كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    جماهير الترجي : فرحتنا لن تكتمل إلاّ بهزم الأهلي ورفع اللقب    رئيس البرلمان يحذّر من مخاطر الاستعمال المفرط وغير السليم للذكاء الاصطناعي    سجنان: للمطالبة بتسوية وضعية النواب خارج الاتفاقية ... نقابة الأساسي تحتجّ وتهدّد بمقاطعة الامتحانات والعمل    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    زيادة ب 4.5 ٪ في إيرادات الخطوط التونسية    وزارة السياحة أعطت إشارة انطلاق اعداد دراسة استراتيجية لتأهيل المحطة السياحية المندمجة بمرسى القنطاوي -بلحسين-    وزير الخارجية يواصل سلسلة لقاءاته مع مسؤولين بالكامرون    عمار يدعو في ختام اشغال اللجنة المشتركة التونسية الكاميرونية الى اهمية متابعة مخرجات هذه الدورة وتفعيل القرارات المنبثقة عنها    الرابطة 2: نتائج الدفعة الأولى من مباريات الجولة 20    الترجي الرياضي يفوز على الزمالك المصري. 30-25 ويتوج باللقب القاري للمرة الرابعة    بطولة مدريد للماسترز: أنس جابر تتأهل الى الدور ثمن النهائي    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    توزر: الندوة الفكرية آليات حماية التراث من خلال النصوص والمواثيق الدولية تخلص الى وجود فراغ تشريعي وضرورة مراجعة مجلة حماية التراث    هيئة الأرصاد: هذه المنطقة مهدّدة ب ''صيف حارق''    تعاون مشترك مع بريطانيا    دعوة الى تظاهرات تساند الشعب الفلسطيني    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    تامر حسني يعتذر من فنانة    ملكة جمال ألمانيا تتعرض للتنمر لهذا السبب    جيش الاحتلال يرتكب 4 مجازر جديدة في غزة    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    الرابطة الثانية : نتائج الدفعة الأولى لمباريات الجولة السابعة إياب    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الثقافة الإيطالي    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    خبير تركي يتوقع زلازل مدمرة في إسطنبول    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    عاجل/ الحوثيون يطلقون صواريخ على سفينتين في البحر الأحمر..    هوغربيتس يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة.. ويكشف عن مكانه    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    قفصة: ضبط الاستعدادات لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق خلال الصّيف    تونس : أنس جابر تتعرّف على منافستها في الدّور السادس عشر لبطولة مدريد للتنس    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    انطلاق أشغال بعثة اقتصادية تقودها كونكت في معرض "اكسبو نواكشوط للبناء والأشغال العامة"    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي العريض: لا شك أن بعض التونسيين سيعاقبون الترويكا ..وهذا هو المرشح للرئاسية الذي سندعمه..
نشر في الصباح نيوز يوم 30 - 06 - 2014

قال علي العريض، رئيس الحكومة السابق ، إن خروج حركة النهضة من الحكم أثبت للجميع أنها تسعى إلى ضمان التعايش السلمي بين مختلف الأطراف، وتكريس مبدأ التداول على السلطة.
واعترف العريض في حوار أجرته معه صحيفة الشرق الأوسط بوجود صعوبات في صفوف النخب السياسية التونسية في الالتزام بقواعد الديمقراطية، وقال: «حتى الآن ما زال يغلب على بعض تصرفاتها عدم الاعتراف بالآخر، وما زالت تفكر في الاحتكام إلى الشارع واستعمال العنف».
وبخصوص النقد الموجه لحركة النهضة طوال فترة حكمها، قال العريض، إن القيادات السياسية في حركة النهضة لم تكن على وعي كامل بمشكلات الانتقال الديمقراطي، فقد «اتضح أنها أعقد بكثير مما كنا نتصور نحن وشركاؤنا في الحكم».
