العامة"    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انطلاق نشاط نقاش الميزانية : "الصباح نيوز" تنشر النص الكامل لبيان الحكومة
نشر في الصباح نيوز يوم 25 - 12 - 2013

انطقت منذ حين الجلسة العامة للمجلس الوطني التاسيسي المخصصة للنظر في مشروع ميزانية الدولة لسنة 2014 وقد حضر الجلسة كل اعضاء الحكومة كما حضرها 132 نائبا.
والقى رئيس الحكومة علي العريض بيان الحكومة الذي نورد نصه فيما يلي :
مرّت بلادنا منذ قيام الثورة وعلى امتداد السنوات الثلاثة الأخيرة بمرحلة من أهمّ مراحل تاريخنا المعاصر، عرفت فيها مسارا سياسيا ثريّا يجمع بين تعدّد الأطراف وتنوّع الفاعلين من جهة وبين وحدة الهدف والغاية من جهة أخرى. وقد مثّل الحوار بأطره واشكاله المختلفة منذ انتصار الثورة الديناميكية الأساسية التي حكمت الفضاء السياسي العام في هذه المرحلة والآلية التي تفضي بنا إلى مخرجات توافقية.
وإنّ الانتقال الديمقراطي في بلادنا هدف في ذاته ومقدّمة وشرط أساسي لبناء أسس الجمهورية التي تتحقق فيها أهداف ثورة الحرية والكرامة. ويستدعي تحقيق ذلك بناء الثقة وتعزيزها بين أهمّ الفاعلين في مختلف فضاءات الشأن العام والمحافظة على ديمومة العملية السياسية. فلقد صبر شعبنا على نخبه السياسية والاجتماعية والمدنية صبرا مقدّرا يستحقّ أن يكون جزاؤه بعد مرور ثلاث سنوات عن اندلاع الثورة، أن يطمئن على مصير البلاد وعلى مستقبل أهداف الثورة.
لقد استثمرنا كثيرا في العملية السياسية، ونأمل أن تجني بلادنا ثمرة ذلك بتسريع المصادقة على الدستور وتنظيم الانتخابات المقبلة في أحسن الظروف وفقا للمعايير الدولية، لتدخل بلادنا بقدم ثابتة مرحلة مستقرة بدستور عصري يضمن الحقوق والحريات، وبمؤسسات دستورية دائمة تعطى فيها الأولوية لبرامج التنمية والعدالة الاجتماعية.
ولا ينحصر أثر نجاح تجربتنا التونسية الخالصة في وضعنا الداخلي فحسب، بل إنّ هذا النجاح سيرفع موقع بلادنا بين الدول ويؤهّلها للقيام بأدوار إيجابية في محيطها المباشر وفي علاقاتها الاقليمية والدولية. وستكون تونس إن شاء الله نموذجا للثورة التي نجحت والانتقال الذي أثمر تأسيس دولة حرّة، آمنة، مزدهرة وعادلة.
ولقد بذلنا الوسع في تعزيز علاقتنا الخارجية في بعديها السياسي والاقتصادي عبر تطوير علاقاتنا الاقليمية عربيا وإسلاميا وأوروبيا واستثمار علاقاتنا الثنائية ومتعددة الأطراف ومع المنظمات الدولية الكبرى بما يمكّن من جلب الدعم السياسي للتجربة التونسية المتفردة ودعم جهود الدولة في تنمية الاستثمارات والتقدم في الاصلاحات الكبرى.
حضرات السيدات والسادة،
شهدت سنة 2013 خطوات هامة ساهت في تعزيز المنظومة التشريعية لحقوق الانسان بسنّ جيل جديد من القوانين والاجراءات وتركيز عديد الهيئات التعديلية على غرار الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي والهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري التي تندرج كلّها في إطار وفائنا بتحقيق بعد أصيل من أبعاد كرامة التونسيين نساء ورجالا باحترام حقوقهم الفردية والجماعية.
وفي هذا السياق جاءت المبادرة بإحداث "هيئة وطنية للوقاية من التعذيب" وانضمام تونس إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب الصادرة عن الأمم المتحدة لتصبح تونس بهذا التشريع الجديد الأولى عربيا والرابعة إفريقيا التي توجد بها هيئة مستقلة للوقاية من التعذيب ممّا دفع بالهيئات الوطنية والدولية إلى الإشادة بذلك بعد مصادقة مجلسكم الموقر على قانون إنشائها. كما عملنا، من خلال المصادقة على القانون المتعلق بضبط نظام خاص للتعويض عن الأضرار الناتجة لأعوان قوات الأمن الداخلي عن حوادث الشغل والأمراض المهنية على دعم المكاسب القانونية للمؤسّسة الأمنية.
ولقد فتحت الثورة أمامنا مسارا جديدا وفرصة تاريخية لإنجاز تغييرات نوعيّة تؤسّس لبناء تعاقد اجتماعي يقوم على القانون وحقوق الإنسان والمواطنة والتشاركية والديمقراطية المحلية، يحرّر شعوبنا من الاستبداد والعنف والاقصاء والتهميش ويعصم وطننا من هيمنة الخارج. ولا يفوتنا في هذا السياق التأكيد على أن بناء منظومة حقوق الإنسان كمرجعية لإصلاح المجتمع وتطويره مسؤولية يتقاسمها الجميع: الحكومة والهيئات المنتخبة والمجتمع المدني والمواطن. وقد توفّقنا إلى تحقيق خطوات هامة في فتح المجال أمام المجتمع المدني لمزيد التهيكل ذاتيا وإسناد مبادراته وخاصة مع اصدار أمر جديد يحدد معايير التمويل العمومي للجمعيات وبرامجها تدعيما لدولة القانون ومقتضيات الشفافية.
