بقلم رئيس التحرير* يبدو أن الاقدار ادرت ظهرها للمهدي جمعة وحالت دون تحقيق أول أمنية له لاخراج البلاد من الازمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها من خلال فتح حنفيات التمويل الاجنبية المغلقة .. المهدي جمعة كان يأمل ان يتحول الى دافوس اليوم وفي يده دستور وبيده الاخرى رزنامة محددة للانتخابات القادمة ويتحدث للفاعلين السياسيين والاقتصاديين في العالم مرفوع الرأس ،مفتخرا بان تونس نجحت في تحقيق أهم خطوة على درب الانتقال الديموقراطي القويم من خلال المصادقة على دستور حداثي والتوافق حول خارطة واضحة لما تبقى من المرحلة عساهم ان يفي الفاعلون الدوليون بتعهداتهم السابقة ويفتحوا خطوط التمويل الضرورية لانقاذ البلاد مما وصفه احد المقربين من جمعة حرفيا بان تونس "دخلت في الحيط" وانه اذا لم تتوفر التمويلات الخارجية فان الدولة ستعجز على تنفيذ ميزانية سنة 2014 . غير ان عكاظيات سكان المجلس الوطني التاسيسي ومزايداتهم ودموعهم وتكبيراتهم وحساباتهم الضيقة حالت دون ان يتحوّل جمعة الى دافوس اذ قرر في اخر المطاف ان الافضل الغاء زيارته من أن يتحول بيدين فارغتين جمعة كذلك لا يخفي علنا قناعته ان الوضع صعب جدا على المستويات الامنية والاقتصادية والاجتماعية ..لذلك اختار أن يولي اهتماما خاصا لهذه الملفات برؤية واضحة وواقعية فهو ما فتئ يردد انه ليس بسوبرمان وان تحقيق كل المطالب يفترض العديد من السوبرمانات لذلك ارتأى ان يعمل في اطار مضبوط عماده اعادة الاعتبار لهيبة الدولة ولقيم العمل بالاعتماد على حكومة من الكفاءات المحايدة غير المحزبة ولا يخفي انه يفضل الحفاظ على 4 وزراء من التشكيلة الحالية لاسباب تقنية بحتة على راسهم وزير الداخلية لطفي بن جدو الذي يرى ان تغييره مغامرة مجهولة العواقب وانه لن يغفر لنفسه لو حصلت اية عملية ارهابية ان غيّر وزير الداخلية وعيّن مكانه اخرا قد يتطلب فهمه لدواليب سير الوزارة مدة ..ويرى المقربون منه ان الابقاء على بن جدو سيرافقه ادخال بعض التعديلات صلب الوزارة اضافة لتكليف جمعة لمستشار مكلف بالملف الامني ضمن فريق عمل رئيس الحكومة الذي ترى ذات المصادر انه سيكون مخضرما اذ ليس من الغريب أن يبقى ضمن فريق عمله وجوه من الحكومة القديمة دون ان يكثر من هيكل المستشارين لان الاكثار منهم قد يكون سببا في عزله عن محيطه وهو ما يرفضه ..فرؤية الرجل للتعيينات السابقة تختلف عن الرؤية السياسية او الاعلامية فهو لا يهتم بالتلوّن الحزبي للمسؤول او بمن كان قد عيّنه بقدر ما تهمه كفاءته أي ان القاعدة رقم واحد هي ان يكون الرجل المناسب في المكان المناسب ... وهو يعتبر ملف التعيينات مستنقعا ان ولجه فلن يخرج منه الا اذا ما غادر الحكومة ومن هذا المنطلق فسينتهج توجها بسيطا اي ان يمنح الثقة للوزراء لمراجعة من هم مرجع نظرهم في حين سيتولى الولاة الذين سيمنحهم ثقته ايلاء ملف التعيينات الجهوية بدءا بالمعتمدين انتهاء بالعمد ما يستوجبه الامر من اهتمام بحيث ان رأوا فائدة في عزل البعض او تغييرهم فسيكونون اصحاب قرار...ومركزيا فان لجمعة وجهة نظر خاصة في تجميع الهياكل الوزارية بما يقلل من عدد الوزراء بحيث يأخذ بعين الاعتبار مسالتين مهمتين اولهما توافق الهياكل وثانيهما قدرة الشخص المكلف بالتسيير على ادارة تلك الهياكل التي ستضم اكثر من وزارة واكثر من ديوان في المقابل فان مهدي جمعة ما فتئ يؤكد التزامه بتطبيق ما جاء في خارطة الطريق وهو في الان نفسه واع بالملفات الحارقة على غرار ملف التمويل المشبوه لبعض الجمعيات وملف رجال الاعمال المصطلح على تسميتهم بالممنوعين من السفرالذي يرى انه من الضروري ان يغلق بسرعة وفي اطار حماية حقوق الدولة مشددا في الان نفسه على ضرورة التسريع بالمصالحة علما انه يعي جيدا ان هذا الملف كان محل تجاذبات ومزايدات سياسية جعلت المعنيين به أسرى لدى السياسيين . ختاما فان جمعة ووفق مقربين منه بعيدا كل البعد عن الانتماء للاحزاب وهو يفرح جيدا كلما بلغه ان حزبا ما تبناه لانه بالقدر الذي تتسع فيه دائرة الرضاء عن شخصه وحكومته بقدر ما تسهل مهمته رغم انها تبدو للعارفين مهمة مستحيلة - بالشكل الذي يريد تحقيقها كل الناس - وممكنة كما يتصورها الرجل ..ويبدو انه يعرف ما يريد