وأشار العريض إلى أن تعذر تدرب حركة النهضة وحلفائها في السلطة وكذلك المعارضة على الحكم هو الذي أدى إلى مأزق سياسي انتهى بتنازل حضاري عن السلطة من أجل الثورة ومحافظة على المسار الديمقراطي.
وفي معرض انتقاده لفترة حكم حركة النهضة، قال إن حزبه بعد انتخابات 2011 لم يبذل الجهد الأكبر، ولم يستمت في البحث عن صيغة ما لإشراك الجميع في تحمل أعباء الحكم، بل إن شقا كبيرا من المعارضة سعى إلى إعاقة عمل الحكومة وإفشالها، على حد قوله، اعتمادا على «ذهنية الحاكم السابق الذي يقرر ويفرض الحل بالقوة»، مشيرا إلى أن هذه الذهنية ما زالت تصطحب الكثير من القيادات السياسية.
وبشأن مبادرة الرئيس التوافقي التي طرحتها حركة النهضة، كشف العريض عن وجود تفاعل إيجابي مع تلك الفكرة، ولم يستبعد إمكانية ترشح أحد قيادات حركة النهضة للمنافسة على كرسي الرئاسة، وقال إن الحركة تعتقد أنها «حزب مسؤول مثل بقية الأحزاب الكبرى على مستقبل الديمقراطية في بلادنا، وهو الذي أملى عليها التشاور من أجل رئيس توافقي يضمن الاستقرار السياسي ويبعد عنها شبح الانتكاسة».
واستبعد العريض حصول السيناريو المصري في تونس، لكنه حذر من سيناريو آخر قد يجد طريقه إلى تونس، ويدفع بالبلاد إلى التآكل الداخلي من خلال التراجع الاقتصادي وانعدام الاستقرار الأمني وتهديد مسار الانتقال الديمقراطي.
ولم ينفِ العريض إمكانية معاقبة تحالف الترويكا من قبل بعض الناخبين التونسيين خلال الانتخابات المقبلة.
وفيما يلي نص الحوار كما ورد بالشرق الاوسط):
* غادرت قيادات حركة النهضة السجن، وتولت مسؤولية الحكم، وأصبحت أنت وزيرا للداخلية ثم رئيسا للحكومة، هل كنت تتوقع في السابق حدوث مثل هذا السيناريو؟
- كانت لدي ثقة كبيرة في تغيير الأوضاع في تونس، وأن الثورة حاصلة قريبا، ومن اليقين أنها لن تبطئ كثيرا. ولكن ما لم يكن حاصلا في ذهني هو أن تتطور الأوضاع وتتسارع الأحداث بتلك الوتيرة لتحصل الثورة سنة 2011. كنت أتابع الحراك الاجتماعي والسياسي المسجل في كثير من جهات تونس، ولكن في الحقيقة لم نكن في حركة النهضة ننتظر نجاح الثورة سنة 2011، فقط كانت الوضعية مفاجئة جدا لكل التونسيين ولكل القوى الدولية التي درجنا على اعتبار أنها سباقة في تصور ما سيحدث.
* وهل كنت على يقين من وصول حركة النهضة إلى الحكم بعد أن ظلت لعقود من الزمن تبحث عمن يعترف بوجودها القانوني؟
- لأن الثورة كانت مفاجئة وسريعة فقد كان الأمر لصالح كل التونسيين ومن ضمنهم أنصار حركة النهضة، ذلك أن الثورة لم تعط فرصة لأي طرف سياسي للتدخل في شؤونها. ولهذا لم تفاجئنا نتائج انتخابات 2011 وكنا متخوفين من رد فعل التونسيين تجاه حركة النهضة التي عمل النظام السابق على تشويهها بكل الطرق.