وفي مجال حرية التعبير والصحافة، تعزّز المشهد العام بتفعيل المرسوم عدد 116 وتركيز الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري كهيئة مستقلة تتولّى تعديل المشهد الإعلامي السمعي البصري وتسهر على ضمان تعدديته والتزامه بالموضوعية والحياد والشفافية. كما يجري العمل على تفعيل المرسوم عدد 115 بالتنسيق مع الهياكل الممثلة للصحفيين المحترفين للمرور بأسرع وقت ممكن لمنح بطاقة صحفي محترف لمستحقيها لمساعدتهم على المساهمة من موقعهم في تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان.
حضرات السيدات والسادة،
لأنّ الإرهاب ظاهرة مركّبة في طبيعتها وممتدّة في خيوطها تتجاوز حدود بلادنا وخطيرة في عواقبها، لم تتردّد الحكومة في مواجهة هذا الخطر بكلّ ما يلزم من رؤية واضحة وإجراءات صارمة لتطبيق القانون وإرادة عازمة لا تلين في ملاحقة الإرهابيين تنظيما وخلايا وأفرادا. ولا يفوتنا في هذا السياق الترحّم على أرواح شهدائنا من ضحايا الارهاب شكري بلعيد ومحمد ابراهمي وأبطالنا من العسكريين والأمنيين كما نجدّد شكرنا لمؤسساتنا العسكرية والأمنية والديوانية لعظيم المجهودات والتضحيات التي يقدمونها لحماية بلادنا من الإرهاب وحماية مكاسب التونسيات والتونسيين في أمنهم وحرياتهم وحقوقهم ومدنية دولتهم.
ولقد حقّقت مؤسّساتنا العسكرية والأمنية والديوانية إنجازات أخرى مهمّة في مجال مقاومة العنف والفوضى والجريمة المنظّمة والتهريب ولا يزال ينتظرنا الكثير من الأعمال لمواصلة هذه الجهود رغم ما سجلناه من تطوّر ملحوظ في أداء هذه المؤسسات من خلال حزمة كبيرة من الاجراءات المتلاحقة تهدف إلى تحسين الوضع المادي وظروف عمل مختلف الأسلاك.
وتعزّزت هذه الاجراءات بما تضمنته الأحكام المدرجة بقانون المالية التكميلي لسنة 2013 الذي تولى مجلسكم الموقر المصادقة عليه خلال الأيام القليلة الفارطة من منافع لفائدة أولي الحق من الشهداء والجرحى من أعوان الجيش والأمن الوطنيين وأعوان الديوانة اعترافا لهم بتضحياتهم الجسام في إطار مقاومة الارهاب والدفاع عن أمن هذا الوطن.
وقد يكون من المفيد في هذا السياق تأكيد الحاجة الوطنية المتوجّبة لمعاضدة مجهود الدولة في مقاومة الإرهاب والعنف والفوضى والجريمة المنظّمة بقيام مبادرات من المجتمع المدني ومساهمات من الإعلام ومن الفضاءات الثقافية والمؤسسات التربوية والتعليمية وبمزيد إحكام تنظيم المساجد وتقديم خطاب ديني معتدل وتعزيز كلّ ذلك بمزيد تفعيل أدوار الأسرة في تربية أبنائها ورعايتهم والأحزاب السياسية في تأطير الشباب بما يسهم في خلق حالة وطنية عامّة ضدّ الإرهاب والعنف.
ووفاء لشهداء تونس من التحرير إلى الثورة وتقديرا لنضالات كل التونسيات والتونسيين من كل الأجيال والجهات والعائلات السياسية واعترافا لكل الذين تحمل أجسادهم آثار الاستبداد، أنجزت حكومة الثورة ما وعدت بإعداد مشروع قانون العدالة الانتقالية باعتباره واحدا من أهم مطالب الثورة تمت المصادقة عليه من مجلسكم الموقر مؤخّرا.
وسيمكن هذا القانون عبر هيئة الحقيقة والمصالحة التي نص عليها من إنصاف ضحايا النظامين السابقين منذ 1955 إلى تاريخ صدوره وتفكيك منظومة الاستبداد والفساد وحفظ الذاكرة الوطنية وكشف الحقيقة وإنصاف الضحايا وتحقيق المحاسبة والمصالحة.
و من جهة أخرى، ومن منطلق ايمانها بجسامة التضحيات التي بذلوها في سبيل الحرية والكرامة حرصت الحكومة على استكمال معالجة ملف شهداء وجرحى الثورة والمنتفعين بالعفو العام لتمكينهم من مختلف الحقوق المخولة لفائدتهم أو لفائدة ذويهم من انتداب مباشر وجرايات وعلاج ونقل مجاني. وقد شارفنا والحمد لله على غلق هذه الملفات ويجري العمل حاليّا على متابعة وضعية بعض الجرحى من ذوي الاحتياجات الخاصة الطبية وشبه الطبية لتمتيعهم بما يستحقون من الرعاية والعناية اعترافا لهم بتضحياتهم وحفظا لكرامتهم وتحسينا لمستوى عيشهم.
أمّا بخصوص استرجاع الاموال المنهوبة والمهرّبة إلى الخارج فتبذل الحكومة مساعيها، رغم التعقيدات القانونية والسياسية، لتتبع الأموال المنهوبة أينما كانت واسترجاعها بهدف توظيفها في دعم موارد الدولة وتجسيد مشاريع وبرامج، وقد استرجعت تونس خلال سنة 2013 حوالي 29 مليون دولار من هذه الأموال المهربة ولا تزال الجهود متواصلة.
حضرات السيدات والسادة،
لقد بذلنا ما في وسعنا من أجل التقدّم في إنجاز الأولويات الأربعة التي حدّدناها لحكومتنا منذ تولّينا مقاليد الأمور في مارس الماضي. وقد كان تقديرنا في تلك الفترة أن مناخ التوافق والتقدم في مختلف مسارات الحوار الوطني وتسريع نسق أعمال المجلس الوطني التأسيسي عوامل كفيلة بإنهاء المرحلة الانتقالية وتتويجها بالمصادقة على دستور جديد توافقي وتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في موفّى هذه السنة.
