الفنان منير الطرودي هو فنان متمرد إلى أبعد الحدود في أغانيه وطريقة أدائه ولباسه وأفكاره ،خير السير عكس التيار فنجح خلال مسيرته في خلق موسيقى تمزج بين المقامات البدوية التونسية الأصيلة وأنماط الموسيقى الغربية الحديثة كالجاز والروك. هو فنان يؤمن بأن الفن وسيلة لتمرير الأفكار الخيرة والقيم النبيلة لذلك جاءت أغانيه تحمل مضامين ملتزمة وتعالج قضايا واقعية تقترب من اهتمامات المواطن البسيط والفئات الاجتماعية المسحوقة. عرفه الجمهور وأحبه من خلال أغانيه الثورية مثل "الشهرية" و"العساس" و"ناقوس" و"يا حمة" و"الزهر"، وأكثرها شهرة أغنيته الفريدة "سيب صالح" التي تدافع عن حرية الأنترنات في تونس أو ما عرف في تلك الفترة ب"عمار 404". في الحوار التالي نقترب أكثر من منير الطرودي ليحدثنا عما طاله من مضايقات إبان الحكم الجائر وكيف استطاع رغم سيل الإتهامات الباطلة في شأنه أن يصمد ويواصل مسيرته الفنية بثبات؟ علمنا أنك بصدد إصدار ألبوم بعنوان" توسل" فهل سيحتوي على أغاني ثورية مثلما عهدناها منك في العهد البائد؟ في الواقع مسألة الأغاني الثورية وخاصة التي تمجد ثورة الشعب التونسي هي محل إهتمام كل فنان ويمكن القول أنني بصدد الإعداد لمجموعة من هذه الأغاني لكنها ذات طابع صوفي فلكلوري فلسفي وبعد أن تحررت الساحة الفنية من كل القيود فمن المنتظر أيضا إصدار أغاني بحجم الثورة التي قادها الشعب. كنت من الرموز الفنية التي عارضت توجهات النظام السابق وخيرت مواصلة النضال من أجل تكريس حرية الرأي فهل وجدت مضايقات آنذاك؟ بالتأكيد ،ما لم أستسغه في تلك الفترة هو تعويل ذلك النظام على أشباه الفنانين فكنت تراهم يمجدون ويمرحون في كل ركح دون أن يتدخل أحد ويضع لهم الخطوط الحمراء وما يثير السخط هو محاولاتهم لتلميع صورة النظام وإظهاره على أنه رمز للحريات والحقوق المحفوظة والعديد من الشعارات التي يندى لها الجبين،وكنت احاول توعية الرأي العام بما يقترفه هؤلاء في حق المشهد الفني التونسي الذي خرب جراء تصرفاتهم الغير مسؤولة والمأسوف عليها . كيف تعامل معك النظام في ذلك الوقت حينما أصدرت أغنية "سيب صالح" التي راجت بكثافة مهولة داخل تونس وخارجها؟ المضحك في الأمر أنه حالما صدرت هذه الأغنية ووجدت صدى واسع النطاق على الشبكة الإجتماعية الفايسبوك انطلقت المضايقات من جهات أمنية ووصل الأمر بأحد الضباط الذي ينتمي الى سلك أمن الدولة أن وجه لي في تلك الفترة تهديدا واضحا وصريحا، وطلب مني عدم الخوض في المسائل السياسية فأجبته انها مسألة حريات وليست سياسية ،بعد هذه المكالمة تحولت الى شخص غير مرغوب فيه فتم إقصائي من كل المهرجانات بتونس وأصبحت محاصرا من قبل هذه الأجهزة الأمنية كما مورست علي ضغوطات كبيرة كان الغرض من وراءها اقصائي نهائيا من المشهد الثقافي . وهل إستطعت الصمود أمام هذا الكم من التضييقات ؟ هل سمعت بمنير الطرودي يغني في المهرجانات التونسية...قطعا لا ...