* وكيف وجدتم الناخب التونسي في انتخابات المجلس التأسيسي ؟
- لا أخفي عليكم أن بعض الأطراف السياسية التونسية اعترضت على تمكين حركة النهضة من الترخيص القانوني، وركزت على المقولة القديمة التي مفادها أن الحركة ذات طابع ديني، وهذا، على حد قولها، مخالف لقانون الأحزاب. ولكن السلطات التونسية بعد الثورة قررت فتح المجال السياسي أمام الجميع.
وعملنا في بداية نشاطنا بعد الثورة على تبديد الشكوك تجاه حركة النهضة، وسعينا إلى تأهيل أبنائها، وإعادة ترتيب أولوياتها. ووجدنا للأمانة تجاوبا كبيرا من قبل الشعب التونسي بعد أن بقينا لمدة عقود ممنوعين من التواصل معه.
* هل كانت لديكم شكوك بشأن رد فعل التونسيين تجاه حركة النهضة؟
- دعني أؤكد لك أننا وجدنا الشعب التونسي أفضل بكثير من عدة أطراف سياسية. فقد كان على استعداد لسماع آرائنا وتوجهاتنا وبرامجنا مباشرة منا نحن، وليس من أطراف أخرى. وقد يكون هذا الأمر هو الذي فسح أمامنا الطريق للفوز في انتخابات 2011 بنسبة تجاوزت 44 في المائة من مقاعد المجلس التأسيسي
* ولكن تجربة الحكم لم تكن إيجابية في معظم جوانبها فما الذي عطلها، وما تقييمكم للفترة التي قضتها حركة النهضة على رأس الحكومة؟
- تجربة الحكم لا يمكن تقييمها إلا في إطار علاقتها مع تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس، ودرجة وعي كل الأطراف بصعوبة المرحلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
لذلك أمكن لنا الخروج بمجموعة من الملاحظات من بينها أن الحرية خلقت ارتباكا في صفوف التونسيين، وذلك بفعل أن كل الأطراف السياسية والاجتماعية لم تكن مهيأة لتقبل قواعد التعامل الديمقراطي. فالبلد اعتاد على أن تحل مشكلاته في ظل مناخ استبدادي وبطريقة مستبدة. كما أن المرحلة التي تلت ثورة 2011 كانت صعبة للغاية، فهي مرحلة الصراعات، سواء بين الأحزاب أو داخل الأحزاب نفسها، وقد تفاقمت الأوضاع الاجتماعية والأمنية في ظل مطالبة متواصلة بالتنمية والتشغيل. ولنا أن نشير إلى أن حجم التطلعات كان أكبر بكثير من حجم الإمكانيات المتوفرة في تونس.
* هل يعني هذا أن تحالف «الترويكا» الحاكم بزعامة حركة النهضة كان من دون أخطاء؟
- أنا لم أقل إننا حكمنا دون أن نخطئ، ولكن من الضروري الإشارة إلى ارتفاع منسوب الحرية بعد الثورة، فهذا الأمر هو الذي أثر في الأمن والاستقرار، وخلق مناخا من المطالبات المجحفة التي أدت أحيانا كثيرة إلى الفوضى. ومع ذلك، أظن أن الحكومات التي أعقبت انتخابات 23 أكتوبر 2011 أقدمت على مجموعة من الإصلاحات على مستوى الضرائب وسياسة صندوق دعم المواد الاستهلاكية، وكذلك الأمن، وعملية التنمية في الجهات.
* لكن الانتقادات التي وجهت إلى حركة النهضة كانت كثيرة وفي مجالات متعددة، فهل نفهم من كلامك أن فترة حكم النهضة وشريكيها كانت خالية من الأخطاء؟
- هذا غير صحيح، ففي فترة حكمنا اعترضتنا عدة مشاكل؛ أهمها على الإطلاق المحافظة على الحرية (حرية التظاهر - حرية الإعلام - التعددية السياسية، وغيرها من التحديات) من ناحية، والتمسك بمبدأ احترام القوانين والمؤسسات، من ناحية ثانية. وأظن أننا أسسنا الأرضية الكافية لهذا الكسب الكبير الذي نوه به العالم قبل أن نذكره نحن.