غير أن ما شهدته بلادنا من عمليات إرهابية ذهب ضحيتها الشهيد محمد الابراهمي وعدد من رجال جيشنا الوطني وأمننا الوطني والتفاعلات والتجاذبات ضاعف من حجم التحديات والمخاطر الأمنية وعطّل العملية السياسية والعمل التأسيسي وهدّد المسار الانتقالي.
ولأنّنا دائما مع الحوار والبحث عن التوافقات، دعمنا كل مبادرات الحوار وآخرها مبادرة الرباعي لرعاية حوار وطني يحترم الشرعية ويتم فيه التوافق على سبل النجاح في ما تبقى من المرحلة الانتقالية بالمصادقة على الدستور وهيئة الانتخابات وموعدها وتشكيل حكومة مستقلة لا تترشح للانتخابات القادمة وتسهر على شؤون البلاد لباقي المدة،
ورغم البطء والتعثر الذي حصل ويحصل، فإنّ هذا الحوار الذي آمل له النجاح- لا سيما وقد قطع أشواطا على طريقه- يمثّل بدوره خصوصية تونسية تدعم الثقة لدى التونسيين بقدرتهم على حلّ مشاكلهم في كنف الاستقلال والتحضر ومراعاة مصالح البلاد مهما اختلفوا.
حضرات السيّدات والسادة،
تمّ إعداد مشروع ميزانية الدولة لسنة 2014 في مرحلة يعرف فيها الاقتصاد الوطني تحديّات فرضها تمديد مرحلة الانتقال الديمقراطي بالإضافة إلى صعوبة الظرف الاقتصادي الدولي خاصة في بلدان الإتحاد الأوروبي شريكنا الاقتصادي الرئيسي مع مخاوف من ارتفاع الأسعار العالمية للمواد النفطية.
وقد أفرزت هذه العوامل ضغوطا على ميزانية الدولة على مستوى النفقات وعلى مستوى تعبئة الموارد الذاتية والخارجية.
لذا وكما كان متوقعا ومبرمجا إلى حدّ ما، بات من الضروري انتهاج سياسة التحكم في النفقات بعد ما تم التوسع فيها خلال سنوات 2011–2013 وذلك استجابة للحاجيات الملحة والضغوط الاجتماعية المتزايدة. وقد تجسّم هذا التوجه في حصر تطوّر حجم الميزانية لسنة 2014 مقارنة بسنة 2013 في حدود 2.3%، مقابل تطورها خلال السنتين المنقضيتين تباعا بنسبة 18% و12%، لتبلغ 28.125 م.د دينار قبضا وصرفا وذلك من خلال التحكّم في نفقات التسيير وفي كتلة الأجور وترشيد نفقات الدعم بالتوازي مع تطوير ميزانية التنمية بزيادة هامّة تناهز 17% ودعم مجهود استخلاص الموارد الذاتية. وتبعا لذلك يُنتظر أن لا تتجاوز نسبة عجز ميزانية الدولة 5,7% من الناتج المحلّي الإجمالي مقابل 6.8% متوقّعة لسنة 2013.
هذا وتجدر الإشارة إلى أنّه تمّ ضبط توجهات قانون المالية لسنة 2014 في ضوء المعطيات التالية:
- تحقيق نسبة نموّ ب4% بما يمكّن من تسريع نسق إحداثات الشغل ومن تدعيم الموارد الذاتية للدولة.
- استعادة ديناميكية الاستثمار الخاص من خلال تفعيل مقتضيات المجلة الجديدة للاستثمار والأحكام الجبائية المضمنة بهذا القانون.
- التحكّم تدريجيّا في التوازنات العامة للميزانية لاستعادة هوامش التصرّف في السياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية.
- تقليص الضغوط على سعر صرف الدينار وعلى مؤشر تطوّر الأسعار حفاظا على المقدرة الشرائية للمواطن التونسي.
- اعتماد معدّل سعر النفط لكامل السنة ب110 دولار للبرميل ومستوى سعر صرف الدولار ب1,670 دينار.
حضرات السيّدات والسادة،
لقد أقرّت الحكومة في إطار التحكّم في الحجم الجملي للنفقات عددا من الاجراءات تتعلّق أساسا بالتقليص في نفقات التسيير بنسبة لا تقلّ عن 5% مقارنة بسنة 2013 والضغط على الإنتدابات الجديدة بالوظيفة العمومية.
وإنّي أغتنم هذه الفرصة لدعوة جميع التونسيين ومنظماتهم الاجتماعية إلى إعلاء المصلحة الوطنية وعقلنة المطالب بما لا يتجاوز إمكانيّات البلاد أو يرهقها ذلك أنّ تحقيق الانتعاشة الاقتصادية المأمولة لتسريع ورفع نسق احداثات الشغل ومكافحة البطالة تقتضي مضاعفة الجهد وإعادة الإعتبار لقيم العمل والمثابرة.
كما ستستمر جهود إصلاح منظومة الدعم بترشيدها والضغط على نفقاتها مع حماية القدرة الشرائية و إقرار برنامج عمل يهدف إلى تصويب الدعم نحو مستحقّيه الفعليّين والترفيع في التحويلات الموجهة إلى الفئات الضعيفة. وسيتواصل في إطار قانون المالية لسنة 2014 دعم المواد الأساسية في حدود 407 م.د ودعم المحروقات والكهرباء في حدود 2500 م.د ودعم النقل في حدود 385 م.د. وذلك رغم الضغوط المسلطة على موارد الصندوق العام للتعويض وارتفاع الأسعار العالمية للمحروقات وانزلاق سعر صرف الدينار.
