قال اليوم الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي في الندوة العالمية الدولية حول النقابة والسياسة والعدالة الاجتماعية انه "ليس من باب المغالات ولا من قبل الإدعاء القول بأن الحركة النقابية في تونس مثلت ولا تزال تمثّل استثناءً فريدا في تاريخ الحركة العمالية العربية والإفريقية على الأقل". وحضر الندوة وداد بوشماوي رئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ونعمان الرقيق عميد كلية الحقوق بصفاقس وناجي البكوش مدرس الدكتوراه بكلية الحقوق بصفاقس، وفق ما ورد في الصفحة الرسمية لاتحاد الشغل. وأوضح العباسي : "لقد ولدت الحركة النقابية حاملة لهموم الوطن في بلد مستعمر، وفي مرحلة مشحونة بالصراعات الإيديولوجية، بين معسكرين اثنين تحدوهما النزعة الجامحة إلى بسط نفوذهما على العالم. في ظلّ هذا الواقع نشأت الحركة النقابية بموازاة الحزب الدستوري وفي خضمّ المعركة التحريرية ضدّ الاستعمار الفرنسي الغاشم... كانت البداية مع جامعة عموم العملة التونسيين على يدي محمد علي الحامي سنة 1924، وقمعت مبكّرا. ثمّ الثانية مع بلقاسم القناوي سنة 1936 والتي جاءت لإحياء التجربة الأولى فكان لها نفس المآل. ثمّ جاءت التجربة الثالثة مكلّلة بالنجاح سنة 1946 مع فرحات حشاد ورفاقه متوّجة بذلك ربع قرن من النضال على الواجهتين الاجتماعية والوطنية.لقد مثّل تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل في تلك السنة نهاية مرحلة وبداية أخرى. لقد كان هذا التحوّل، وعن جدارة، مدخل الحركة النقابية للتحوّل إلى إحدى المكونات الأساسية داخل المجتمع التونسي، سواء في معركة التحرّر الوطني أو في بناء دولة الاستقلال أو في سياق وضع المشروع الديمقراطي خلال فترتي حكم بورقيبة وين علي ثمّ بعد نجاح ثورة 17 ديسمبر 2010 – 14 جانفي 2011. هكذا كان البدء بالدفاع عن الذاتية التونسية قبل الذاتية الطبقية، من خلال حثّ العمال التونسين على الانسلاخ من النقابات التونسية والالتفاف حول الاتحاد الذي كان مؤسّسوه يرون في ال: س – ج – ت، مجرّد أداة « ابتلاع واستعباد للعامل التونسي، ويرون أنّ الأخيرة كما هي على رأس النقابات في فرنسا، يجب أن يكون الاتحاد على رأس الهيئات النقابية،في تونس. « فلتونس كما في لفرنسا مثلما يقول حشاد ملكها وعلمها وشخصيتها وذاتيتها المقدسة من الجميع...". ومن جهة أخرى، أشار العباسي إلى أنه «لا جدال أنّ الدور الذي يلعبه الاتحاد العام التونسي للشغل في بناء المشروع الديمقراطي ليس سوى مواصلة لما بدأه روّاد الحركة النقابية». مضيفا : «لقد كانت الرؤية القائدة هي المتمثلة في تلازم النضاليين الوطني والاجتماعي. وإنّ قضية الطبقة العاملة التونسية لا يمكن فصلها عن القضية الوطنية. ولا جدال أيضا في أنّ هذه الرؤية هي التي لعبت دورا محدّدا في صنع النموذج التونسي أو الاستثناء التونسي، سواء في مرحلة التحرير كما سبق وذكرت، أو في مرحلة ما بعد الاستقلال وحتّى اليوم في مرحلة الانتقال الديمقراطي». ومن جهة أخرى، قال حسين العباسي انّ «البعض من المناوئين يلومون علينا اليوم «الاهتمام بالسياسة» كما كان الأمر في الماضي». وأضاف : «وكما كان يردّ حشّاد على مناوئيه الفرنسيين ما فتئنا نقول ونكرّر « أنّ السياسة موجودة حيث ما كنّا، وإنّنا إذا ما حاولنا تجاهلها فإنّها لن تتجاهلنا «. فالعامل التونسي في نضاله من أجل الإنعتاق والرقي الاجتماعي كثيرا ما يصطدم بعراقيل سياسية عليه أن يتخطّاها، «ولن يتمكّن من ذلك إذا لم يقف إزاءها على نفس الخطّ «..إنّ وفاءنا للروّاد واستحضارنا دوما لتجاربهم، أكسبنا وعيا عاليا بشأن حقوقنا وواجباتنا: واجباتنا نحو أنفسنا، وواجباتنا نحو رفيقاتنا ورفاقنا، وواجباتنا نحو منظّمتنا الشغيلة ونحو العمل النقابي، وواجباتنا نحو الوطن. كما أكسبنا تربية قائمة على مفهوم المصلحة العليا للوطن والتفاني في حبّه وعلى تقدير الحرية الفردية والجماعية كقاعدة أساسية للرقي الاجتماعي. فلا يمكن لأيّ عامل اعتبار نفسه حرّا ما لم يكتسب حريّته كمواطن وما لم يكن له حسّ التضامن مع النضال الجماعي لشعبه من أجل التحرّر الوطني والانعتاق الاجتماعي من الاستغلال والفساد والتأسيس لمقوّمات المواطنة والديمقراطية.» وأكّد انّ «اهتمام الاتحاد العام التونسي للشغل بالسياسة سواء كانت اقتصادية أو دبلوماسية أو أمنية أو جهوية إنّما لاقتناعنا بأنّ أيّا من هذه السياسات لا قيمة لها إذا لمّ تكن موجّهة لتحقيق العدالة الاجتماعية ومسكونة بهاجس إحياء المسألة الاجتماعية، وما لم تكن مسخّرة جميعها لتحقيق السعادة والرّفاه والطمأنينة لجميع المواطنين دون استثناء أو إقصاء». كما قال : «إنّ اهتمامنا بالسياسة لم يكن يوما من أجل الحكم، إنّما من أجل الوقوف حائلا دون تغوّل المنطق الاقتصادي أو الحزبي الضيق على الاستحقاق الاجتماعي الذي يجب حسب رأينا منحه الأولوية والعلوية في كلّ ما يُتخّذُ من قرارات، وما يمارس من نشاط. هذا خيارنا وهذا توجّهنا ولن يثنين عنه أيّ كان»، مضيفا : «انّني على يقين من أنّ مداولاتكم وإسهاماتكم سوف تحمل الكثير من الإضاءة بشأن مشروعية مواقفنا الداعية إلى تلازم النضالين الوطني والاجتماعي، وتلازم النضال النقابي والعمل التنموي كلّ ذلك من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية التي تبقى غاية كلّ سياسة وكلّ نشاط اقتصادي.»