كما أننا واجهنا، بكثير من الحنكة السياسية والصبر، التحدي الأمني، وتساءلنا عن الطريقة المثلى للمحافظة على الاستقرار ومقاومة مظاهر الإرهاب، وفي الوقت نفسه الالتزام بمعايير حقوق الإنسان، والابتعاد عن أشكال الانتهاكات كافة. ولذلك، أصلحنا هياكل وزارة الداخلية، وغيرنا رسالة أعوان الأمن، وطبقنا برامج لتكوينهم، وعدلنا عدة قوانين حتى تتماشى مع حرية التظاهر. وما زالت تونس في حاجة إلى جهد إضافي في هذا المجال.
ولكن أصعب تحد واجهنا هو التحدي الاقتصادي والاجتماعي. فتغيير أوضاع الناس يتطلب مدة أطول مما كان متوفرا لدينا، في حين أن معدل عمر الحكومات التي تعاقبت على تونس بعد الثورة لا يزيد على السنة في معظم الحالات. ومع ذلك، سعينا إلى معالجة الأوضاع العاجلة، ولكن الإصلاحات العميقة على مستوى الاستثمار والتنمية تتطلب وقتا أكثر. ونستطيع القول إننا قطعنا خطوات في هذا المجال من خلال سن قانون جديد للاستثمار وقانون الطاقة والإصلاح المالي والبنكي، لكن هذه الإصلاحات لن تعطي مردودية ملموسة إلا بنجاح المهمة السياسية وتحقيق الاستقرار والأمن.
لقد مضت الدولة في تنفيذ استثمارات كثيرة، ولكن رأس المال الخاص ما زال مترددا تحت ضغط التجاذبات السياسية وتعذر وضوح الرؤية. كما أننا على مستوى العدالة الانتقالية سعينا إلى تسوية ملفات الماضي ومقاومة الفساد، ولم نسع طوال فترة حكمنا إلى سياسة انتقامية، بل حاولنا معالجة الملفات واستخلاص العبرة حتى لا تتكرر مآسي الماضي نفسها.
* لكنك عددت إنجازات الترويكا ولم تذكر لنا أخطاءها؟
- إذا كان هناك من نقد يمكن أن يوجه لحركة النهضة، فهو أن قياداتها لم تكن على وعي كامل بمشاكل الانتقال الديمقراطي، فقد اتضح أن المرحلة أعقد بكثير مما كنا نتصور نحن وشركاؤنا في الحكم. وذهب إلى ظننا أن إعلان نتائج انتخابات 2011 سيؤدي على الفور إلى الاستقرار السياسي والأمني والتفكير في حلول للملفات الشائكة، ومن ثم تسجيل نسبة نمو بإمكانها استيعاب جزء مهم من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للتونسيين. وهذا الأمر يسري علينا وعلى أحزاب المعارضة، إذ إننا لم نكن مدربين على الحكم، بل إنه لمن المفارقات أن يكون الشعب التونسي أكثر قبولا والتزاما بنتائج الصندوق وعمليات الاقتراع أكثر من النخب السياسية وبعض الأحزاب المعارضة. فالكثير من التونسيين انتقدوا واحتجوا، ولكنهم تعاملوا في نطاق احترام القانون، في حين أن النخب السياسية وجدت صعوبات في الالتزام بقواعد الديمقراطية، وحتى الآن ما زال يغلب على بعض تصرفاتها رفض الاعتراف بالآخر، وما زالت تفكر في الاحتكام إلى الشارع واستعمال العنف.
ولكن بالمقارنة مع بقية دول الربيع العربي، فإن النخبة السياسية في تونس كانت متقدمة ومكنت من نجاح تجربة الانتقال الديمقراطي في أصعب الظروف.