وفي إطار استحثاث نسق الاستثمارات العمومية، تولّت الحكومة رصد اعتمادات جملية للتنمية بقيمة 5600 م د مقابل 4800 م د سنة 2013 وهو ما يعادل حوالي 24% من مجموع النفقات دون احتساب خدمة الدين.
وقد ضُبطت هذه التقديرات على أساس مواصلة إنجاز البرامج والمشاريع الاستثمارية المتعهد بها وبرمجة جملة من البرامج والمشاريع الجديدة في مجالات توسيع شبكة الطرقات السيارة وتعصير شبكة الطرقات الداخلية في المناطق الحضرية وتحديث تجهيزات النقل العمومي إضافة إلى تنفيذ مشاريع تعبئة الموارد المائية والتطهير ورصد الموارد اللازمة لتشجيع الاستثمار الخاص ودفع التصدير.
حضرات السيدات والسادة،
إنّ جسامة التحديات التي تواجهنا على مستوى النفقات تقتضي جهودا مضاعفة لتعبئة الموارد اللاّزمة لتأمين السير العادي لمصالح الدولة ولإنجاز مختلف المشاريع المبرمجة.
وقد قُدّرت جملة موارد ميزانية الدولة لسنة 2014 ب28.125 م.د أي بزيادة 2,3% مقارنة بميزانية سنة 2013. وارتأينا وفي إطار الحفاظ على التوازنات العامة للميزانية حصر نسبة الاقتراض في حدود 7838 م.د بما يمثل نسبة 27,8% من جملة موارد الميزانية وبذلك تكون جملة المداخيل الذاتية في حدود 20.287 م أي ما يعادل 72,2% من الميزانية.
وستمكّن تعبئة الموارد الذاتية المبرمجة بقانون المالية لسنة 2014 من التّحكّم في نسبة العجز في حدود 5,7% من النّاتج المحلّي الإجمالي ومن حصر نسبة الدّين العمومي في حدود 49,1% من النّاتج المحلّي الإجمالي.
كما ستحرص الحكومة خلال الفترة المقبلة على المتابعة الدقيقة للواردات تجنبا لتفاقم العجز التجاري المسجل والذي كان في حدود 6,8% من النّاتج المحلي الاجمالي خلال سنة 2013 مع العمل على تنقيح القانون المتعلق بالتجارة الخارجية.
حضرات السيدات والسادة،
يبقى التحكّم في التوازانات العامّة للميزانية من نسب عجز ومديونية رهين استكمال الإصلاحات الاقتصادية والمالية والجبائية التي شرعت فيه الحكومة.
ويندرج إصلاح القطاع المالي واستعادة عافية مؤسسات القرض وفي مقدّمتها البنوك ضمن الأولويّات المطروحة خلال سنة 2014 حتّى يتسنّى لجميع المستثمرين والمتعاملين الاقتصاديين النفاذ إلى التمويلات الضرورية بكلفة معقولة.
ولأنّ القطاع البنكي يحتاج إلى إصلاحات كبرى لتنشيط دوره في تعبئة الادّخار وتمويل المشاريع خاصة بالنظر إلى الصعوبات الهيكلية الموروثة فقد تمّ الشروع خلال السنة الجارية في برنامج التدقيق الشامل للبنوك الثلاثة الكبرى العمومية (الشركة التونسية للبنك، بنك الإسكان والبنك الوطني الفلاحي) بمختلف فروعها وذلك بهدف تشخيص مواطن الخلل واتخاذ التدابير المناسبة لتدعيم أسسها المالية وتحسين مستوى الحوكمة بها. وسيساعد هذا التدقيق على تحديد استراتيجية لتطوير هذه البنوك الكبرى لتستجيب للمعايير الدولية في التصرف والحوكمة والهيكلة.
ونظرا لأهمية التمويل الصغير في الإدماج الإقتصادي والاجتماعي لأصحاب المشاريع الذين قد يصعب حصولهم على التمويل البنكي، يجري العمل على استكمال إطاره التشريعي والترتيبي بعد أن تمّ تعزيز المنظومة بهيئة رقابة التمويل الصغير لإكساء القطاع المهنية والشفافية اللاّزمة.
ولمزيد إثراء الساحة المالية والاستجابة لمطالب المتعاملين الاقتصاديين، تمّ الانتهاء من إرساء مكوّنات منظومة المالية الإسلامية من مصارف إسلامية وصناديق استثمار وصكوك إسلامية وتأمين تكافلي... ولا يزال العمل متواصلا لاستنباط آليات جديدة لتحسين نفاذ المؤسسات والأفراد إلى التمويل وبعث المشاريع.
كما تمّ في نفس السياق إنجاز دراسة معمّقة لتوضيح وتقييم العلاقة بين القطاعين المالي والسّياحي بيّنت الحاجة إلى وضع هيكلة جديدة لهذه العلاقة تمكّن من الحفاظ على توازن القطاع البنكي بالتّخفيف من عبء الدّيون العالقة وغير القابلة للاستخلاص ومن إعادة هيكلة الوحدات السياحية القابلة لذلك بهدف تدعيم البنية الأساسية بهذا القطاع ومزيد تنشيطه.
كما تتواصل الجهود في إصلاح المنظومة الجبائية التي تبيّن أنها تشكو من تضخّم الأحكام القانونيّة والترتيبيّة وتشعّبها وتشتّتها وتعدّد الأنظمة التفاضليّة ومحدوديّة نجاعة الأنظمة التقديرية ونقص وسائل وتنظيم مصالح الجباية وتنامي التحيّل والتهرّب الضريبي وهو ما يمسّ من مبدأ المساواة والعدل بين المطالبين بالأداء وينال من سلامة مناخ الاستثمار، ويؤمّل أن يكون هذا الإصلاح الكبير جاهزا في منتصف سنة 2014 ليدخل حيز التنفيذ تدريجيا بعد المصادقة عليه.