لكن رغم كل هذه التضييقات وجدت كل الدعم في الخارج وحظيت بإعجاب وتقدير الجمهور التونسي والعربي في كل الحفلات الفنية التي أسجل فيها حضوري لكن المحزن أنك تجد كل هذا التقدير في بلدان أجنبية في حين يقع تهميشك في بلدك الأم وهو ما لا يقبله العقل فكيف تريد من المشهد الفني في تونس أن يتطور في ظل سياسة قمعية مستبدة تبيد كل رأي حر؟. هل تعتقد أن أغنية "سيب صالح " الشهيرة ساهمت بشكل كبير في بلورة الثورة الشعبية؟ بالفعل وأكاد أجزم أنها ساهمت بقسط كبير في بلورة مفهوم لدى العامة بما تعيشه تونس في تلك الفترة من تضييقات طالت حرية الإبحار على الشبكة العنكبوتية بحيث أصبحت كل المواقع الفنية منها والسياسية محجوبة ووصل الأمر الى حد التهدديد بحجب الفايسبوك آخر معالم الحرية المتوفرة على الشبكة في تونس ويمكن القول أن النجاح الباهر الذي صنعته الأغنية جعل العديد من البلدان في العالم تتفطن الى ألاعيب النظام في تلك الفترة وترويجه الى ان الحجب يطال بعض المواقع المتطرفة فكريا ودينيا واتضح أنها فزاعة يعول عليها النظام في حجب فضائحه التي أصبحت مكشوفة لدى القاصي والداني. شاهدناك في الصفوف الأمامية أثناء اندلاع الثورة فهل كنت متأكدا من نجاحها؟ هي ثورة الشرفاء والأبرياء ...الجميع خرج بطريقة إعتباطية دون أي تحريض من احد وانما على إقتناع أن سياسة القمع والإستبداد وصلت إلى مرحلة تقتضي معالجتها والدواء الشافي لها هو إقتلاعها من جذورها ورميها في مزبلة التاريخ وتطهير البلاد من كل رموز الفساد ...لا أحد يقبل بأن يهان في بلده ولا احد يقبل الإستخفاف بالتونسيين ...ما حصل هو إنفجار متوقع حصوله في كل لحظة ... علمنا أنك بصدد الإعداد لحملة فنية تناصر الشعب المصري في نضاله ضد نظامه المستبد فما صحة ذلك؟ نعم وهي حملة لنصرة الشعب المصري في قضيته الشريفة لإسترداد كرامته ونحن الموسقيين والفنانين التونسيين نتضامن مع هذا الشعب الذي أرتكبت في حقه العديد من المجازر ولن نسكت طالما وان نظامه لا يزال قائم الذات ، كما اود ان أشير إلى أني شاركت في الحملة التضامنية التي أقامتها نقابة الموسقيين التونسيين مؤخرا وقمنا بتوزيع العديد من المساعدات لضحايا الإنتفاضة الشعبية في كل من القصرين وسيدي بوزيد ولاتزال هناك العديد من الحفلات التي نهدف من وراءها الى تقديم يد العون لعائلات الشهداء الذين سقطوا منذ 14 جانفي 2011 . ما موقفك من بعض الفنانين الذين إحترفوا الكلام على المنابر الإعلامية عوض الإهتمام بإثراء المشهد الثقافي؟ هؤلاء الفنانون الذين استفاقوا بعد الثورة أقول لهم إحفظوا ماء الوجه وألتزموا الصمت فالشعب التونسي ضاق ذرعا من ضحالة انتاجاتكم وكفى ضحكا على الذقون. كيف ترى المشهد الثقافي والسياسي في المرحلة القادمة؟ دون شك ...سيكون أفضل مما عليه الحال في السابق وانا متفائل بالمرحلة القادمة لأنها مرحلة البناء الديمقراطي الملموس الذي سيعيد لكل تونسي هيبته ويشحن النفوس على المضي قدما في الإرتقاء ببلادنا الى مصاف البلدان المتقدمة ...لا خوف على بلادنا بعد اليوم والمطلوب المحافظة على مكتسبات هذه الإنتفاضة وحمايتها من بعض الذين يصطادون في الماء العكر.