* لكن الطرف الذي يحكم هو الذي تقع عليه المسؤولية كاملة، ولا يمكن توجيه اللوم إلى النخب السياسية التي ظلت تراقب عملية الانتقال الديمقراطي بحذر كبير وشكوك أكبر؟
- هذا عين العقل، ونحن في حركة النهضة نرى أننا بعد انتخابات 2011 لم نبذل الجهد الأكبر، ولم نستمت في البحث عن صيغة ما لإشراك الجميع في تحمل أعباء الحكم، بل إن شقا كبيرا من المعارضة سعى إلى إعاقة عمل الحكومة وإفشالها.
وأود الإشارة إلى تواصل العقلية القديمة في التعاطي مع السلطة، إذ ذهب إلى ظن الجميع أن من يجلس على كرسي السلطة يطلب منه إنجاز كل شيء، وهذا يعني أن ذهنية الحاكم السابق الذي يقرر ويفرض الحل بالقوة ما زالت تصطحب الكثير من القيادات السياسية، بينما التفكير الأسلم أن البناء الديمقراطي يعتمد بالأساس على مؤسسات الدولة المتعددة، وأن القرار ليس بيد السلطة نفسها، بل تتقاسمه مع عدة أطراف أخرى؛ من بينها الإعلام وهياكل المجتمع المدني والرأي العام والأطراف الاجتماعية والقضاء.
لذلك، وأنت في مركز السلطة لا تفكر وحدك في قرارات وتنفذها، بل يجب أن تفكر في أن جزءا من القرار بيد أطراف أخرى، ولذلك تكون على قناعة أكثر من أي وقت مضى بأن دور الحكومة هو البحث عن تسويات بين مصالح متعارضة ومتناقضة.
* وهل هذه محاولة منكم للتنصل من المسؤولية في ظل سيل الانتقادات التي أدت إلى خروج الترويكا بزعامة حركة النهضة من السلطة؟
- أقر بأن الوعي بتعقد الأوضاع الاجتماعية قد ازداد حاليا، وأن أمر إخراج البلاد من واقعها المتردي يتطلب جهدا جماعيا. وقد اقتنعت قيادات حركة النهضة بتلك الصعوبات منذ البداية بعد احتكاكها بالملفات الشائكة الكثيرة، وقررت في نهاية المطاف إجراء تغيير حضاري على الحكومة بعد ترسيخ مبدأ التعايش بين الجميع والتداول السلمي على السلطة.
* لكن الكثير من متابعي الثورة اعتقدوا أن حركة النهضة اتخذت الحل الأسوأ، من خلال خروجها من الحكم في ظل شبح السيناريو المصري وإمكانية انتقاله إلى تونس.
- من الغريب أنه يوجد بيننا في تونس من ما زال ينوه بالسيناريو المصري ويود لو يحصل. ومع ذلك، نقول إن سيناريو آخر قد يجد طريقه إلى تونس ويدفع البلاد إلى التآكل الداخلي، من خلال التراجع الاقتصادي وانعدام الاستقرار الأمني وتهديد مسار الانتقال الديمقراطي. لقد كان لدينا خياران: إما التمسك بالشرعية ونتائج الانتخابات، وإما إتمام مسار الانتقال الديمقراطي، ففضلنا خيار الخروج من الحكم عوض التضحية بالثورة التي تعبنا من أجلها.
* بعد إزاحة إخوان مصر من الحكم، ألا ترون أن المهمة المقبلة مهما طالت الفترة ستكون موجهة إلى حركة النهضة؟
- حركة النهضة تونسية بالأساس، وهي تزداد تجذرا في أرضيتها، وتعتني بتدبير الشأن العام، وهي بذلك تختلف مع إخوان مصر على مستوى التجديد الفكري. فاهتمامنا موجه إلى العناية بالمشاكل الاجتماعية للتونسيين. ولا يمكن المقارنة بين الحركتين على الأقل، من ناحية موقع الدين والأسرة في تفكير كلا التنظيمين.