وبهدف تكريس جدوى التصرف في الموارد المالية ستتواصل عملية الإرساء التدريجي لمنظومة التصرف في الميزانية حسب الأهداف وما يتطلبه ذلك من تطوير منظومة المحاسبة العمومية ونظام الرقابة على النفقات العمومية. كما سيتواصل إصلاح الإطار الترتيبي المنظم للصفقات العمومية في اتجاه دعم قواعد المنافسة وتحسين جودة الشراءات العمومية استئناسا بمنهجية منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بما سيؤثر ايجابيا على مناخ الأعمال وتطوير الاستثمار الخاص.
حضرات السيدات والسادة،
لقد كان أداء الاقتصاد الوطني خلال سنة 2013 ايجابيا لكنه دون المأمول حيث عرفت هيكلة الإنتاج تطوّرا مشجّعا خاصة في أنشطة الخدمات والصناعات المعمليّة والقطاعات الموجّهة للتصدير فيما شهدت قطاعات أخرى تطوّرا ضعيفا وفي بعض الاحيان سلبيّا مثل المناجم لتعطّل الانتاج فيها وقطاع الفلاحة بسبب التراجع الحاد في محصول الحبوب نتيحة نقص الأمطار.
ورغم هذه الصعوبات، تمكّن الاقتصاد الوطني من تحقيق نسبة نموّ إيجابي بحوالي 2,8%. ويستند هذا التطور الإيجابي بالأساس إلى ديناميكية الطلب الداخلي وخاصة الاستهلاك والاستثمار العمومي وهو ما مكّن من تدارك المساهمة المحتشمة للتجارة الخارجية في النموّ بحكم تواصل الضغوط المتأتّية أساسا من الركود في منطقة اليورو المسلّطة على الصادرات رغم التحسّن المسجّل خلال الفترة الأخيرة.
ولقد كان لحجم الانتدابات في الوظيفة العمومية وتسوية عديد الوضعيات المهنيّة وتحمّل الدولة لحجم غير مسبوق من نفقات الدعم للمحافظة على القدرة الشرائيّة للمواطن الأثر الايجابي على تطوّر نسق الاستهلاك الداخلي. كما كان لرصد اعتمادات استثنائية لنفقات التنمية واستحثاث تنفيذ المشاريع العمومية مفعول مباشر على ديناميكية الاستثمار الجملي ممّا مكّن من استرجاع وإن جزئيا نسق الاستثمار الخاص في هذه الفترة.
وشهد الاستثمار العمومي سنة 2013 تطورات مشجعة رغم الصعوبات الإجرائية والعقارية التي اعترضتنا في تنفيذ المشاريع المبرمجة حيث بلغ عدد المشاريع في مختلف القطاعات المنتجة إلى موفّى سبتمبر 2013 ما عدده 12503 مشروعا بكلفة تقدّر بحوالي 14.470 م د. وقد تمّ تسجيل انخفاض في نسبة المشاريع التي تواجه صعوبات لتصل إلى 8% فقط من الكلفة الجملية للمشاريع.
كما شهدت الفترة الأخيرة الانطلاق في أشغال انجاز عدّة طرقات سيّارة على غرار مجاز الباب – بوسالم ومدنين – رأس الجدير وقابسمدنين ومواصلة أشغال الطريق السيارة صفاقسقابس والانطلاق في إعداد الدراسات الفنية لانجاز الطريق السيارة بوسالم الحدود الجزائرية فضلا عن انجاز عدة مشاريع أخرى تخص تزويد العديد من المناطق بالغاز الطبيعي والماء الصالح للشراب وتدعيم شبكة المياه بالإضافة إلى الانطلاق في برنامج هامّ يشمل تهيئة 119 حيّ شعبي ومواصلة تهيئة المناطق الصناعية وتعصير وتطوير شبكة الطرقات المرقمة والمسالك الريفية.
وبالنظر إلى العراقيل التي حالت دون تحقيق النقلة النوعية للاستثمار الخاص أولينا الجانب المؤسساتي والتشريعي لمنظومة الاستثمار اهتماما خاصّا. وقد تمّ إعداد مشروع مجلة جديدة للاستثمار أُحيلت إلى مجلسكم الموقّر لدراستها والمصادقة عليها. وقد جاء هذا التنقيح ليتوّج مسارا طويلا من الدراسة والتقييم والتشاور المستفيض في إطار مقاربة تشاركية، والاستغلال الأمثل لنتائج الدراسات المنجزة حول منظومة الاستثمار في تونس والاستئناس بالتجارب المقارنة وفي تنظيم الاستشارات الموسّعة على المستويين الجهوي والمركزي حول مضمون الإصلاح الجديد.
كما سيتمّ استكمال الإطار القانوني المنظّم لصيغ الشراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ بهدف تنشيط الاستثمارات المشتركة وفق مبدأ تقاسم المخاطر والمنافع. وقد أحلنا إلى مجلسكم الموقّر منذ أشهر مشروع قانون الشراكة الذي نعلّق عليه آمالا كبيرة في دفع الاستثمار. كما أحلنا عليكم مشروع القانون الخاص بالاستثمار في الطاقات المتجددة وهو بدوره إصلاح استراتيجي سيكون له بالغ الأثر على دفع الاستثمار وتمكين البلاد من الطاقات النظيفة والتحرّر الجزئي من التوريد الطاقي.
وبالتوازي، لم ندّخر جهدا بمشاركة مختلف الأطراف لتذليل الصعوبات أمام المؤسسات العمومية أو الخاصة لمواصلة نشاطها والمحافظة على مواطن الشغل بها وذلك من خلال معالجة التوترات والاضطرابات الاجتماعية والخلافات الشغلية التي حصلت داخل هذه المؤسسات بعد الثورة إلى جانب الاتصال مباشرة بالمستثمرين- تونسيين وأجانب- للتباحث معهم في السبل الكفيلة ببعث مشاريع والانتصاب بالبلاد. وقد بلغ الحجم الجملي للاستثمارات الخارجية إلى موفى شهر نوفمبر 2013 ما قدره 1778 م.د مسجّلا بذلك تطورا بنسبة 14,9% مقارنة بنفس الفترة من سنة 2012. كما سُجّل دخول حوالي 315 مشروع جديد طور الإنتاج مكّنت من إحداث 5227 موطن شغل بالإضافة إلى إنجاز 177 مشروع توسعة ساهمت في إحداث 2243 موطن شغل إضافي.
وفي خصوص المشاريع الاستثمارية الكبرى تمّ إحداث اللجنة العليا للاستثمار على مستوى رئاسة الحكومة كإطار مؤسّساتي شفّاف لدراستها والتي صادقت على عدد من المشاريع الهامة أخصّ بالذكر منها مشروع إحداث مدينة استشفائية بالخبايات من ولاية قابس ومشروع مدينة تونس العالمية للمعرفة برواد من ولاية أريانة ومشروعا للتخزين الانتقالي للطائرات بمطار توزر-نفطة ومشروع إحداث قطب تنافسي لصيانة اليخوت بطبرقة من ولاية جندوبة ولا تزال مشاريع أخرى تحت الدرس.
وتفيد الدراسات الأولية أنّ حجم الاستثمار الجملي لهذه المشاريع يفوق 3400 م.د، معظمها من الاستثمارات الخارجية ممّا من شأنه أن يحدّ من اختلال ميزان الدفوعات ويسرّع في نسق إحداث مواطن الشغل وذلك بالنظر إلى الطاقة التشغيلية الهامة لهذه المشاريع والتي يمكن أن توفر في مجملها أكثر من عشرين ألف موطن شغل مباشر خلال فترتي الإنجاز والاستغلال.
أمّا على مستوى التنمية الجهوية، فقد تمّ خلال سنة 2013 إيلاء أهمية كبرى إلى المشاريع والبرامج العمومية التي تهدف إلى تنفيذ الأولويات الوطنية لا سيما منها المتعلقة بالتشغيل والارتقاء بمستويات العيش. وفي هذا الإطار تمّ الترفيع في حجم اعتمادات البرنامج الجهوي للتنمية التي بلغ معدلها السنوي خلال السنوات الثلاثة الأخيرة 287 م.د أي بزيادة تعادل خمس مرات الاعتمادات المخصّصة للغرض خلال الفترة (2008-2010).
وقد مكّنت هذه الاعتمادات من تحسين ظروف العيش بتهيئة وتعبيد 415 كلم من الطرقات والمسالك الفلاحية وتزويد 31 ألف عائلة بالماء الصالح للشرب وإيصال النور الكهربائي إلى 7316 مسكنا ودعم موارد الرزق لفائدة 43263 منتفعا. وقد استفادت 4000 أسرة من برنامج تعويض الأكواخ تمّ الشروع في توزيع جزء منها وتمّ الشروع في بناء 1000 مسكن اجتماعي جديد بأسعار تفاضلية بالإضافة إلى تمتيع 2000 مواطن بمنح لتحسين السكن.
وفي إطار دعم مقوّمات التنمية بالجهات والمناطق ذات الأولوية، مكّن برنامج التنمية المندمجة الذي يغطّي 90 معتمدية 81% منها بالمناطق الداخلية من تحسين البنية الأساسية والتجهيزات الجماعية وإحداث حركيّة اقتصادية محلّية وتوفير حوالي 2723 موطن شغل.
وسيمكّن القسط الثاني من نفس البرنامج الّذي يهمّ 36 معتمدية بالولايات الداخلية بتكلفة جملية تقدر ب 203 م.د من إحداث 9050 موطن شغل مباشر خلال سنة 2014 بإذن الله.
حضرات السيدات والسادة،
ضبطت تقديرات النمو لسنة 2014 في حدود 4% مقابل 2,8% سنة 2013 ممّا سيمكن من الارتقاء بالدخل الفردي إلى حدود 7965 د سنة 2014 مقابل 7235 د سنة 2013.
ومن المتوقّع أن ينمو حجم الاستثمار الجملي بنسبة 9.7% بالأسعار الجارية ليبلغ 17.847 م.د بفضل تعزيز الإصلاحات الرامية إلى مزيد تحسين مناخ الأعمال وإستعادة ثقة أصحاب المؤسسات الوطنية والأجنبية في آفاق الاستثمار.
وفي هذا السياق ستتركّز مجهودات الدولة في مجال الإستثمار لسنة 2014 على عدد من القطاعات الحيوية على غرار البنية التحتية والفلاحة والصناعة والخدمات من ذلك إنطلاق أشغال الطريق السيارة قابس- مدنين والانتهاء من انجاز الدراسات الخاصة ببناء الطريق السيارة بوسالم – الحدود الجزائرية (80 كم) والطريق السيارة الرابطة بين النفيضة والقيروان وسيدي بوزيد والقصرين وقفصة (350 كم).
كما سيتواصل تدعيم البنية الأساسية في ميدان النقل الحديدي قصد دعم النقل الجماعي عبر تركيز مشاريع السلامة ومشاريع تأهيل الخطوط وإنجاز جزء من الشبكة الحديدية السريعة (RFR) ودراسة جدوى إحداث خطوط ذات سرعة عالية LGVبين تونس والجزائر وبين تونس وليبيا.