* وهل تعود حركة النهضة، في رأيكم، إلى الحكم من جديد بعد تجربة أولى لم يكتب لها النجاح الكامل؟
- لا شك في أن الخريطة السياسية ستتغير خلال الانتخابات المقبلة، وستتخلص أعداد كبيرة من الناخبين من الأحكام المسبقة الصادرة عن الأحزاب والمنظمات. وأعتقد أن الشعب التونسي خبر أهم الأحزاب والشخصيات، وتعرف على حقيقة وإمكانيات كل طرف، وصار واضحا لديه من يعمل ويجتهد حتى وإن أخطأ، ومن كانت مواقفه متذبذبة بين العمل من أجل الديمقراطية، من ناحية، وسرعة الانتكاس عليها، من ناحية أخرى، ولا يمكن عمليا مواصلة مغالطة التونسيين ببعض الشعارات الآيديولوجية القديمة.
* ألا تعتقد أن جزءا من الناخبين التونسيين سيعاقبون «الترويكا» نفسها، أم أن العقوبة ستوجه هذه المرة إلى أحزاب المعارضة؟
- لا شك أن بعض التونسيين سيعاقبون تحالف «الترويكا»، إذ يعتبرونه مسؤولا عن عدم تحقيق جزء من أحلامهم. ونحن نعلم أن الكثير من الأحزاب في العالم التي حكمت خلال المراحل الانتقالية غالبا لا يقع التجديد لها في أول انتخابات حقيقية. لكن التونسيين سيختارون أفضل القيادات السياسية الموجودة بعد أن خبروا مدى جدية كل الأحزاب. ونحن نعتقد أن البعض قد يتراجع عن دعم حركة النهضة، ولكن تعويضهم ممكن من بين من تبددت شكوكهم تجاه الحركة.
لقد استهدف الكثير من التونسيين حركة النهضة قبل الثورة وبعدها، وشككوا في إيمانها بالديمقراطية، واستهدفت إعلاميا بكونها ضد الحرية، وستفرض نمط عيش معينا بالقوة على التونسيين، لكن كل هذه الظنون والشبهات ذهب الجزء الأكبر منها. وكان حرصنا أثناء حكمنا على ضمان الحرية، وأثبتنا أن الدولة لا تتدخل في دين الناس، وسعينا إلى ترشيد الخطاب الديني وضمان مكتسبات التونسيين.
* بشأن مبادرة الرئيس التوافقي التي طرحتها حركة النهضة، ألا تعتقدون أنها ضرب مباشر للديمقراطية وحرية الترشح والاختيار بين المرشحين؟
- نعتقد داخل حركة النهضة أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة شأن سياسي كبير سيطبع حياة التونسيين لمدة خمس سنوات مقبلة، وربما لسنوات أخرى بفعل ما ستتمخض عنه تجربة الحكم في فترة الاستقرار السياسي. ولدينا معلومات أن عدد المرشحين سيكون أكثر من عشرة مرشحين، وهذا حسب تقديرنا يشتت الأصوات، لذلك فكرنا في التشاور الذي نعده ولاّد أفكار وحلول، والخروج بشخصية توافقية تحظى بدعم أكبر وبشرعية كبرى مما يمكنها من العمل في أجواء توافقية. ولمنتقدينا نقول إن حركة النهضة لم تقدم مرشحا، وأجرينا اتصالات، ولا نمارس وصاية على أحد. ولعلمكم حركة النهضة لم تقدم مرشحا من داخلها أو من خارجها حتى الآن. وغاية هذه المبادرة هي الابتعاد عن الاستقطاب الحاد وجعله ينتهي بالإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وخلال الفترة الماضية وجدنا تفاعلا إيجابيا من عدة أطراف سياسية، وأجرينا اتصالات هدفها الذهاب بقلب مفتوح إلى الانتخابات المقبلة، ونريد الرفق بتجربتنا الديمقراطية الناشئة حتى نجنبها كل أشكال الانتكاس وعودة الاستبداد. ومع ذلك فإن فرضية ترشح أحد قيادات حركة النهضة في الانتخابات الرئاسية المقبلة ما زالت قائمة الذات ولم نستبعدها تماما.