أمّا في مجال الفلاحة فستشهد سنة 2014 إعداد الدراسات التنفيذية لإنجاز مشروع التصرف المندمج في حوض مجردة بمساعدة يابانية بهدف حماية منطقة حوض مجردة من الفيضانات وضمان إحكام التصرف في الموارد المائية وخاصة بجهات بوسالم وجندوبة ومجاز الباب وطبربة والجديدة وقلعة الأندلس. هذا بالإضافة إلى انجاز جملة من الآبار لتوفير الماء الصالح للشرب بالمناطق الريفية وإحداث مناطق سقوية جديدة فضلا على مواصلة انجاز 5 سدود وذلك في إطار الخطة الوطنية الرامية إلى بلوغ نسبة تعبئة للموارد المائية المتاحة ب95% في أفق 2016. كما ستشهد جزيرة جربة انجاز محطة تحلية لمياه البحر بطاقة 50 ألف متر مكعب في اليوم لتغطية الحاجيات من الماء الصالح للشرب ممّا سيمكن من تخفيف الضغط على الموارد المائية المتاحة وتحسين الخدمات بمناطق أخرى من الجنوب التونسي.
وستثمر الجهود لتحسين ظروف العيش وخاصة داخل الأحياء الشعبية على الانطلاق في انجاز برنامج جديد لتهذيب 228 حيّا شعبيا.
أمّا في مجال حماية البيئة والمحافظة على المحيط وضمان ديمومة الموارد الطبيعية المتاحة وحق الأجيال القادمة فيها ستشهد سنة 2014 انطلاق انجاز 15 محطة تطهير منها 8 بالمناطق الحضرية و7 بالمناطق الريفية وانجاز 3 مصبات مراقبة ومراكز التحويل التابعة لها فضلا على الشروع في تنفيذ برنامج لتثمين الفضلات.
وتقدّر الاستثمارات في مجال تهيئة المناطق الصناعية بحوالي 43 م.د لمواصلة أشغال تهيئة 25 منطقة صناعية وانطلاق الأشغال بما عدده 9 مناطق صناعية أخرى.
ولجعل تونس قاعدة للخدمات اللوجستية والتجارة الدولية وتطوير النقل البحري بالحاويات ستشهد سنة 2014 الشروع في إعداد الإطار المؤسساتي وضبط التركيبة المالية لانطلاق انجاز مشروع ميناء المياه العميقة بالنفيضة في إطار شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص.
حضرات السيدات والسادة،
وستستمرّ جهود بعث مواطن الشغل والمساعدة عليها بمختلف الآليات وتطوير منظومة التكوين المهني لا سيما بعد المصادقة على استراتيجية في الغرض قبل حوالي شهر. وقد مكنت مختلف التدابير والاجراءات المتخذة في هذا الصدد من التخفيض في نسبة البطالة إلى 15,7% في موفى 2013 مقابل 18,9% سنة 2011.
كما تمّ في إطار مكافحة الفقر رصد اعتمادات غير مسبوقة بعنوان المصاريف والتحويلات ذات الطابع الاجتماعي بلغت نسبتها 25% من الناتج المحلي الإجمالي وينتظر أن تبلغ هذه النسبة 26% سنة 2014.
وعلى صعيد آخر، تمّ الشروع في اعداد بنك معطيات حول العائلات المعوزة ومحدودة الدخل وتوسيع المساعدات لتشمل حاليّا 235 ألف عائلة مقابل 185 ألف وذلك بالتوازي مع الترفيع في مقدار المنحة الشهرية المسندة لهم مع تمتيعهم، هم و578 ألف شخص من محدودي الدخل بمجانية العلاج وبالتعريفة المنخفضة للعلاج بالمؤسّسات الاستشفائية العمومية.
كما شملت التدخلات العمومية ذات الطابع الاجتماعي أيضا الارتقاء بالمؤشرات المتعلقة بتحسين ظروف العيش حيث بلغت نسبة التزود بالماء الصالح للشرب بالمناطق الريفية 94,7% سنة 2013 مقابل 93,8% سنة 2011 وارتفعت نسبة ربط الأسر بالوسط الريفي بشبكة الكهرباء لتصل إلى 99% سنة 2013 ونسبة ربط الأسر بشبكة التطهير إلى 86% خلال نفس السنة.
أمّا في ما يتعلق بالبرنامج الخصوصي للسكن الاجتماعي الذي يهدف إلى تلبية احتياجات الفئات الاجتماعية محدودة الدخل من السكن اللائق، فإنّ الجهود متواصلة لتنفيذ هذا البرنامج وفق المراحل التي تمّ الاتفاق عليها والمتمثلة في إزالة المساكن البدائية وتعويضها بمساكن جديدة وبناء مساكن اجتماعية فردية وجماعية ومواصلة إنجاز برنامج تهذيب وإدماج أحياء سكنية كبرى قصد تحسين ظروف عيش متساكنيها وذلك على مدى سنوات 2012-2016.
حضرات السيدات والسادة،
وعلى صعيد أنظمة الضمان الاجتماعي والتأمين على المرض، تتقدّم الدراسات لاقتراح حلول وإصلاحات لمعالجة الديون المتراكمة وهو إصلاح جوهري لا مفرّ لبلادنا من الإقدام عليه في هذه السنوات بعد إجراء المشاورات اللازمة مع كلّ الأطراف المتدخّلة. ولا بدّ أن نكون على بيّنة أنّ تفاقم العجز واختلال التوازن في هذا المجال كما في غيره ناجم عن تأخّر التحرّك للإصلاح والخوف منه والرغبة في عدم تحمّل المسؤولية.
كما تواصلت خلال سنة 2013 الجهود من أجل دفع الاستثمار في القطاع الصحي من خلال تدعيم البنية الأساسية الصحية والتجهيزات ومشاريع صناعة الأدوية والارتقاء بالموارد البشرية وذلك بغية تطوير الخدمات الصحية وتقريبها من المواطن في كلّ المناطق.
وسيتواصل العمل خلال سنة 2014 على تطوير الخارطة الصحيّة وتوفير الإطارات الطبية وشبه الطبية في كافة الجهات والهياكل والعمل على توفير الأدوية بصفة منتظمة وتحسين المؤشرات الصحية على غرار مؤمل الحياة عند الولادة الذي سيبلغ إن شاء الله 75,2 سنة.