* لكن مقترح الرئيس التوافقي ترك تساؤلات عدة حول نوايا حركة النهضة وسعيها إلى الهيمنة من جديد على القرار السياسي؟
- نحن في حركة النهضة نعتقد أننا حزب مسؤول مثل بقية الأحزاب الكبرى على مستقبل الديمقراطية في بلادنا، ونحن بعيدون كل البعد عن الشك والريبة لأننا لم نقدم مرشحا من داخلنا، ولم نقدم شخصية سياسية وندعو إلى دعمها على حساب بقية المرشحين. ولكن دعني أشير إلى أن الشخصية التي ستدعمها حركة النهضة باعتبارها من أكبر الأحزاب السياسية على الساحة هي التي ستكون لها حظوظ كبيرة في النجاح في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية وتجد نفسها في الدور الثاني، وربما هذا هو مربط الفرس كما يقال.
* لكن هذا المقترح لم يجد الدعم الكامل وعارضه بعض المرشحين للرئاسة.. هل هناك أسباب، حسب رأيكم، للرفض أو القبول؟
- ننتظر أن يقبل بعض المرشحين برؤية أنفسهم خارج موقع الرئاسة، وربما يجد البعض الآخر صعوبات في قبول التخلي عن الترشح سواء في الدور الأول أو الثاني. ولكن طرح الفكرة أهم بكثير من مجرد التفكير في نتائجها.
* وماذا عن الاستقطاب الثنائي بين حركة النهضة وحركة نداء تونس.. وهل هناك نوايا خفية لاقتسام السلطة بعد الانتخابات كما اتهمكم جزء من المعارضة؟
- يبدو أن استطلاعات الرأي التي جعلت الحركتين في مراتب أولى في أكثر من مناسبة، هي التي أدت إلى هذا الاستنتاج الذي هو ليس في صالح بقية الأحزاب السياسية. نحن نريد أن تتوحد بقية الأحزاب وأن تشكل تحالفات ذات وزن، فهذا في صالح حياة سياسية سليمة، ونود أن تتوزع الساحة إلى أكثر من قطب سياسي، ونريد مجموعة من الأحزاب السياسية التي تطمئننا على مستقبل الديمقراطية في تونس.
* وكيف تقرؤون الخريطة السياسية المقبلة، وهل من تغييرات جوهرية؟
- أنتظر شخصيا تشكل ثلاثة أقطاب سياسية كبرى وليس استقطابا ثنائيا حادا كما صورته بعض القيادات السياسية، فحركة النهضة وحركة نداء تونس والجبهة الشعبية يمكن أن تمثل هذه الأقطاب السياسية.
* لكن البناء الديمقراطي في تونس مهدد بآفة الإرهاب، فكيف تعاملتم مع هذا الملف، وما هي استراتيجية الدولة في هذا المجال؟
- من الضروري الإشارة إلى أن ملف الإرهاب متشابك ومعقد ويتجاوز الحدود الوطنية من حيث تداخل وتعدد عناصره. نحن نختلف تمام الاختلاف مع الأفكار التي تتبنى العنف وتحمل الأسلحة في وجه الدولة، ولدينا مشروع مجتمعي على اختلاف جوهري مع التيارات المتطرفة، إذ سعينا إلى احترام الإسلام وتوطينه وترسيخ المكتسبات الإنسانية من خلال حماية حرية المرأة ودعم المناخ الديمقراطي، لذلك لا نعد أن الإسلام في صراع مع العصر، بل علينا أن نستنبت في تربة الإسلام كل نبتة طيبة تخدم مقاصد الإسلام.
* ومع ذلك اتهمت حركة النهضة بدعم الجماعات المتطرفة وغض الطرف عن أنشطتها خاصة خلال الفترة الأولى التي تلت الثورة..
- لقد طرحنا الموضوع بجدية وتساءلنا عن طريقة سلمية للتعامل مع الأفكار المتشددة، ودعوناهم إلى الالتزام بقوانين البلاد، ولكن جزء صغيرا من تلك التنظيمات ذات التفكير المنغلق فكر في حمل السلاح ضد أجهزة الدولة، ورفض نمط التدين في تونس، ونعني بتلك التنظيمات أنصار الشريعة، على وجه الخصوص. وحاولنا التفرقة بين من يدعو إلى الدين بطريقة سلمية ومن يحاول فرض تفكير معين على التونسيين. ولنقل إن قيادات حركة النهضة هي التي خلصت إلى تأكيد وجود جناح مسلح داخل تنظيم أنصار الشريعة، وأن بعض الساسة لم يكن على علم بذلك. ومنذ فترة أصبح التونسيون يدركون الفرق بين حركة النهضة والتنظيمات السلفية التي لم تظهر إلى الوجود بأفكارها المتطرفة بعد الثورة كما يذهب إلى ظن الكثير من التونسيين.
* لكن الوقوف على خطورة الإرهاب كانت فاتورته ثقيلة، إذ عرفت البلاد اغتيالين سياسيين، وسالت دماء كثيرة خاصة بين قوات الأمن والجيش..
- الدولة لاحقت وستلاحق وتجرم ممارسات الأشخاص الخارجين عن القانون، ولا شك أننا في تونس سجلنا نقاطا حاسمة ضد الإرهابيين، فهم محل محاصرة وملاحقة، كما أننا نجحنا في تفكيك تنظيم أنصار الشريعة وتعرفنا على خلاياه وطرق تمويله، وخلصنا إلى حظر أنشطته. ومع ذلك نقول إننا لسنا في مأمن من حصول عمليات إرهابية جديدة ضد الأفراد أو المؤسسات، لكننا تقدمنا في ضبط أمننا الداخلي، ونرى أن موضوع مقاومة الإرهاب طويل ومتواصل، كما أن مخاطره قد لا تأتينا بالضرورة من تونس. ونطلب من كل الأطراف أن تبذل جهدا أكبر على المستوى التربوي وفي المساجد وداخل العائلات، من أجل محاصرة الأفكار الهدامة.
* هل سنرى حركة النهضة من جديد في الحكم، وما هي النسبة المائوية التي تنشدها في الانتخابات البرلمانية المقبلة؟
- من المغامرة تقدير حجم الأحزاب السياسية خلال هذه المرحلة. فحالة الحراك السياسي متواصلة، وهي قد تفرز الكثير من التحالفات السياسية خلال الأشهر المقبلة. وأعتقد أن استطلاعات الرأي فيها الكثير من الصحة، فلحركة النهضة وأحزاب أخرى قاعدة انتخابية مستقرة وقارة. لكن التخوف اليوم يأتي من إمكانية إحجام التونسيين عن المشاركة في الانتخابات، وهذا هو الخطر بالنسبة لنا، إذ إن التوقعات تشير إلى أن قرابة 40 في المائة من التونسيين لم يحددوا بعد لمن سيصوتون.
وترجيحي الشخصي أن المشاركة في الانتخابات المقبلة ستكون مهمة، وأن التونسيين سيتجاوزون مناداة بعض الأحزاب، على غرار حزب التحرير، لمقاطعة الانتخابات، والتي يقولون إنها مقاطعة نشطة. فأغلب الأحزاب تدعم المشاركة بقطع النظر عن الفائز، وهذا شيء إيجابي للغاية. ننتظر تحمسا جماعيا لإنجاح الانتخابات، ومشاركة فعالة، وتوجيه أصوات الناخبين لمن يستحقونها فعلا (الشرق الأوسط)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.