حضرات السيدات والسادة،
تضمّن مشروع قانون المالية لسنة 2014 جملة من الإجراءات ذات الطابع الاجتماعي شملت بالخصوص تخفيف العبء الجبائي على أصحاب الدخل الضعيف ومواصلة العمل بالامتيازات الجباية في إطار البرنامج الخصوصي للسكن الاجتماعي وهي إجراءات تتماشى مع ثوابت السياسة الاجتماعية التي انتهجتها الحكومة.
وبالتوازي مع هذا الإجراء ستتضاعف الجهود للضغط على أسعار المواد الغذائية من خلال تدعيم العرض وتكوين المخزونات التعديلية مع العمل بالتسعيرة الظرفية لجملة من المواد الاستهلاكية الحساسة إن اقتضت الضرورة ذلك إلى جانب إحكام التصرف في مسالك التوزيع والتصدي إلى ظاهرة التجارة الموازية بتطبيق القانون وتكثيف أعمال المراقبة على الشريط الحدودي والمعابر والنظر في توسيع شبكة فضاءات البيع من المنتج إلى المستهلك بالنظر إلى النجاح التي لقيته هذه التجربة خلال سنة 2013.
لقد كنا ومازلنا صرحاء في تعاطينا مع الملفات الحساسة وخاصة الاجتماعية منها حتى لا تكون النتائج خلافا لمتطلبات المرحلة. فالتشغيل والدعم والأسعار والضمان الاجتماعي والتربية والتعليم والتكوين المهني وغيرها، كلّها ملفات تستدعي تحقيق توافق وطني شامل نظرا لأهميتها وتأثيرها على الأجيال القادمة. وهو أمر لا يتسنى تحقيقه إلاّ في إطار مناخ من السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي.
حضرات السيدات والسادة،
لقد بسطت أمامكم حوصلة لأوضاع البلاد وسياسات الحكومة وبعض ما حقّقته والضغوط المالية والاقتصادية التي نعيشها. واسمحوا لي أن أجدّد التأكيد في ختام هذه الكلمة على جملة من المسائل:
1. إنّ النفقات المتعلقة بالأجور والمنح نتيجة الاتفاقيات التي أبرمت خاصة سنة 2011 - وأغلبها في ظروف وضغوط تعلمونها - أو التي أبرمت بعد ذلك لمعالجة إخلالات كبيرة، إنّ هذه النفقات المتعلقة بالأجور ونفقات الدعم في مجال المحروقات بالخصوص، فضلا عن دعم المواد الأساسية ومجال النقل قد ساعدت على تلبية عدد من المطالب المشروعة وحماية الفئات الضعيفة وتكريس العدالة الاجتماعية.
ولكنها في الوقت نفسه أثقلت كاهل الدولة على المستوى المالي، وهذا ما رفّع في التداين من جهة، ومثّل ضغطا على ميزانية التنمية من جهة أخرى.
ولإعطاء الاقتصاد الوطني كل مقوّمات الإقلاع، تحتاج البلاد إلى التوازن بين النفقات والموارد وإلى الاستقرار الاجتماعي والانصراف للعمل ومضاعفة الإنتاج وهذا هو الذي يمكّن من تحقيق نسب نمو مرتفعة وربح المنافسة وتشجيع المستثمر التونسي والأجنبي. وأعتبر أنّ أكبر عامل للاستثمار ومشجّع عليه هو اطمئنان المستثمر للاستقرار الاجتماعي ولمردودية العامل.
2. إن توافق الأطراف السياسية والاجتماعية خلال المرحلة الانتقالية أو المؤقتة على أهميته لا يكفي لتحقيق الاستقرار السياسي، إذ يتحقق الاستقرار السياسي الحقيقي بوجود سلطة شرعية غير مؤقتة بما يمكنها من التخطيط البعيد والمتوسط والعاجل، ويمكّن كل الأطراف الوطنية والدولية (دولا ومؤسسات) من التعاقد معها.
أمّا في حالة السلط المؤقتة فإنّ المتعاملين يغلّبون في كثير من الحالات الانتظار إلى حين أن تتضح الأوضاع (كما يقولون) وهذا ما يحتّم علينا لا فقط التوافق والاستقرار خلال ما تبقى من المرحلة الانتقالية أو المؤقتة وإنما بالخصوص الإسراع باختصار واختتام هذه المرحلة بانتخابات نزيهة تفرز مؤسسات قارة حتى تستفيد البلاد من كل إمكانياتها وعلاقاتها والفرص المتاحة امامها وهي كثيرة والحمد لله.
3. إن التحديات والضغوط التي نعيشها سواء كانت امنية أو مالية ليست عصية على الحل والتحكم، وتُمسك بلادنا كل مقومات تجاوزها بنجاعة وسرعة إذا ما راعت كل الأطراف السياسية والاجتماعية طاقة البلاد وأولوياتها وتحلت بالموضوعية والديمقراطية في علاقاتها.
إن ثبات بلادنا وتحقيقها لنسب نمو إيجابية ومحافظتها على الديمقراطية والسلم الاجتماعي وتصديها للإرهاب وعوامل الفوضى والجريمة والانفلات وحمايتها لحدودها في محيط إقليمي مليء بالتوترات والانفلات لدليل على ما يختزنه هذا الشعب من طاقات كبرى وعلى ما يتحلى به مسيروه ونخبه من غيرة على استقلال البلاد واستقرارها ومدنيتها رغم كل الصراعات السياسية والاجتماعية.
فلنبن على هذه المكاسب ولنثابر فإنّ الدفع ببلادنا نحو المناعة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في متناولنا، وذلك هو جوهر أهداف ثورتنا المباركة التونسية الخالصة التي ألهمت بقية الثورات في انطلاقها ونأمل ونثق في أن تلهمها في نجاحها الكامل بتحقيق أهدافها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.